قال تعالى: (وَ أَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) الصافات ( 146)، يقول المفسرون عن هذه الآية بأنّ الله أنبت شجرةً من يقطين على نبيه يونس (عليه السلام)؛ لكي يستظلَّ بها، لكنَّ شجرة اليقطين أي: القرع، هي من النوع الزاحف على الأرض، وليس لها ساقٌ قائمٌ حتى يتمكن من الاستظلال، فكيف قيل إنَّه استظلَّ بها؟
الجواب عزيزي القارئ معنى الآية المباركة هو أنَّ الله تعالى قد أنبت على سبيل الإعجاز شجرةً من يقطين في الموضع الذي جلس عنده يونس (عليه السلام) فالتحفَ بأوراقها لتقِيه حرارةَ الشمس؛ ذلك لأنَّ شجرة اليقطين تمتاز أوراقها بسعة عرضها واستدارتها، مضافًا إلى كثافتها ونداوتها، لذلك وجد يونس (عليه السلام) في الالتحاف بها منتجعًا يستريحُ إليه لما انتابه من سُقمٍ ورقَّةٍ في الجلد؛ لتسلُّخه من تأثير مكثه زمنًا في جوف الحوت، قال تعالى: ﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ﴾، الصافات (145).
وقد يكون المراد من قوله تعالى: ﴿وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ﴾ أنَّه وجد شجرةً من يقطين كانت قائمة قبل خروجه من بطن الحوت فجلس عندها أو أضجع عندها والتحفَ بأوراقها؛ لتقيه من حرارة الشمس.
فالمراد ظاهرًا من الاستظلال هو الاحتماء من حرارة الشمس، وليس المقصود من الاستظلال هو الجلوس في ظلِّ شجرة اليقطين؛ لأنَّ من المعلوم بأنَّ شجرة اليقطين ليس لظلِّها امتداد يصلح للاستظلال به نظرًا؛ لكونها من الأشجار غير القائمة على سوقها.
نعم يمكن أنْ يكون الانتفاع من شجرة اليقطين بنحو الاستظلال لو وجدها معروشةً كشجر العنب أو أنَّ يونس كان قد وضع متكئًا تحت أغصان شجرة اليقطين ثم جلس أو أضجع في فيئها، فيكون ذلك مصحِّحًا للتعبير عن جلوسه عند شجرة اليقطين بالاستظلال، ولعل الاعتبار يؤيد ذلك نظرًا لمقتضى طبيعة الإنسان أنَّه إذا احتاج إلى شيء فإنَّه يُهيئ ذلك الشيء؛ ليكون صالحًا للانتفاع المناسب له.
وعلى أيِّ تقدير فإنَّ المقدار المُستظهر من الآية المباركة هو أنَّه أحتمى عن حرارة الشمس بأوراق شجرة اليقطين، ولم تتصدَ الآية لبيان كيفية الاحتماء، نعم السابق إلى الذهن هو أنَّ كيفية الاحتماء كانت بنحو التدثُّر والالتحاف والافتراش، وذلك حين الالتفات إلى طبيعة شجر اليقطين، ولهذا يتعيَّن ظاهرًا حمل الاستظلال الوارد في بعض الروايات على إرادة الاحتماء، ولكن يبقى احتمال إرادة جلوسه في ظلِّ شجرة اليقطين من عنوان الاستظلال - الوارد في بعض الروايات وكلمات المفسِّرين - قائمًا لما ذكرناه من أنَّ الشجرة قد تكون معروشة، كما يمكن أن تكون أغصانها متراكبة كهيئة الغار-كما شاهدنا ذلك - فيصدق حين يجلس أو يضجع في فجوةِ هذه الأغصان أنَّه مستظلٌّ بأوراقها.
روى العياشي في تفسيره عن معمَّر قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) : كم بقيَ -يونس- في بطن الحوت؟ قال (عليه السلام) : (ثلاثة أيام، ثم لفظَه الحوت، وقد ذهب جلده وشعره فأنبتَ اللهُ عليه شجرةً من يقطين فأظلَّته، فلما قوىَ أخذت في اليبس، فقال: يا رب شجرةٌ أظلتني يبست فأوحى الله إليه: يا يونس تجزع لشجرةٍ أظلَّتك ولا تجزع لمائة ألف أو يزيدون من العذاب).
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ( لبثَ يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام، ونادى في الظلمات ظلمة بطن الحوت وظلمة الليل وظلمة البحر أنْ لا إله إلّا أنت سبحانك إنِّي كنتُ من الظالمين، فاستجاب اللهُ له فأخرجه الحوت إلى الساحل ثم قذفه، فألقاه بالساحل، وأنبت الله عليه شجرةً من يقطين وهو القرع، فكان يمصه ويستظل به وبورقه، وكان تساقط شعره ورقَّ جلده، وكان يونس يُسبِّح ويذكر الله الليل والنهار).
الشيخ محمد صنقور
اترك تعليق