الذاكرة والتذكر.. ابداع تربوي

لقد فتح التقدم العلمي والتكنولوجي آفاقا جديدة لتحسين حياة المجتمعات، وقد وكانت التربية وما زالت من ابرز الوسائل المستخدمة في هذا المجال بوصفها السبيل لتجاوز التخلف في أي بلد، فالتربية لن تكون كذلك الا اذا حققت تلك البلدان التطور العلمي والتكنولوجي المواكب لروح العصر.

 لذلك سعت كثير من الدول جاهدة لتوليد نظم تربوية جديدة تتفق و إغراض تلك النهضة العلمية والتكنولوجية، فأحدثت تغيرات جذرية في بنية التربية ,وأطرها التقليدية , ومناهجها , وطرائقها وأدارتها، فلم يعد التدريس فنا كما كان يعتقد، بل أصبح علما وفنا في وقت واحد، بمعنى انه يتطلب معرفة منظمة بأصوله وأساليبه وكيفية التخطيط له ليحقق أهدافا محددة وبدرجة عالية من الإتقان وتوجيهه ليتلاءم المتعلم وطريقة التفكير.

     وقد أدرك قادة ومتخصصي التعليم فوائد الوسائل التعليمية ومزاياها وأهميتها في تعزيز الإدراك الحسي لدى التلاميذ وتنمية ذاكرتهم ورغبتهم في التعلم وحب الاستطلاع لديهم، وذلك لا يكون الا باتباع نهجا تعليميا لأكبر عدد من المتعلمين، وتجهزهم بتغذية راجعة ينتج عنها زيادة في التعلم والى بناء الجيل الجديد المستوعب لحركة التطور والتقدم الإنساني مع توافر الجهد والوقت.

     لذلك لا بد من استخدام طرائق وأساليب ونماذج تدريسية تسهم في شحذ ذاكرة المتعلم وتنشيط عملية التذكر والعملية التعليمية للنهوض بالمستوى العلمي والاستفادة من الطاقات الكامنة للمتعلمين واستثمارها في التعلم وزيادة وعيهم بالتطور التربوي الحاصل،  لذلك وجب إبداع طرائق وأساليب أكثر تقنية وأكثر تقدما لتناسب المتعلم الذي نريد .

     ومع ذلك فأن استخدام أساليب جديدة في التدريس ينبغي أن يتم في ضوء علاقتها الوظيفية بعمليتي التعليم والتعلم باعتبارهما عمليتين عقليتين متكاملتين، إذ إن هذه الأساليب التدريسية ليست غايات في حد ذاتها بل هي وسائل لغايات وهي تحسين أداء عملية التعليم وجعلها أكثر كفاءة وقدرة على إحداث نتائج التعليم المرغوب فيه.

ولو توقفنا عند مفهوم الذاكرة لوجدنا انه ملازم لمفهوم التعلم، وبالحقيقة ان التعلم هو الذاكرة كما يعرفه  اغلب علماء النفس،  وذلك يعني ان الشخص يتعلم الأشياء عندما يتذكرها، ففي هذا المفهوم فان الذاكرة والعادة كآلية متشابهان جداً في البناء، والنسيان ما هو الا قصور في الأداء والذي يحدث بالطبع نتيجة مرور الوقت، وعلى الرغم من ذلك تشير الدراسات في هذا المجال الى ان الدليل التجريبي يؤكد ان قمة التذكر تعتمد على تداخل الحالات والأحداث أكثر من اعتمادها على الوقت.

     وللذاكرة اهمية في حياة الانسان العلمية والعملية، اذ ان تذكرنا لتعلمنا السابق ولمعلوماتنا وخبراتنا السابقة هو من  يمكننا من حل ما يواجهنا من مشكلات جديدة في المستقبل كذلك يساعدنا على مواصلة التقدم في اكتساب معلومات جديدة وفي اكتشاف حقائق جديدة، والذاكرة بمفهوم علم النفس الحديث ليست سوى مستودع او مخزن يختزن فيه الفرد جميع الصور الاجتماعية والعرفانية والعقلانية التي تمر امام مخيلته خلال حياته في هذا العالم المتطور سريعاً نحو النمو والارتقاء، فالذاكرة هي القدرة على الاحتفاظ بما سبق وتم ادراكه وكذلك القدرة على استرجاعه .

 ويعرف البعض مصطلح التذكر بانه استعادة الخبرات المكتسبة السابقة، فالذاكرة تمثل عاملاً مهماً في تكوين معظم العمليات العقلية وفي تنبيه الذكاء والقدرات العقلية ، كما تؤدي دوراً بالغ الاهمية في التحصيل الدراسي لان الذاكرة والتعلم يفترض كل منهما وجود الاخر، فبدون الاحتفاظ لا يمكن ان يكون هناك تعلم وبدون تعلم لا يكون هناك شيء للتذكر حيث ان التعلم يشير الى حدوث تعديلات على السلوك الناتجة عن الخبرة والذاكرة تشير الى الدوام النسبي لآثار الخبرة، اذ ان الانسان عندما يواجه خبرة ما فان هذه الخبرة تترك اثاراً عنده وان هذه الاثار هي سبب تذكره تلك الخبرة وعليه ان الخبرات التي لا تترك اثاراً عند الفرد لا يتذكرها .

وللتذكر اشكالا عدة صنفت كالاتي:

1- الاسترجاع:

 وهذا الشكل من عملية التذكر يُختصر بانه  عملية استدعاء الخبرات القديمة عن طريق الصور الذهنية او الألفاظ ، وليس بالضرورة ان يسترجع الفرد كل ما مر به وتعلمه مسبقاً، فهناك أسباب لاشعورية قد تعوقه عن استرجاع الخبرة السابقة، فمن الممكن ان ينسى الإنسان الخبرات المؤلمة ويتذكر السارة منها .

2-التعرف :

   وهو احد اشكال الذاكرة وهو اسهل من الاسترجاع حيث تعتمد قدرة التعرف على وجود المثير الذي يتم تعلمه في الماضي بين عدة مثيرات والتعرف هو شعور بان ما يراه الفرد او يسمعه في الحاضر هو جزء من خبرة سابقة تكونت في الماضي، والتعرف يصاحب عملية الاسترجاع عادة وهو اقل تعقيداً .

3- الاحتفاظ :

 ويترجم بانه اعادة التعلم ، فهو يشير الى ان المعلومات التي تعلمها الفرد في الماضي تصبح قابلة للنسيان بعد فترة من الزمن وخصوصاً مع غياب التدريب والتعزيز، ومع ذلك فان تدني الاسترجاع او التعرف لا يعني ان المعلومات قد تم نسيانها او فقدانها بالكامل من الذاكرة.. ولذلك فان اعادة التعلم بعد فترة من الزمن تستغرق وقتاً وجهداً اقل مما تستغرقه في المرة الاولى للتعلم مما يشير الى وفر في التعلم والذاكرة، وهذا يؤدي بالمحصلة الى انخفاض كمية الجهد والوقت اللازم للتعلم اللاحق .

المرفقات

كاتب : سامر قحطان القيسي