ما لا يفهمه البعض من إحياء عاشوراء والاربعين

في كل سنة، في أيام محرم الحرام، أو بعدها في صفر أيام الزيارة الأربعينية، تنطلق نفس الإشكالات:

- الحسين (رض) قتل شهيداً فهو في الجنة، فلماذا تحزنون عليه؟

- الحدث حصل قبل 1400 سنة، هل يعقل كل هذه الشعائر بعد هذه المدة الطويلة؟

- الشيعة هم الذين قتلوا الحسين (رض) والآن يبكون عليه؟!

- ما تقومون به باطل شرعاً، وبدعة في الدين

- لماذا لا تقيمون نفس الشعائر لغير الحسين (رض)؟

ولعل هناك إشكالات أخرى، يخرج بعضها من العوام، ويخرج بعضها الآخر من "علماء"...

أما باقي الإشكالات، فمن الطبيعي أن الكثيرين مهما تأتيهم من إجابات فإن الذي يطلق الإشكالات من البغضاء سيبقى يرددها، ولكننا نحاول التعليق البسيط على هذه الإشكالات لمن يطلقها مخلصاً – كأن يكون سمعها من أولئك ويرددها، أو هو فكر فيها...

- الحسين (رض) قتل شهيداً فهو في الجنة، فلماذا تحزنون عليه؟

أقول:

إن المرء الذي فقد أمه أو أباه أو غيرهما من الأعزاء يحزن عندما تأتي ذكرى رحيلهم، بل ربما يشعر بالحزن كلما جاء ذكرهم، ولا يشكل عليه أحد لأن هذا أمر طبيعي. أما الحسين (عليه السلام) فإن الحزن فيه مركب: (أولاً) لأننا نحبه حباً شديداً لعلاقته بالنبي (صلى الله عليه واله وسلم) كما لمنزلته التي عرفناها من النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في فعله وقوله، أيضاً لشمائله وصفاته وكلامه، (ثانياً) لأن علاقتنا به علاقة مأموم بإمام، وهذه علاقة أكبر بكثير من العلاقة بأم أو أب أو غيرهما من القربى، لأن العلاقة به (عليه السلام) هي الموصلة إلى الله عز وجل.

وعليه، فكونه في الجنة لا يعني أن تكون مشاعرنا بليدة إلى درجة عدم التفاعل مع المصائب التي جرت عليه.

- الحدث حصل قبل 1400 سنة، هل يعقل كل هذه الشعائر بعد هذه المدة الطويلة؟

أقول:

نعم، حصل قبل 1400 سنة، ولكن هل تغير شيء مما كان يريد الحسين (عليه السلام) فعله خلال هذه القرون الطويلة؟ خرج (عليه السلام):

1- للقيام بالإصلاح في الأمة

2- للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

3- للسير بسيرة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وعلي (عليه السلام).

فهل أن الأمة لم تعد تحتاج إلى هذا؟!

- فرية أن الشيعة هم الذين قتلوا الحسين (عليه السلام)

لم تزل هذه الفرية؛ أن الشيعة، وشيعة الكوفة تحديداً، هم الذين قتلوا الحسين (عليه السلام) ثم هم الآن يبكون عليه.

1- أن من الكوفيين من خذل الإمام الحسين (عليه السلام) وكاتبه ونكث لا شك في ذلك، ولكن هؤلاء كانوا قلة إذا ما أخذنا بالحسبان أن الذين كاتبوا لم يكن كلهم شيعة وأن الكثيرين ممن كاتبوا كانوا في السجون كما أشار الأخ الحاحي.

2- أن من سادة الشهداء حسب وصف النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لشهداء كربلاء كانوا من أهل الكوفة، ومن شيعتها، فيكفي الكوفة فخراً أن أخرجت أمثال هؤلاء على قلتهم (المدن تفتخر بشخص واحد يعمل عملاً كبيراً، فما بالك بهؤلاء).

3- إذا كان أعداء الشيعة (وكثير منهم أعداء العراقيين عموماً – عندهم حساسية مرضية والعياذ بالله) يشنعون على الشيعة خذلانهم لعلي والحسن والحسين (عليهما السلام)، فإن ذلك الخذلان والتقاعس إنما كان في المرحلة التالية، بعد أن أبلوا البلاء الحسن في قتال الباغي الغاوي معاوية بن أبي سفيان حتى فنوا بالألوف، قاتلوا جنباً إلى جنب مع صحابة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) البدريين والرضوانيين حتى فني البدريون تقريباً وجميع الرضوانيين إلا أنفاراً في نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) ضد أمير المنافقين. وعليه، فمن يشنع على شيعة الكوفة نسأله: وأين كان أسلافك يقفون؟! ولماذا لم ينصروا علياً (عليه السلام) بل كانوا بين مقاتل عدو له وساكت اتخذ الحياد بين الحق والباطل والله لا يرضى بالموقفين؟

4- أخيراً، هل هناك عقول تفكر وهي تشكل على الشيعة اليوم، شيعة العراق بالذات، ندبهم وبكاءهم على الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وصحبه (عليهم السلام) أنهم يبكونه بينما هم قتلوه؟ لو فرضنا أن أهل الكوفة قتلوه، فهل أن أهل الكوفة اليوم هم أنفسهم أولئك؟! ويردد الببغاوات مثل هذا الهراء – أما فيكم رجل رشيد؟!

- ما تقومون به باطل شرعاً، وبدعة في الدين!

أقول:

إنه لمما يؤسف له أن تنطلق الإشكالات بخصوص الدين ضد شيعة أهل البيت (عليهم السلام) الذين أثبتوا عبر العصور شدة تمسكهم بالنصوص الشرعية، فإن الذي جرى عليهم مما لم يجر على غيرهم إنما جرى لأجل ذلك، وإلا لو أنهم ساروا في ركاب الحكام ومن غلب لسلموا وغنموا.

نعم، الكثيرون من الذين يشكلون على الشعائر لا ينطلقون من نية سيئة، ولكن لأنهم درجوا على طريقة، في الدين والحياة، تجعلهم يرفضون ما يقوم به الشيعة من إحياء لذكرى سيد الشهداء (عليه السلام). فالبعض تأثر بالوهابية فصار يشكل حتى على الدموع التي تنزل في مصاب أب أو أم أو إبن – في قساوة من القلب نعوذ بالله منها. والبعض الآخر يعيش في مجتمعات تختلف في شعائر الحزن عندها.

ونعم أيضاً، هناك مما يسميه بعض الشيعة شعائر أولى بها المنع، لأنها مما يزري بالفاعل، كما يزري بالطائفة كلها، وربما انسحب ذلك إلى ما هو أهم: الأئمة (عليهم السلام). وقد أمرونا بهذا ((كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً)).

والخلاصة: إن تحديد ما هو شرعي أو غير شرعي ليس حسب المزاج... وإلا فإن من يشكل على الشيعة ما يقومون به من مجالس لطم مثلاً أولى به أن يشكل على الذين ابتدعوا في الدين ما ليس فيه من قبيل الرد الصريح على النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، أو إشعال الحرب ضد الإمام المبايع، أو مخالفة الأحكام الصريحة في القرآن، وغير ذلك مما ليس المجال له – إن الإنسان الذي يقف يلطم على الصدر حزناً على الحسين (عليه السلام) ومواساة للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) إنما يقف موقفاً نبيلاً، حتى وإن لم يرد – اللطم مثلاً – عن الأئمة (ع)، إن شئت قارنه بمن يخالف الواضح من الآيات البينات في بعض العبادات والمعاملات.

- لماذا لا تقيمون نفس الشعائر لغير الحسين (رض)؟

أقول:

المقصود للنبي (صلىالله عليه واله وسلم) أو علي (عليه السلام) بالذات، وكأنهم يطعنون ضمناً أن الشيعة يفضلون الحسين (عليه السلام) على جده وأبيه (صلوات الله عليهما والهما وسلم). لا يوجد شيعي واحد يفضل الحسين (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لأنه (صلى الله عليه واله وسلم) عندهم أفضل الخلق لا يساويه أحد في شيء، ولا يوجد شيعي واحد يفضل الحسينعلى علي (عليهما السلام) لأن عقيدتنا أن علياً (عليه السلام) أفضل من أولاده الأئمة (عليهم السلام) جميعاً. ولكن لأن قضية الحسين (عليه السلام)، في جانبيها: العاطفي والديني، مما لم تجر على جده وأبيه (صلوات الله عليهما والهما وسلم)، ولا أحد من الخلق، حتى قال له أخوه الحسن (عليه السلام) – على شدة مظلوميته هو الآخر –: ((لا يوم كيومك يا أبا عبدالله)).

ومن اطلع ولو بملخص من فقرة واحدة لما جرى في كربلاء علم ذلك بكل سهولة.

هذه واحدة!

الثانية؛ وهي الأهم لبعض الشيعة – ولا سيما الناظرين بشكل أعمق إلى القضية –، إن الذي جرى على الحسين (عليه السلام) إنما كان الضربة الكبرى للدين الإسلامي كله، لأن الحكم المجرم المنحرف عندما وصل إلى هذه المرحلة من الاستهتار بحرمة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وأهله (عليهم السلام) وذريته والمخلصين الأبرار من أنصارهم فإنه لا يعير أهمية للدين كله، لأن هؤلاء الأطهار (عليهم السلام) هم ممثلو الإسلام – يكفيك في هذا فعل النبي (صلى الله عليه واله وسلم) يوم المباهلة –، ولأن مودتهم (عليهم السلام) هي الأجر المطلوب دفعه للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) على قيامه بالمسؤولية العظمى في التبليغ، ولأنهم (عليهم السلام) هم المطهرون، دون غيرهم، من الرجس والآثام والخطأ والجهل والزلل... فصار الدين كله في خطر عظيم، ولنعم ما قال الشاعر:

جاؤوا برأسكَ يا بنَ بنتِ محمّدٍ * مُتَزَمِّلاً بدمائهِ تَزمِيلا

فكأنّما بك يا بنَ بنتِ محمّدٍ * قتلوا جِهاراً عامِدينَ رَسولا

قتلوك عطشاناً ولم يترقّبوا * في قتلِكَ التّنزِيلَ والتأويلا

ويكبّرون بِأنْ قُتِلْتَ وإنّما * قتلوا بك التكبيرَ والتهليلا

نسأل الله أن تعي الأمة موقعية أهل البيت (عليهم السلام)، وأنت تجتمع على موالاتهم ونصرة القضية التي يمثلونها، وهي قضية العلاقة بالله تعالى في مختلف جوانبها.