جمال الاشكال وقيمتها الفنية..

اجمع كثير من الدارسين في مجال الفن والجمال على ان الجمال الحقيقي يتمثل في قيام الشيء بتمام وظيفته من منطلق موافقته لجوهره، فالجمال فعل وسلوك وصيرورة للحق للوصول إلى الخير، ولا يتحدد الخير بنتيجة الفعل بل إن الفعل ذاته ) أي الجمال(هو الخير بالذات لما يحققه من كمالات لذلك الشيء، ومن هنا كانت الأعراض والصفات الظاهرية المدركة حسياً أو الصفات الثابتة التي ما تحت الحس غير كافية وحدها في تحديد مفهوم الجمال وإبداع قيمته في الشيء او الشكل، وإنما تتعلق بمفهوم شرط النوع ، فبوجود تلك الأعراض الظاهرية (شرط الصيغة) وعلاقاتها مع عناصر ما تحت الحس ( الماورائيات ) و ( شرط التعريف )يتحقق شرط النوع المحقق لإدراج ذلك الشكل ضمن صنفه أو نوعه أو جنسه.

وبما أن الجمال سمة ديناميكية يدركها العقل الواعي بوصفها نتاج إشكالية متشعبة "صفة علائقية" كان لابد أن يتحدد بشرط القيمة. فالقيمة المتوخاة هي التي تمثل مفهوم الجمال من حيث تحققه أولا، ومن حيث درجته ثانياً. فاتقان مهارة ما لا يعني امتلاك حاملها لسمة الجمال من جهة كونه ماهراً، وإنما تتحقق قيمة الجمال بحسب نوع السياق الذي ينتمي إليه هذا الشخص وبقدر التوافق الذي يحققه مع النظام الكوني العام.

ولا شك بأن للفن شروطاً وللجمال في الفن شروطاً مغايرة.. لأن الاختلاف بينهما في النوع وليس في الدرجة، فللفن الجميل شروط عدة، منها ما يكون به العمل فناً كمقياس الجودة، ومنها ما يجب توفرها ليكون الفن جميلاً كمقياس للقيمة، وكان شرط الفن المتمثل بالنوع يخضع في تحديده لشروط المنهج الوصفي، لكونه متعلقاً بالصفات والتقنيات الثابتة التي من الممكن إجادتها من قبل الفنانين، كسمات مستنبطة من الأعمال الفنية التي أبدعتها العقلية البشرية على مدى التاريخ، والتي يتوجب تحققها بشكل أو بـآخر في كل عمل فني مهما كان نوعه ومهما غايته، أما شرط الجمال المتمثل بالقيمة والذي يُحكم من خلاله علـى العمل، فهو مفهوم معياري يتمثل في ادراج الشيء في مكانه الملائم وقيامه بتمام وظيفته المطابقة لمفهومه الحق، أي من جهة تناغم العمل مع قوانين الحياة والطبيعة والناموس الكوني، ومقدار الجهد الذي يقدمه للارتقاء بمسيرة الإنسان والبشرية جمعاء في مدارج الكمال.

ولو اطلعنا على اراء فلاسفة الجمال حول لفظة الجمال لوجدنا ان حكم القيمة أو الجمال هو ذاته حكم شرط الفن مما احدث تداخلاً في المفاهيم ولم يتم التوصل إلى التعامل مع مفهوم حقيقي وثابت للجمال الا من خلال الحكم الجمالي ورؤية المتلقين كل على حدة – كل وما يحمله من ثقافة واطلاع وذائقة في هذا المجال -

فلو كان الجميل مفهوما شيئياً محسوساً لتمكن الجميع من ملاحظته واستحسانه والحكم عليه، ولكن الأمر ابعد منالاً من هذا فالجمال وبخلاف شرط الفن يتعلق بالحكم القيمي على الاشكال او الاشياء الجميلة، وهذا ما يمس الحياة في الصميم ويعكس سلوك الناس وميولهم وحتى معتقداتهم.

والفن بشرطيه "الصيغة والتعريف" لا يختص إلا بجانب واحد من جوانب التجربة الجمالية وهو جانب التعريف أو عرض التجربة على وفق شروط الفن عند البعض، وما شرط الفن إلا الشرط الثاني من شروط الحكم الجمالي فالجمال الفني لا يكتمل إلا بتوفر الشروط الثلاثة المتمثلة بالحقيقة وتمام الوظيفة والخير لان الجمال يتمثل في نزوع الحق إلى الخير.

ولا بد للجمال، في مفهومه الحقيقي، من أن يكون نزوعاً إلى الخير والفائدة، ولكن بعض الفلاسفة يرفض فكـرة الخيرية في الحكم الجمالي، وما هذا إلا لانه لا يحكم، في واقع الأمر، على الجمال وانما على شرط النوع "الفن" الذي يجب أن يتحقق بمعزل عن قيمة العمل وغايته، أما الجمال فلا بد أن تكون وراءه غاية، لان أي عمل واع للإنسان يجب أن يصدر عن هدف وغاية ما، وإلا أصبح لعباً ولهواً لا طائل تحته وهو ما لا يعتقده عاقل، والواجب أن يكون الخير هو غاية الجمال والهدف السامي لأفعال الإنسان السليم، وتبقى الحقيقة هي المعيار الأهم في تقدير الأعمال الفنية، لأن الجمال منبعه من الحقيقة وجريانه موافقاً للحقيقة وغايته أيضا الحقيقة، فجمال الفن بقيمته وليس بشروطه الفنية التي من الممكن أن توظف للحق أو للباطل، للقبح أو للجمال، اذ ان شروط الفن ليست جميلة دائماً وانما تكون جميلة إذا وُضِعَت في مكانها المناسب مثلها كمثل الأشياء الخالية من الروح كبعض الادوات والعدد.

كاتب : سامر قحطان القيسي