متى نظر الإنسان أو تدبّر أمراً، ووقف بأنّه حقيقة، وجدَ في نفسه ارتياحاً عندما يلاقي شخصاً يشاركه في الشعور به، ويكون ارتياحه أشد حيث يراه يعمل على مقتضى هذا الشعور، كما أنّه يتألّم حينما يشاهد أمراً ينكر تلك الحقيقة أو المصلحة، ويكون تألّمه أشد حيث يراه مجدًّا في مناوأتها، سالكاً غير سبيلها، وهذا التألّم الذي يشتدُّ فيدفعك إلى أن تسهب في إيضاح وجه الحقيقة أو المصلحة، أو تعمل على أن تكفَّ يد من يبغي عليها ما أمكنك، هو ما نعنيه بالغيرة.
فإذا حدَّثك الرجل في أمر، وأراك أنّه مطمئن إلى أنه حقٌّ ثم لا تلبث أن تراه متحيزاً إلى من يكيد له، ويدعو إلى من ينقضه، فاعلم أنّه خالي القلب من الاطمئنان إليه، وإنّما أراك ظاهراً يخالف ما يُكنُّه صدره، وتطمئنُّ إليه نفسه، والعقل السليم لا يستطيع أن يفهم كيف يجتمع الإيمانُ بالحقِّ مع موالاة من يحاربه في السرِّ أو العلانية، فالغيرةُ على الحقِّ من مقتضيات الإيمان به، تَقْوَى بقوَّته، وتضعف بضعفه، وتُفقَد حيث لا يكون القلب مؤمناً.
ومن الغيرة على الحق أن تقاوم المبطلين أو المفسدين والأدعياء، #وتقول_لهم: 《لا..》 قاطعاً النظر عن كل صلةٍ وعاطفة؛ وإن وصفوك بالتعصّب؛ فإنّه تعصّب إيجابي!
نعم، هذا المصطلح قد يبدو متناقضًا للوهلة الأولى؛ لأنّ "التعصّب" غالبًا ما يرتبط بالتشدّد السلبي، لكن إذا أُخذ بمعنى الالتزام العميق بالمعتقدات مع الحفاظ على الاحترام والتسامح بحسب الضوابط الشرعية، فيمكن النظر إليه كتعصّب إيجابي.
التعصب الإيجابي يتجلّى في صور مثل:
1. الاعتزاز بالمعتقدات: التمسّك بالقيم والمبادئ الدينية مع الإيمان الراسخ بها، مع الحرص على تقديمها للآخرين بصورة لائقة.
2. الدفاع بالحكمة والموعظة الحسنة: الدفاع عن المذهب أو العقيدة بأسلوب منطقي ومقنع، دون إساءة أو تهجّم مرفوض على الآخرين، ودون تنازل عن الحق مجاملة لهم.
3. الالتزام السلوكي: تطبيق المعتقدات بشكل إيجابي في الحياة اليومية، ليكون الشخص قدوة حسنة في مجتمعه.
4. التعايش السلمي: الإيمان بإمكانية التعايش مع أصحاب المعتقدات المختلفة، والعمل على بناء جسور الحوار والتفاهم، دون تذويب الضرورات العقدية لإرضائهم.
5. النقد البناء: القدرة على مناقشة القضايا العقائدية بموضوعية، مع الاستماع للآراء الأخرى.
عن رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: 《لَئِنْ يَهْدِي اَللَّهُ عَلَى يَدَيْكَ نَسَمَةً خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ اَلشَّمْسُ》.
اترك تعليق