المرجعية العليا تعيد ضبط بوصلة "الشباب المحبط"... الآلاف يعودون إلى العراق بعد هجرتهم

مع بلوغ نشاط "داعش" الدموي ذروته في العراق وقبلها سوريا، بدأت تظهر علامات الذعر والخوف بقوة على شعوب الدولتين المنكوبتين، ربما كانت هي الأشد في "سوريا"!

قد تكون هي الانتكاسة الكبيرة الأولى التي شهدها الشعب السوري في تاريخه الحديث، غير أنه لم يستطع الوقوف أمامها بذات التماسك الذي أظهره الشعب العراقي على مدى تاريخه، إذ عاش عقوداً طويلة من الظلم والقتل والتدمير على يد الاستعمار و الحكومات الديكتاتورية، فكانت النهاية الخلاص في كل مرة من هذا الواقع المتوارث.. الخلاص عبر الانتفاضات والثورات وكل مظاهر الرفض والمقاومة التي أبداها العراقيون. أما في سوريا، فالمشهد كان مختلف تماماً، لقد غصت مخيمات اللاجئين في أورباً بعد 5 أعوام فقط من بدء صراع الموت والحياة داخل مدنها.

في العراق، اسهمت الماكنة الدعائية لمشروع التقسيم و "داعش" بـ "ترويع" العوائل العراقية، فانقسموا إلى فئتين، الأولى رأت أن الإنسان لا يساوي شيئاً على وجه هذه الأرض، فقرر الرحيل إلى مكانٍ أكثر أماناً، كانوا يرون في دول أوربا "قارب النجاة" الذي سينتشلهم من الغرق الحتمي القادم مع "داعش" والمكان الوحيد الذي سيعيد للإنسان قيمته المفقودة.

اما الفئة الثانية وهي الغالبة في العراق، فكعادتها في كل مرة حملت السلاح واتخذت قرار المواجهة، وإعادة قيمتها بـ "الانتفاض" ودرئ الخطر عن نفسها وأرضها بتقديم الدماء، وهذا ما حدث بعد صدور فتوى "الجهاد الكفائي" الذي اعتبرته شباب المقاومة واجباً عينياً عليها لأنها معنية بتطهير أرض العراق من أقزام داعش الطارئة.

كيف تعامل الإعلام "الخليجي" مع حدث الهجرة؟!!

بدأت عوائل عراقية بالهجرة فعلاً إلى دول أوربا بعد تأثرها بخطة "الإرعاب" التي نفذتها "داعش" بالتعاون مع الإعلام الخليجي "المأجور" الذي عمد إلى تهويل الأحداث في العراق، ودعم الجماعات المسلحة والمتطرفة بقوة من خلال نشر كل النشاطات الإجرامية لهذه الجماعات وعلى رأسها "داعش". لقد أسهمت قناتي "العربية" و "الجزيرة" وغيرها بتصوير مشهد الهجرة الجماعي على أنه الهم الغالب لدى العراقيين، وإن الآلاف من العوائل والشباب قرروا الرحيل إلى ملاجئ أوربا.. بعد ذلك اتسعت ظاهرة الهجرة الغير شرعية إلى تلك الدول ومنها ألمانيا، وبذلك بدأ "داعش" يستند إلى قاعدة جديدة "رخوة" سرعان ما تمزقت بمجرد أن أحرزت القوات الأمنية والحشد الشعبي تقدماً جديداً في العديد من المدن التي كانت خاضعة لسيطرة "داعش" لينشغل الإعلام مجدداً بحدث آخر رأى أنه يستحق أن يكون محوراً دعائياً لتوغل داعش أكثر من الحديث عن هجرة العراقيين إلى أوربا، وما رافقتها من مآسي ونهايات مؤلمة، لقد أصبحت انتصارات الحشد الشعبي وتحرير المناطق السنية من داعش حدثاً أكثر دسومة للحديث عن "ميليشيات شيعية" تسيطر الآن على مناطق تابعة لأبناء المكون السني المضطهد، لقد حان وقت سرد قصص جديدة عبر تلك الفضائيات.. قصص تتحدث عن انتهاكات وعمليات سرق ونهب تقوم بها هذه القوات، وهو ما سيعود على "داعش" بنتائج أفضل من تلك التي جاء بها الحديث عن الهجرة.

المرجعية العليا تعيد ضبط بوصلة الشباب المحبط

وكعادتها أيضا، لم تتعامل المرجعية الدينية العليا مع مثل هذا الحدث ببرود يشبه برود الحكومة التي تلجأ دائما إلى سرد التبريرات لا الحلول والإجراءات التي يفترض العمل بها، فبعد أن اعربت المرجعية عن قلقها من "اتساع ظاهرة الهجرة" بين الشباب؛ دعت على لسان ممثلها في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي إلى العمل بصورة جادة على اصلاح الاوضاع بخطة تنموية شاملة في مختلف المجالات الاقتصادية والصناعية والزراعية.

وشددت على "تنشيط القطاع الخاص لاستيعاب العاطلين عن العمل".

ولأنها تعي جيداً طبيعة أبناء الشعب العراقي؛ عمدت من خلال خطب صلاة الجمعة في الصحن الحسيني الشريف إلى إثارة "الحماس" و "الحمية" لدى الشباب العراقي، ودعتهم بالقول: "أنظروا الى اقرانكم - أيها الشباب - في القوات المسلحة وهم يقدمون التضحيات تلو التضحيات دفاعا عن العراق وشعبه". ودعتهم الى إعادة النظر بخيارتهم وأن يفكروا ببلدهم وشعبهم ويتحلوا بمزيد من الصبر.

المرجعية: التفريط بالعقول خسارة كبيرة للعراق

لم تكن هذه المرة الأولى التي تدعو فيها المرجعية العليا إلى استيعاب الشباب العراقي، أو الطاقات العلمية في البلاد، بل تعرضت إلى ذلك أيضاً في أحدى خطب الجمعة في الـ 22 آب عام 2013، أي قبل حدوث الهجرة بعامين تقريباً، ودعت حينها إلى "إلغاء المحسوبية"  واعتماد مبدأي "حسن التوظيف" و "الكفاءة" من أعلى سلطة في البلد إلى أقل موظف في مؤسسة الدولة.

لقد حذر الشيخ الكربلائي، ممثل المرجعية، مما وصفه بـ "التفريط" بالثروة الوطنية من العقول والكفاءات، التي سيكون في مغادرتها للبلاد خسارة كبيرة وتعطيلاً لعملية بنائه والنهوض به.

مؤخراً تتناول وسائل الإعلام الحديث "بخجل" عن عودة الآلاف من الشباب والعوائل المهاجرة إلى العراق، ولم تولي أي اهتماماً واضحاً بحدث "العودة" كما تعامل مع حدث "الهجرة" والرحيل سابقاً.

الآلاف يعودون بعد "تبدد أحلامهم" في أوربا

تتحدث الأخبار اليوم عن "تبدد أحلام" المهاجرين في أوربا وعودتهم إلى الوطن بعد أن رسموا في مخيلتهم أحلاماً لم يجدوا لها واقعاً هناك.. هكذا تقول صحيفة "التليغراف" البريطانية.

وقالت الصحيفة أيضا إن "كثيراً من اللاجئين العراقيين في ألمانيا بدأوا بالعودة إلى بلدهم، نتيجة كون الأوضاع في معسكرات الإيواء "أكثر سوءاً" من تلك التي خلفوها وراءهم.

وذكرت الصحيفة في تقرير لها أن "معاناة المهاجرين العراقيين في معسكرات اللاجئين في ألمانيا دفعت أكثر من خمسين مهاجراً كردياً إلى العودة لبلدهم، برغم أنهم طالبوا اللجوء بعد خوضهم رحلة محفوفة بالمخاطر، لأن ما شاهدوه يختلف تماماً عما كانوا يحلمون به".

أما صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية فقد أكدت في وقت سابق إن منظمة دولية للهجرة ساعدت 779 عراقيًّا على العودة من أوروبا إلى العراق خلال تشرين الثاني من العام الماضي.

 وقالت الصحيفة إن "السلطات العراقية والدولية تؤكد تزايد عدد العراقيين العائدين من أوروبا".

وأشارت إلى أن "العديد اختاروا العودة إلى العراق بسبب الإحباط وخيبة الأمل وسط عدم وجود فرص عمل، وربما بسبب الحنين إلى الوطن، بينما عاد آخرون بسبب رفض طلبات لجوئهم".

وبحسب الصحيفة، فإن البعض يعودون إلى العراق بمحض إرادتهم، لكن هناك دولًا أوروبية مثل فلندا وبلجيكا حذرت القادمين من بغداد وهددتهم بعدم حصولهم على حق اللجوء بشكل تلقائي.

70% من اللاجئين في فنلندا يرغبون بالعودة

من جانبه قال المتحدث باسم وزارة الهجرة العراقية ستار نوروز، إن "هناك الآلاف من العراقيين الذين عادوا، وهناك الآلاف يرغبون في العودة سريعاً".

فيما كشفت أجهزة الهجرة في فنلندا، الجمعة 22 يناير/ كانون الثاني عن رغبة 70 بالمئة على الأقل من طالبي اللجوء العراقيين العودة إلى بلادهم، بسبب عوامل عدة، أبرزها المناخ.

وتشير إحصائيات الأجهزة إلى أنه من أصل 3700 ملف عراقي درس في 2015، تم حفظ أكثر من 2600 لأن صاحب طلب اللجوء سحب طلبه أو اختفى.

وحسب المسؤول في أجهزة الهجرة، جحا سيميلا، فإن الشؤون الأسرية في العراق تجبر البعض على العودة، في حين يجد آخرون "أجواء فنلندا معادية".

أما "البعض الآخر لا يبقى بسبب أجواء العتمة في الخريف وبرد الشتاء"، وفق سيميلا الذي أضاف أن آخرين يتخلون عن طلباتهم بسبب طول مدة دراستها.

الآلاف عادوا بعودة ثقتهم بالقوات الأمنية

جاء ذلك عقب إعلان وزارة الخارجية الألمانية برغبة نحو 1400 مواطن عراقي بالعودة الى ديارهم.

وناشدت الجهات العراقية للإسراع بعملية اصدار الجوازات للتسريع بخروجهم من البلاد, حيث ان وزارة الخارجية العراقية لم تصدر أكثر من 150 جوازاً منذ شهر اكتوبر الماضي".

وقالت وزارة الخارجية الألمانية في بيان نشرته "رويترز" إن"من الممكن ان يكون السبب وراء رجوع المواطنين العراقيين هو التطورات الامنية الأخيرة التي شهدها العراق, بعد التقدم الكبير للقوات الامنية العراقية في محافظة الانبار وتحديداً في مدينة الرمادي وعودة الثقة للجيش الذي من شأنه أن يدفع بالبلاد الى تجاوز الازمة الامنية وطرد تنظيم داعش من باقي المناطق".

حسين الخشيمي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات