شبهة ورد
عدم انسجام نظرية الإمامة مع الديمقراطية
الكاتب:
مفاد الشبهة: يقول البعض إن الإمامة بمعنى الحاكم السياسي لا تنسجم مع مبدأ الديمقراطية وذلك لأنه تجاهل صريح لرأي الأغلبية، وآراء الأمة[1].
جواب الشبهة: وذلك من خلال عدة وجوه:
الوجه الأول: إن من خلال التتبع لحقيقة الديمقراطية نجد أن لها أنماط عدة فهي ليس لها معنى واحد، ولذا قد أشكل علماء الإجتماع وفلاسفة السياسة على تعريف الديمقراطية بمعنى حكم الشعب أو حكم الأغلبية، وقالوا إنها تنقسم إلى أقسام ونماذج بحسب إختلاف الإعتبارات مما جعل بيان حقيقة هذا المفهوم في غاية التعقيد.
ومن هنا فالذين يقولون بالتنافي بين الإمامة والديمقراطية لم يبينوا وجه التنافي لأننا عندما نرجع إلى الأقسام التي ذكرت للديمقراطية نجدها في بعض مواردها تتفق مع المبادئ الأساسية لمفهوم الإمامة، وفي البعض الآخر تتنافى مع نظرية الإمامة، ومن هذه الأقسام:
القسم الأول: الديمقراطية بما هي قيمة:
وتعني أن آراء الأكثرية في نفسها تكون ذات قيمة بحيث يعد انتخاب الأكثرية صائباً وكاشفاً عن المصلحة العامة، وهذا القسم ينافي مبادئ الإسلام والتشيع، فهو يتعارض مع الحاكمية الإلهية فلا يمكن أن ينسجم هذا النوع مع قواعد الإسلام وليس مع الإمامة فقط، فعلى سبيل المثال أن القول بانتخاب الأكثرية يعد في نفسه ذا قيمة واقعية صائبة لا ينسجم مع العقل السليم أبداً، ولا ينسجم مع قواعد الإسلام المحمدي الأصيل، لأننا بحسب الواقع التاريخي نرى أن موارد الأخطاء الصادرة من حكم الأغلبية وانتخابهم كثيرة جداً، ومنها انتخاب الحكام في الواقع المعاصر فأنه وإن كان بحكم الأغلبية إلا أن ذلك الانتخاب أثبت أخطائه في كثير من المواطن ولذلك يمكن نقول أن هذا النوع منافٍ، لكن ليس للإمامة فقط، وإنما حتى للعقل السليم والمبادئ الإسلامية العامة.
القسم الثاني: الديمقراطية بما هي اسلوب:
وتعني إعتبار انتخاب الأكثرية يعد أسلوباً وطريقا للوصول إلى الحكومة، وهذا القسم لا يمكن لنا أن نجزم بوجود تعارض بينه وبين الإمامة بل يمكن القول بما أن الديمقراطية وفق هذا النوع ليست لها قيمة ذاتية وإنما هي أسلوب ووسيلة فأن الإسلام يحترم ذلك، ويجعل إنتخابهم ضمن التعاليم والأسس الدينية، فالدين دوره في هذا النوع تحديد البوصلة التي يسير عليها الأكثرية في عملية الاختيار أو الحكم ويبرز هذا المعنى في عصر الغيبة الكبرى، فإن للأكثرية دور مهم في إنتخاب الحاكم بشكل مباشر أو غير مباشر وبذلك يمارسون إدارة البلاد والإشراف على الأمور وهذا في الحقيقة خارج عن حقيقة الإمامة؛ لأن الديمقراطية بمعنى الأسلوب الذي يوصل إلى الحكم محصور في الحكم الوضعي لا في الحكم الإلهي والإمامة الإلهية على الانفس كما سيأتي.
الوجه الثاني: تغاير الامامة عن الحكومة:
إن القائلين بالتنافي بين الإمامة ومفهوم الديمقراطية حصروا معنى الإمامة بالحكم الوضعي وعمدوا إلى حذف جزء أساسي من معتقد الشيعة في حقيقة الإمامة، فأن الإمامة لدى الشيعة الإثني عشرية لا تعني الحكم وتعيين الحاكم فقط بل الشيعة يبحثون الإمامة من دائرة أوسع بكثير مما يتصوره هؤلاء، فهي أرفع من مجرد الحكومة، فأنها تشمل الولاية على النفس كما كانت للنبي’ والمرجعية الدينية والعلمية أيضاً ، بمعنى أن الإمام أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو مثل النبي’ في عصمته وعلمه وشجاعته وبيانه لمعالم الدين وصيانته وحراسته للدين وأن كلمته هي الفصل في جميع المجالات الدينية والسياسية والإجتماعية ، فهي ليس بالشكل السطحي الذي يطرح من قبل هؤلاء المعترضين الذين يحصرون المسالة بالحكم والسلطة .
الوجه الثالث: الإمامة استحقاق على أساس الكفاءة:
من المسلمات عند الامامية أن الإمامة لا تنال بسهولة كما هو عليه بقية المذاهب والتيارات وإنما هناك صفات وكفاءة عالية ينبغي أن تتوفر بالإمام، كالعصمة والعلم والعدل والشجاعة وغيرها مما لا بُدَّ أن يتوفر في الإمام؛ لكي يصون الأمة من الضلال ويأخذ بهم إلى طريق الهداية و الصلاح والكمال، فإن الإمامة الالهية في نظر الشيعة ليس تنصيبا فقط كي يُشكل عليهم بأنها مخالفة للديمقراطية والعقلانية, بل أن هذا التنصيب إنما جاء وتحقق لأن الائمة^ كانوا في عصرهم هم اللائقون والمؤهلون دون غيرهم لأن يتم تبنيهم لهذه المهمة الكبرى.
ومن هنا فلا يوجد في المنظومة الإسلامية الشيعية مفهوم تنصيب إعتباطي أو وراثي أو عنصري أو قومي أو ما شاكل ذلك، وإنما هي إستحقاقات توفرت في ثلّة ونخبة من البشر انتجبهم الله تعالى واصطفاهم لتلك المهام.
الوجه الرابع: الحكم الإلهي أم الديمقراطية الغربية:
لو سلمنا بوجود التعارض بين الإمامة والديمقراطية الغربية وأن بينهما تنافٍ، فأيهما يقدم في مقام التعارض، الحكم الإلهي المصون من الخطأ، أم الديمقراطية الغربية بشكلها الذي أثبت خطأه في مواطن عديدة وعبر الزمن؟، فمن الأولى بالترجيح والتقديم؟، وما هو الداعي إلى التضحية بحكم الله تعالى في سبيل حكم بشري ثبتت أخطائه على مرِّ الزمن؟
أليس من الحكمة أن نقدم حكم الله تعالى لأنه هو الأعلم بالمصالح والفاسد التي تترتب في الواقع على حكم البشر، وهل يجوز لنا الإغترار بمجرد التقدم العلمي ونتمرد على إرادة الخالق عز وجل؟!.
الوجه الخامس: تعارض مفهوم الديمقراطية مع الواقع:
عند ملاحظة هذه النظرية نجدها في الحقيقة ليست مفهوماً واقعياً فهناك اختلاف كبير بين الواقع والمفهوم، أي بين مفهوم الديمقراطية وبين ما يتحقق بالواقع، فإنا نجد ثغرات كبيرة في الواقع تنافي بشكل حقيقي طبيعة المفهوم، وذلك من قبيل:
1- عدم انتخاب الأكثرية، وهذا ثابت حسب التجارب في كلّ أنحاء العالم أن أكثر المواطنين لا يشاركون في الانتخابات، وهذا يتنافى مع طبيعة مفهوم الديمقراطية الذي ينص على حكم الأغلبية.
2- عدم انتخاب الحاكم من قبل الأكثرية، فلا يوجد حاكم تم انتخابه من قبل الأكثرية في أغلب الحكومات التي مرّت عبر التاريخ وقد أكد على ذلك الفيلسوف الشهير في قرن العشرين (كارل ريموند بوبر)، وما أثبته واقعنا فأن الأغلبية تارة تختار شخصاً، والمصالح العليا للمستكبرين يقدمون شخصاً آخر، وهذا تنافي واضح بين المفهوم والواقع.
3- الإفتقار إلى السند القانوني بالنسبة إلى الأجيال اللاحقة، وكذلك سيادة المناخ المضطرب في الانتخابات، ففي أكثر الأحيان تكون هنالك دعايات انتخابية وحملات إعلامية تمهد لفوز بعض المرشحين وهنا يبرز من يمتلك العصب المالي والإقتصادي الذي يلعب بمقدرات الشعوب وهذا مما ينافي طبيعة المفهوم الذي يصدره أصحابه.
الهوامش:______________________________
[1] وممن طرح هذه الشبهة في السابق الدكتور محمد امين في ضحى الاسلام ص 655، وتبعه على ذلك البعض من قبيل الدكتور سروش الذي بين هذا المفهوم في بعض محاضراته التي كانت تحت عنوان (التشيع والديمقراطية) انظر اجوبة الشبهات الكلامية 4 ص 131.
اترك تعليق