الحقوق بين الولد والوالد قراءة في خطاب الإمام علي (عليه السلام)

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أزكى الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محَّمد وآله الطيبين الطاهرين .

خلق الله تعالى الإنسان اجتماعيًّا بطبعه يميل إلى تأسيس العلاقات مع بني جنسه على اختلاف مشاربهم، قال تعالى ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) [الحجرات: 13]، وهذا التعارف لابدَّ من ضبطه بقواعد تمثِّل حقوقًا وواجبات، ومن هنا انطلق الإسلام في ترصين العلاقات الاجتماعية بين بني البشر، فحدَّد الحقوق من أوسع دائرة وهي دائرة الاشتراك بالنوع الإنساني، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عندما كان يوصي مالك الأشتر (رضوان الله عليه) عندما ولَّاه مصر فقد إذ أمره بأن يرعى حقوق رعيته على اختلاف أصنافهم قائلًا: ((وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ))([1])، ثمَّ تضيق الدائرة فتظهر الحقوق والواجبات بين من يشترك في الدين، وهكذا إلى أن يصل إلى تنظيم الأسرة فيحدِّد الحقوق بين الزوج والزوجة وبين الوالدين والأبناء وهكذا .

وأمَّا بخصوص موضوعنا المتضمِّن الحقوق بين الوالد والولد فإنَّ أمير المؤمنين عليه السلام) قد حدَّد مدار هذه العلاقة وأسَّس لمفرداتها فقال: (عليه السلام): ((إِنَّ لِلْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ حَقّاً، وَإِنَّ لِلْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ حَقّاً: فَحَقُّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ أَنْ يُطِيعَهُ فِي كُلِّ شَيْء إِلاَّ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَحَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُحَسِّنَ اسْمَهُ وَيُحَسِّنَ أَدَبَهُ وَيُعَلِّمَهُ الْقُرْآنَ((([2]) .

ولو تمعَّنا في هذا القول لوجدنا أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بدأ بالنصِّ على حقوق الولد ومن ثمَّ انتقل إلى حقوق الوالد، وهذا يدلُّ على أنَّ حقَّ الولد يبدأ قبل حقِّ الوالد، وهو كذلك فإنَّ الواقع يُثبت ذلك إذ يولد الولد وتولد معه حقوقه فإذا كبر بدأت حقوق الوالد، ثمَّ ينتقل أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى بيان تلك الحقوق وهنا يبدأ بعرض حقوق الوالد قبل حقوق الولد احترامًا وتقديرًا له، فينصُّ على أنَّ للوالد على الولد (أَنْ يُطِيعَهُ فِي كُلِّ شَيْء إِلاَّ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ) .

فالطاعة حقٌّ للوالد على الولد، ويجب على كلِّ إنسان أن يطيع أباه ويتمسَّك برضاه، وأن يجعل طاعته نصب عينيه، وإذا اختلفت الرؤى ووجهات النظر وهذا وارد جدًّا فيكون الحوار هو الحل، بأن يجلس الشاب مع أبيه ويسمعه وجهة نظره ويُحاول إقناعه، وعلى الأب أن يسمع من ابنه مهما كان سنَّه ويُنمِّي عنده روح الحوار وقوة الشخصيَّة حتَّى ينشأ ابنه تنشئة سليمة تجعله قادرًا على مواجهة الحياة ومقتدرًا على اتِّخاذ القرارات الصحيحة والدقيقة، ومن هنا فإنَّنا نوصي الآباء بأن لا يتَّخذوا من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) السابق حجَّة في مصادرة قرارات أولادهم، وإنَّما عليهم أن يحاوروهم ويقنعوهم ب|أفكارهم .

أمَّا حقوق الولد على الوالد فهي: ((أَنْ يُحَسِّنَ اسْمَهُ، وَيُحَسِّنَ أَدَبَهُ، وَيُعَلِّمَهُ الْقُرْآنَ((، فحسُن الاسم حقٌ للولد على الوالد، واختيار الاسم يجب أن بعناية شديدة لما له من أثر في حياة الفرد، ولذلك على الأب أن يكون واعيًا باختياره لاسم ولده، ولا يوجد مانع من الاستشارة مع الأصدقاء والأقارب . ثمَّ على الوالد أن يسعى لاحتواء ابنه منذ الصغر بأن يعلِّمه الخلق القويم، ويزرع فيه محاسن الأخلاق، ويصطحبه معه إلى مجالس الوعظ والإرشاد، وأن لا يتركه رهن الشارع يزرع فيه العادات السيئة؛ بل يكون رقيبًا له بدور الصديق الناصح، وأن يسعى الأب بأن يكون قريبًا من ابنه بحيث يحصل على ثقته وأمانه لكي يسمع من ابنه كلَّ شيء، وأن يكون حكيمًا بالتصرف فيما لو أساء ابنه، بحيث تكون لكلِّ فعلٍ ردَّة فعل مناسبة .

والحقُّ الثالث للولد على الوالد أن يُعلِّمه القرآن، ولابدَّ للآباء أن ينتبهوا إلى هذه القضية التي تكاد أن تكون معدومة في مجتمعاتنا إلَّا ما ندر، ومن هنا نوصي الآباء بأن يُخصِّصوا من وقتهم جزءًا لتعليم أولادهم القرآن وفقه وعلومه، وليس المقصود أن يتولَّى الأب تعليم ابنه بنفسه فلو لم يكن يُحسن تعليمه فعليه أن يُهيئ له الظرف الذي يمكن ابنه من تعلم القرآن الكريم .

وختامًا لنجعل هذا القول نصب أعيننا في تعاملنا مع آبائنا وابنائنا، وإذا كان هناك تقصير من أحد الطرفين فباب العفو والمغفرة مفتوح، وليكون التسامح الخيار الأول في ترصين العلاقة بين الولد والوالد .

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين ...

([1]) نهج البلاغة: 696 – 697 .

([2]) نهج البلاغة: 877 .

: د. عمَّار حسن عبد الزهرة: : دار القرآن الكريم