الاستدلالات القرآنية في مطالبة الزهراء عليها السلام بحقوقها

 تنوعت الاساليب التي استخدمتها الزهراء عليها السلام في مطالبتها بحقوقها المغتصبة وفقا للحكمة وتبعا لمقتضيات المرحلة فقد تدرجت في مستويات المواجه مع الحكومة الغاصبة 

حيث انها وظفت عليها السلام جميع إمكاناتها في مواجه الانحراف الذي حصل في قيادة الامة الإسلامية التي تسلل أشخاص غير مؤهلين لقيادتها وقد برهنت على ذلك من خلال التصدي لمواجهتهم بكافة الأصعدة ومن تلكم الأصعدة هو الاستدلال بكتاب الله عزوجل..

فقدو قفت الزهراء(عليها السلام) بأبي هي وأمي لتطالب بفدك وقدمت ثلاث استدلالات قرآنية تثبت من خلالها أحقيتها لفدك، إلا أن القوم ردوا تلك الاستدلالات بردود أوهن من بيت العنكبوت.    

الاستدلال الأول:

ان فدك ميراث واستدلت على ذلك قائلة(عليها السلام) {يَا ابْنَ أبي قُحافَةَ! أفي كِتابِ اللّهِ أنْ تَرِثَ أباكَ، وِلا أرِثَ أبي؟ {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَرِيًّا}، أَفَعَلى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللّهِ، وَنَبَذْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ اذْ يَقُولُ: {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ}، وَقالَ فيمَا اخْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيَي بْنِ زَكَرِيّا عليهما السلام اذْ قالَ رَبِّ {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِياًّ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} وَقَالَ: {وَاُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه} وَقالَ: {يُوصِكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ لِلذكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيْنِ} وقال: {انْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والْأَقْرَبِبنَ بِالْمعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}. وزَعَمْتُمْ أَلَا حِظوَةَ لِي، وَلا إرْثَ مِنْ أبي ولارَحِمَ بَيْنَنَا!

أَفَخَصَّكُمُ اللهُ بِآيَةٍ أخْرَجَ مِنْها أبِي؟ أمْ هَلْ تَقُولونَ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ لا يَتَوارَثَانِ، أوَ لَسْتُ أَنَا وَأَبِي مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ واحِدَةٍ؟! أَمْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ وَعُمُومِهِ مِنْ أَبِي وَابْنِ عَمّي؟ فَدُونَكَها مَخْطُومَةً مَرْحُولَةً، تَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ، وَالزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ، وَالْمَوْعِدُ الْقِيامَةُ، وَعِنْدَ السّاعَةِ يخسَرُ المبطلون، وَلا يَنْفَعُكُمْ إذْ تَنْدَمُونَ، {وَلِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ}[1]

الاستدلال الثاني:

وهي النحلة قائلة إنما هي نحلة نحلني إياها أبي رسول الله(صلى الله عليه وآله) وإليك الحادثة ينقل أرباب التاريخ والسير أن النبي (صلى الله عليه وآله) بعد انتصاره على اليهود في واقعة خيبر وبعد حصاره لهم، والفتح الذي كان على يدي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبعد ما آل إليه مصير اليهود في تلك المنطقة، أصاب الرعب والخوف قلوب أهل فدك من اليهود، فأرسلوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بأنهم مستعدون للصلح معه على أن يكون له النصف من أملاكهم، فقَبِلَ النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك فأصبحت أرض فدك - من ضمن هذا النصف - ملكاً خالصاً للنبي (صلى الله عليه وآله)، لأنها مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، والقرآن يصرح بأن الأرض المفتوحة بدون قتال تكون ملكا خالصا للنبي(صلى الله عليه وآله)، وذلك قوله تعالى: (وَمَا أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[2] وعندما رجع النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة المنورة نزل جبريل(عليه السلام) حاملا الآية: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)[3] ، فسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) جبرائيل (عليه السلام) مستفسرا عن ذي القربى مَن هم؟ وما حقهم؟ فنزل جبريل (عليه السلام) ثانية وقال: إن الله تعالى يأمرك أن تعطي فدكا لفاطمة (عليها السلام)، عندها طلب النبي (صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة (عليها السلام) وقال: إن الله أمرني أن أدفع لكِ فدكا، فقبلت بذلك بحضور الشهود، وتصرفت بها واستلمت عوائدها على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمون يرون ذلك والنبي (صلى الله عليه وآله) أقرها، وكانت تنفق العوائد على المساكين والمحتاجين. فطلب أبو بكر من الزهراء بينة في ذلك، علما بأن فدك كانت تحت يد الزهراء عليها السلام وكيف يطلب منها البينة واليد أمارة على الملكية، ولكن الزهراء(عليها السلام) قدمت له ما يريد. وشهد لها علي(عليه السلام) وأم أيمن، فرد شهادة علي عليه السلام لأنه كما زعم يجر النار إلى قرصه! وشهادة أم أيمن لأنها امرأة. 

الاستدلال الثالث:

قالت ان لم تكن ميراث ولا نحلة فأين حقنا من الخمس في قوله تعالى (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[4] فكان جوابه عليها لقد كان الرسول لا يعطي الخمس لبني هاشم إلا ما يسد به جوعتهم ويكسو به عريانهم ويزوج به أعزبهم ،أي انه ليس لكم من الخمس إلا ما يسد حاجتكم فقط.

والنتيجة أنَّ فدك قد تمَّت مصادرتها إلحاقًا بالخلافة الحقة للأمام عليه السلام!!

وقد قال امير المؤمنين عليه السلام مذكرا القوم ببتلك الظلامة قائلا.. 

((بَلَى! كَانَتْ في أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّماءُ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْم، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ، وَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ، وَمَا أَصْنَعُ بِفَدَك وَغَيْرِ فَدَك، وَالنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَد جَدَثٌ، تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا، وَتَغِيبُ أَخْبَارُهَا...))[5] 

الخاتمة:

لقد ظهر جليا أن القوم قد تخبطوا في أحكام الله تخبطا واضحا، وسار على منوالهم أناس أسسوا فقها هزيلا فليت شعري كيف يطلب من الزهراء(عليها السلام) البينة وقد كانت فدك بيدها، والحال أن البينة على المدعي وعلى المنكر اليمين.

كانت الزهراء(عليها السلام) تطالب بحقها باعتراضات متعددة من اجل إفحام الخصم الى أن تم ما سعت إليه وهو كشف الحقائق أن القوم ليسوا على النهج الصحيح.

ثم ان الزهراء(عليها السلام) من خلال مطالبتها أرادت أن تقول إننا أصحاب حق وصاحب الحق لا يترك حقه وبذلك قدمت نهجا لأهل الحقوق عليهم أن يطالبوا بحقوقهم ولا يتركوا مجالا للآخرين في سلب حقوقهم، ولا يدعوا حقوقهم في أيدي أهل الباطل.

إن الزهراء(عليها السلام) قدمت درسا عمليا بليغا وهوان القوم إذا تعارض القرآن مع مصالهم يضربون به عرض الجدار من أجل مصالحهم الخاصة.

فان الزهراء(عليها السلام)كان رائدها في مطالبتها بحقها هو (كتاب الله) وهذه كلمة للمسلمين أن يطالبوا بحقوقهم تحت مظلة القرآن الكريم.

الهوامش:-----

[1] الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج 1 - ص 138 – 13

[2] سورة الحشر: آية 6. 

[3] سورة الإسراء: آية 26. 

[4] سورة الانفال، اية 41

[5] شرح نهج البلاغة، ابن ابى الحديد: 16 / 208.

: الشيخ علاء محسن السعيدي