الاغترار بشِبه العلم، وقصّة الثعبان!

العِلم يحصل من خلال فهم الأدلّة المعتبرة وتطبيقها بصورة صحيحة، وشِبه العلم يتم الترويج له بصياغة المحتوى الهزيل والمغالطات والشبهات ونحوها بمصطلحات وعبارات مودَعة في المتون العلمية؛ ليزعم غير البصير أنّها من الأبحاث العلمية العالية!

ومن أوضح أوجُه تميّز شِبه العلم، تقديمه لغير المختصّين عبر المنصات العامّة للمعلومات؛ لأنّ عرضه أمام العلماء يكشف عن واقعه وهوية معدّه؛ فيفتضح أمره! 

ومن هذا القبيل ما تقوم به بعض الحسابات المجهولة المتعلقة بأصحاب الدعاوى الباطلة في الآونة الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تركّز على انتقاد بعض العلماء الأعلام والتشكيك في آرائهم العلمية، وذلك بمنشورات مموّلة!

هذه الألاعيب البائسة تذكّرني بحكاية قديمة:

في زمن بعيد، كان هناك قرية نائية جدًا لا يوجد فيها عالِم دين ولا أيّ شخص يعرف القراءة والكتابة؛ فقرّر أهل القرية بعد تفكير طويل وبأمل كبير، إرسال أحد أبنائهم الموهوبين إلى المدينة ليمحو أمّيته ويتعلّم بعض العلوم الدينية، ثمّ يعود ليعلّم أبناءهم القراءة والكتابة ويرشدهم إلى الأحكام الشرعية الضرورية.

لكن خلال هذه الفترة، استغل دجّال محتال من أهل السحر والشعوذة جهل أهل القرية؛ ففرض سلطته على عقولهم وأموالهم، وأصبح له شأن كبير بينهم؛ حيث صار مرجعهم في أهم أمورهم!

بعد سنوات، عاد ذلك الشاب بعدما نال قدرًا جيدًا من العلم المطلوب، فاستُقبل بحفاوة بالغة، لكن الدجال الكذوب شعر بالخطر على مكانته ومنافعه، فقرّر أن يتحدّاه أمام جميع أهل القرية البسطاء.

في اليوم التالي وأمام الجمع المتحمّس في مركز القرية، طلب الدجّال من الشاب أن يكتب كلمة "ثعبان" بالفحم على الجدار. فرح الشاب بهذا الاختبار السهل جدًا؛ فكتب بخط جميل وواضح: "ثعبان". 

بعد ذلك، أخرج الدجّال المشعوذ قطعة فحم من كيسه وبدأ برسم ثعبان كبير على الجدار ببراعة..

ثم التفت إلى الناس وسألهم بتواضع مصطنع: يا أهل القرية، لايخفى عليكم علمي الغزير وفكري العميق.. من يجاريني فيه؟! 

اسألكم بالله أيّهما "الثعبان" الحقيقي؟

 هذا أم هذا؟

نظر القرويّون البسطاء إلى الشكلَين على الجدار؛ فلم يفهموا قيمة ما كتبه الشاب، بل انبهروا بالرسم؛ فالتفّوا حول الدجّال وقبّلوا يده ولاموا الشاب؛ قائلين له: لقد خدعتنا طوال هذه السنوات! لم تتعلّم شيئًا!!

تركوا الشاب المسكين وحيدًا، وعادوا للاعتذار من العرّاف، بل واحتفوا به أكثر من ذي قبل! 

وهكذا هُجِر المتعلّم الوحيد بينهم! الشاب الذي أفنى سنوات من عمره في طلب العلم ليعيد النور إلى قريته وأهلها، بينما ازداد شأن المحتال الذي استغل جهل الناس!

هل انتهى زمن الدجّالين وأصحاب الدعاوى الباطلة؟!

: الشيخ علي الحسون