من صفات الحوراء زينب(عليها السلام)

لقد امتازت حفيدة المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) مولاتنا زينب العقيلة بنت علي ابن أبي طالب (عليهما السلام) وأمها فاطمة الزهراء (عليها السلام) بصفات عديدة دلة على كمال شخصيتها التي توجب الاقتداء بها ليس للنساء فقط، بل للرجال أيضاً، والله تبارك وتعالى يقول في كتابه الحكيم: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}[1]، ومن هذه الصفات صفة الحلم.

فالحلم صفة من أشرف الأخلاق يتخلق بها ذوو الألباب، لما فيها من سلامة العَرض وضبط النفس الذي يوجب راحة الجسد وجلب حسن العاقبة في الدنيا وانعكاسه في الآخرة، ويكفي في فضله وجلالة قدره أنه من صفات الله تبارك وتعالى.

والحلم خلق محمود من الناحية العقلية، فالعقل يدرك أهميته بإدراك خطر الاندفاع وراء العواطف والغرائز، أو الانفعالات والشهوات، أو كل ما يودي بصاحبه نحو الجنوح والانحراف، فهو يعلِّم التأني والتريث، وضبط النفس وعدم العجلة، ولا يخفى في ذلك منافع جمة ومقاصد مهمة.

فهو من الناحية اللغوية يعني: الأناةُ وتَركُ العَجلةِ، وهو خِلافُ الطَّيشِ، وجَمعُه: أحلامٌ وحُلومٌ، وهو أحدُ ما جُمِع مِن المصادِرِ، يُقالُ: حلُمْتُ عنه أحلُمُ حِلمًا، فأنا حَليمٌ، وحَلُم: صفَح وستَر، والحِلمُ: العَقلُ، وليس الحِلمُ في الحقيقةِ العَقلَ، لكن فسَّروه بذلك؛ لكونِه مِن مُسبِّباتِ العَقلِ[2].

أما اصطِلاحًا فهو:

1- ((ضَبطُ النَّفسِ والطَّبعِ عن هَيَجانِ الغَضبِ))[3].

2- أو هو: ((الطُّمأنينةُ عندَ سَورةِ الغَضبِ))[4].

3- ((وقيل: تأخيرُ مُكافأةِ الظَّالِمِ))[5].

5- وقيل: الحِلمُ: ((اسمٌ يقَعُ على زمِّ النَّفسِ عن الخُروجِ عندَ الوُرودِ عليها ضدُّ ما تُحِبُّ إلى ما نُهِي عنه))..

والنتيجة

الحلم هو: (الامهال وضبط السلوك الإنساني وعدم الاستعجال في انزال العقاب مباشرة أو بالواسطة على من يستحقه ويحتاج إليه لتأديبه، وهذا لا ينطبق إلا على من يقدر على إنزال العقوبة وما يجري مجراها من التأديب بالضرب وأشباهه، وإنزال العقاب بالواسطة من الله تبارك وتعالى يحتاج إلى درجة عالية من الإيمان ومن التخلق بالأخلاق الفاضلة، والتي نعني بها ضبط القوة الغضبية والشهوية والعقلية في الإنسان، المسمات بالقوى الباطنية، الممثلة والمجسدة بالسلوكيات الخارجية الضاهرية).

والسلوك الخارجي الذي يتمتع بصفة الحلم، لازمه تخلق النفس الإنسانية بالصبر، حيث أنها أساس السلوكيات الإنسانية، والتي تنضبط بالمدركات العقلية.

 لذا فإن الحلم لا يمكن أن يتحقق من دون ضبط النفس وتحليها بالصبر.

فالصبر في اللغة هو نقيض الجزع، وهو التجلّد والاحتمال وضبط النفس وحبسها[7]، وهو الإمساك في ضيق[8].

أما في الاصطلاح، فالصبر هو: احتمال المكاره من غير جزع[9]، أو هو ثبات النفس وعدم اضطرابها في الشدائد والمصائب[10]، وحبس النفس لمصيبة لا يسمى بغير الصبر، وهو ينقسم إلى أقسام، هي[11]:

 ما يرتبط باختيار الإنسان:

1-  الصبر على ما تحبه النفس

2-  الصبر على ما تكره النفس :وفيه عدّة أقسام:

أ‌-     ما يرتبط باختيار العبد وهو: الصبر على الطاعة.

ب‌- الصبر على المعصية.

 ما لا يرتبط باختيار العبد:

كالابتلاءات والمصائب من فقد عزيز أو خسارة مال ...وفيها قال الرسول الأكرم محمد(صلى الله عليه وآله): ((يقول الله عز وجل إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده، ثم استقبل ذلك بصبر جميل، استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا))[12].

مثال:

إن مولاتنا زينب(عليها السلام) عاشت والصبر حليفها لا يفارقها، لذا عرفت بالصبر والحلم معاً، أي ضبط النفس والسلوك الخارجي، فقد نقلت المصادر التاريخية، أن يزيد(لعنه الله) ضرب ثنايا أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)، وهو فعل يوجب انهيار الانسان لعظمته وجرأته على الله تعالى ذكره، مما يدعوا إلى اضطراب النفس الشديد، حيث هز نفس زيد ابن أرقم وجعله مضطرباً لدرجة أنه أعلن عن معارضة لهذا الفعل الصادر من يزيد(لعنه اله تعالى) ووبخه عليه، بالرغم من معرفته بأنه غشوم ظلوم، وقد يلحقه منه الأذى المحتمل عقلاً ما لا يحمد عقباه، فعبر ما عبر بسبب اضطرابه النفسي، وهو سلوك لا يتمتع بحلم لعدم وجود الصبر.

وهذا الموقف المشين الذي يمثل فاجعة بكل معنى الكلمة، نظرت إليه مولاتنا زينب(عليه السلام) وبالتأكيد اضطربت نفسها بسببه وتأثرت بشدة، وقد عبرت ما عبرت بسبب هذا الاضطراب، لكن العقيلة زينب(عليها السلام) كانت صبورة حليمة، وحلمها في أنها رغم فجاعة الموقف إلا أنها ضبطت سلوكها المفرض صدوره منها في أنها لم ترفع يديها بالدعاء لإنزال العقوبة على يزيد(لعنه الله) للاقتصاص منه وتأديبه، إذ لو رفعت يديها(عليها السلام) بالدعاء لنزل العذاب عقاباً لهم وأهلكتهم، وهي بلا أدنى شك قادرة كونها مستجابة الدعوة، لكنها اكتفت بأنها قالت: ((... لما رأته أهوت إلى جيبها فشقته ثم نادت بصوت حزين تفزع القلوب: يا حسيناه! يا حبيب رسول الله! يا ابن مكة ومنى! يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء! يا ابن بنت المصطفى!

قال الراوي: فأبكت والله كل من كان في المجلس، ويزيد ساكت))[13]، فذلك أبلغ في تفريغه من محتواه بفعله ونفرة الناس عنه وتفرقها وذلك بمنزلة الموت للإنسان، وهذا متناسب ورسالتها: وهي هداية الخلق وتحليهم بالأخلاق والفضائل، وليس الانتقام منهم، إذ لو نزل العذاب لشمل الجميع وهي العالمة، فتركت الأمر لعلمها بأن الناقد بصير ولا يخاف الفوت فالعقوبة نازلة عاجلاً أم آجلاً، وهذا حدث لعلمها سلام الله تعالى ذكره عليها.

 

 

الهوامش:-------

[1] سورة التحريم: 11-12.

[2] يُنظر: مقاييس اللغة، زكريا بن فارس، ج2، ص: 93؛ لسان العرب، ابن منظور، ج12، ص: 145؛ المصباح المنير، الفيومي، ج1، ص: 148؛ تاج العروس، الزبيدي، ج31، ص: 527.

[3] المفردات، الراغب الأصفهاني، ص: 253.

[4] كتاب التعريفات، للشريف الجرجاني، ص: 92.

[5] كتاب التعريفات، للشريف الجرجاني، ص: 92.

[6] روضة العقلاء، ابن حبان، ص: 208.

[7] المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ص: 505.

[8] المفردات، الراغب الأصفهاني، ص: 474.

[9] أخلاق أهل البيت، محمد مهدي الصدر، ص: 101.

[10] جامع السعادات، النراقي، ج 2، ص 438.

[11] انظر: شبّر، الأخلاق، ص 261-262.

[12] بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ج ٧٨، ص: ٢٠٩.

[13] اللهوف في قتلى الطفوف، السيد ابن طاووس، ١٠٤.

المرفقات

: الشيخ مازن التميمي