جواد الهندي (1270 ــ ١٣٣٣ هـ / 1853 ــ 1914 م)
قال من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (45) بيتاً:
ومـــــا كانَ ينشدُ مِن قبلِكمْ فقيداً فلا والـــــــــذي يُعبدُ
سوى مَن بقلبي له مضجعٌ ومَن بـ(الطفوفِ) له مشهدُ
ومَــن رزؤه ملأ الخافقينِ وإن نــــــــفدَ الدهرُ لا ينفدُ (1)
ومنها:
فمَن يسألُ (الطفَّ) عن حالِه يقصُّ عــليه ولا يجحدُ
بـــــــــــــأنَّ الحسينَ وفتيانَه ظـــــمايا بأكنافِه استُشْهِدوا
أبا حسنٍ يــــــا قوامَ الوجودِ ويا مَن به الرسلُ قد سُدِّدوا
ومنها:
إلى أن تــــجلّى لهمْ في الكفاحِ مِن غيـــــرِه قطّ لم يَعبدوا
فخرُّوا له سُجَّداً في (الطفوفِ) كأنَّ (الطفوفَ) لهم مسجدُ
ظــــــــمايا قضوا وبحرُ الظبا غـــــــليلُ صدورِهمُ بدَّدوا
وقال من حسينية أخرى تبلغ (44) بيتاً:
غريبٌ بأرضِ (الطفِّ) لاقى حمامَه فواصــــــله بينَ الرماحِ الشوارعِ
أُفـــــــــــدِّيهِ خوَّاضَ المنايا غمارَها بـــــــكلِّ فتىً نحو المنونِ مسارعِ
كماةٌ مشوا حرّى القلوبِ إلى الردى فلمْ يَردوا غير الردى مِن مَشارعِ (2)
وقال في الإمام الحسين (عليه السلام) أيضاً من قصيدة تبلغ (31) بيتاً:
وماتوا كراماً بـ(الطفوفِ) وخلّفوا مكـــــارمَ ترويها الورى ومعاليا
وراحَ أخو الهيجا وقطبُ رجائِها بأبيضَ ماضي الحدِّ يَلقى الأعاديا
وصالَ عليهمْ ثابتَ الجأشِ ظامياً كما صالَ ليثٌ في البهائمِ ضاريا (3)
وفي الإمام الحسين (عليه السلام) قال من قصيدة تبلغ (54) بيتاً:
كفتيةٍ في عِراصِ (الطفِّ) قد وقفوا بحيث غصَّ الغضا بالجحفلِ اللجبِ
مـــــــــــــــقلَّدينَ سيوفاً أينما وقعتْ أردتْ ولــــــم تنثلمْ ضرباً ولمْ تخبِ
ذاتِ الفرندةِ لــــــكنْ مِن نجيعِ طلا ذاتِ الطبائعِ لــــــــكن لا مِن الذهبِ (4)
الشاعر
السيد جواد بن محمد علي الحسيني الأصفهاني الحائري المعروف بـ (الهندي)، عالم وخطيب وشاعر، ولد في كربلاء ونشأ على الأجواء العلمية والروحية فيها، ويعد من الأعلام العلمية والقامات الأدبية، احتل بشعره صدارة عصر كان يعج بالشعراء، وحاز بعلمه مكانة متميزة في بيئة تميّزت بكثرة الخطباء والأدباء.
أما نسبته ولقبه بـ (الهندي) فقيل: (لسمرة في لونه أو لأنه ينحدر من سلالة كانت تسكن الهند والله أعلم وكان يجيد الخطابة باللغتين العربية والفارسية) (5)
في تلك الفترة كانت كربلاء تمثل (مملكة العلم والأدب والشعر)، حيث كان يتوافد عليها طلاب العلم من الأقطار الإسلامية فكانت (عبارة عن جامعة دينية كبيرة يقصدها طلبة العلم من كل حدب وصوب في أنحاء العالم الإسلامي) (6)
شبَّ السيد جواد منذ طفولته على المجالس العلمية والأدبية فدرس الفقه على يد العالم الكبير الشيخ زين العابدين المازندراني (المتوفى سنة 1309هـ)، والعالم السيد محمد حسين المرعشي الشهرستاني (المتوفى سنة 1315هـ)، والشيخ محمد باقر الواعظ، ثم اتجه إلى فن الخطابة الذي وجد فيه ضالته المنشودة، فبرع فيها واشتهر حتى نال إعجاب أرباب هذا الفن
قال عنه الخطيب الكبير محمد علي اليعقوبي: (ما رأيت ولا سمعت أحداً من الخطباء أملك منه لعنان الفنون المنبرية على كثرة ما رأيت منهم وسمعت، فقد حاز قصب السبق بطول الباع وسعة الاطلاع في التفسير والحديث والأدب واللغة والأخلاق والتاريخ إلى غير ذلك). (7)
وقال عنه السيد محسن الأمين: (وكان ذاكراً لمصاب الحسين عليه السلام من مشاهير الذاكرين خطيباً طلق اللسان أديباً شاعراً رأيته في كربلاء وحضرت مجالس ذكره وجاء إلى دمشق ونحن فيها في طريقه إلى الحجاز لأداء فريضة الحج) (8)
وقال عنه السيد جواد شبر: (كان من مشاهير الخطباء طلق اللسان أديباً شاعراً. نقرأ شعره فنحسّ منه بموالاة لأهل البيت وتفجّع ينبع من قلب جريح ينبض بالألم لما أصاب أجداده وأسياده) (9)
ثم قال شبر: (حدثني الخطيب المرحوم الشيخ محمد علي قسام ـ وهو أستاذ الفن ـ قال: كانت له القدرة التامة على جلب القلوب وإثارة العواطف وانتباه السامعين سيما إذا تحدث عن فاجعة كربلاء فلا يكاد يملك السامع دمعته، ونقل لي شواهد على ذلك وكيف كان يصوّر الفاجعة أمام السامع حتى كأنه يراها رأي العين، والخطيب قسام كان متأثراً به كل التأثر ويتعجب أن يكون مثل هذا من خطيب لم تزل اللكنة ظاهرة على لسانه) (10)
وقال الشيخ محمد السماوي: (كان فاضلا، تتلمذ على الشيخ زين العابدين الحائري بالفقه، وكان ذاكراً نائحاً على الحسين عليه السلام خطيباً وقوراً، طلق اللسان، يترجح المنبر إذا ارتقى منه الأعواد، فيتفوّه بأطيب مما يتفوّه به قس بن إياد، وكان أديباً شاعراً له مطارحات مع أدباء الحائر) (11)
وقال عنه الباحث والمؤرخ السيد سلمان هادي آل طعمة (نال من العلم أسمى مكانة، ووجد في نفسه الكفاءة والقدرة على ارتياد أندية الأدب ومجالس الخطابة وأهل الفضل، فشب خطيبا مصقعا أورث الجرأة وقوة الجنان والشجاعة وسحر البيان، وفصاحة الكلم وسلاسة التعبير، وكان ذا صوت جهوري أخذ ينتزع إعجاب المستمعين
إن شاعر الدوحة الهاشمية وفخر السلالة العلوية، قد شهدت له قصائده بشاعرية فياضة تميزت برصانة الأسلوب ووضوح العبارة، وتتجلى في مراثيه إمارات الحزن والأسى، وكان زاهداً شديد التقوى ذاع صيته في في الآفاق وأشغل مجالس كربلاء خطيباً ذاكراً للإمام الحسين عليه السلام وكانت مجالسه مكتظة بالناس، فقد أخذ يتفنن في الخطابة ويحسن الرواية ويجيد الإلقاء، ويروي من عاصره أن المجالس الحسينية التي ارتادها هي ديوان السادة آل الرشتي، ودار السيد عبد الحسين آل طعمة سادن الروضة الحسينية، ودار الحاج عبد الصراف، وديوان السادة آل الشهرستاني، وديوان السيد عبد الوهاب آل طعمة، رئيس بلدية كربلاء، وديوان العلامة الشيخ حسين بن زين العابدين الحائري، وشاع ذكره في الأمصار ودوّن له من الكلام البهي ما تناثرت درره وتكاثرت غرره) (12)
وقال عنه الشيخ محمد طاهر السماوي في أرجوزته:
وكالخطيـــــبِ السيدِ الجوادِ والصـــــارمِ الهنديِّ في النجادِ
فكمْ له شعــــرٌ رثى الحسينا أورى الحشى فيه وأبكى العينا
بكى وأبكى وحوى الصفاتِ فــــــــأرِّخوه (أكمل الخيرات) (13)
توفي السيد جواد الهندي عن ثلاث وستين سنة وقد رثاه العديد من الشعراء منهم الشاعر الكبير محمد حسن أبو المحاسن بقصيدة طويلة يقول منها:
ليومِكَ في الأحشـــــــــــاءِ وجدٌ مبرّحُ برحـتَ ولـكـنَّ الأسـى ليسَ يبرحُ
مضيتَ وما ابقيــــــــــتَ إلا حشـاشـةً تــذوبُ وأجفـــانـاً من الدمعِ تُقرحُ
رمى الدهرُ عن قوسِ الحوادثِ أسهماً بهــا المجدُ أودى والحوادثُ تفدحُ (14)
وقد خلف ولداً هو السيد كاظم سلك طريق أبيه في المنبر الحسيني وتوفي سنة (١٣٤٩ه). وذكر السماوي أن له ولدان سارا على سيرة أبيهما (15)
شعره
قال الشيخ أغا بزرك الطهراني: (للسيد جواد الهندي ديوان شعر حاوياً لجميع أنواع الشعر وخير ما فيه رثاؤه لأهل البيت عليهم السلام) (16)
وقال الشيخ موسى إبراهيم الكرباسي: (إن المتانة والقوة مرتسمتان على غالبية شعره) (17)
قال السيد جواد الهندي من قصيدة في رثاء أمير المؤمنين والإمام الحسين (عليهما السلام) تبلغ (27) بيتاً:
أيّ طــــــــــــرفٍ يلذّ طيبَ الرقادِ في مصابٍ أقرَّ طـرفَ الأعادي
ما أرى للكرامِ أذكى لـــــــــــهيبٍ فـــــي الحشا مـن شماتةِ الحُسَّادِ
ولذا منهمُ النفوسُ الــــــــــزواكي طربـــــــــتْ للجـلادِ يومَ الجلادِ
سيما المصطــــــــــفينَ فتيانُ فهرٍ سادةُ الخــلقِ حـاضراً بعد بادي
المُـــــــــــــــلاقونَ بابتسامٍ وبشرٍ وابتهاجٍ ركـــــــــــــــائبَ الوفَّادِ
وأولوا العزمِ والبسالةِ والـــــــحز مِ وحلمٍ أرسـى مِـــــــن الأطوادِ
إنَّ ريبَ المنونِ شتَّتهمْ فـــــي الـ أرضِ بينَ الأغوارِ والأنــــــجادِ
مِن طريحٍ على المُصلّــــى شهيدٍ قـــــــــــد بكته أملاكُ سبعِ شدادِ
يا بنَ عمِّ النبيِّ يا واحـــــدَ الدهـ ـرِ وكهفَ الورى ويا خيرَ هادي
أنتَ كفؤُ البتولِ بــــــــينَ البرايا يا عـــــــــــــديمَ الأشباهِ والأنـدادِ
عجباً للسماءِ كيــــــفَ استقرتْ ولها قد أُميــــــــــــلَ أقوى عـمادِ
والثرى كيفَ مــا تصدّعَ شجواً وبه خرّ أعظمُ الأطــــــــــــــــوادِ
وقــــــــلوبُ الأنـامِ لم لا أُذيبتْ حينَ جــــــــبريلُ قامَ فيهمْ يُنـادي
هُدَّ ركنُ الـــــهدى وأعلامُ دينِ الله قد نُكّســــــتْ بسيفِ المُـرادي
وأصيبَ الإسلامُ والعروةُ الوثـ ـقى وروحُ التقـــــى وزينُ الـعبادِ
إنَّ أتقى الأنامِ أرداهُ أشــقى الـ ـخلقِ ثاني أخي ثــــــــمودٍ وعـادِ
فــــــــــــــلتبكِّـيهِ عينُ كلِّ يتيمٍ وعيونُ الأضيافِ والــــــــــــوفَّادِ
يا لرزءٍ قــد هـدَّ ركنَ المعالي حيثُ سرُّ الـــــعداةِ في كلِّ نــادي
عدَّه الشامتـونَ فـي الشامِ عيداً أموياً مِن أعظـــــــــــــمِ الأعــيادِ
ومصابٌ أبــــكـى الأنامَ حقيقٌ فيهِ شقُّ الأكبادِ لا الأبــــــــــــرادِ
وقتيلٌ بالسيـــــــفِ مُلقىً ثلاثاً عـافرَ الجسمِ في الرُّبى والـــوهادِ
لستُ أنسـاه إذ أتــــــــته جنودٌ قد دعاها لحــــــــربهِ ابــــنُ زيادِ
فغدا يحصدُ الــرؤوسَ ويؤتي سيفُه حقَّه بيـــــــومِ حصــــــــــادِ
كــــــــادَ أن يهلكَ البريةَ لولا أن دعــــــاهُ الإلهُ في خيرِ نــادي
بأبي ثـــــاوياً طريحاً جريحاً فوقَ أشــــــــلائهِ تجولُ العــوادي
وبأهليَ مَـن قد غدا رأسُه للـ ـشامِ يُهدى عـلى رؤوسِ الــصعادِ
ونساءٌ تطــارحُ الورقَ نوحاً فوقَ عجفِ النياقِ حسرى بــوادي (18)
وللسيد جواد الهندي خمس قصائد مطولة في الإمام الحسين (عليه السلام) ذكرها السيد آل طعمة (19) قال من الأولى وتبلغ (45) بيتاً:
ومـــــا كــــــــــانَ ينشدُ مِــن قبلِكمْ فقيداً فلا والـــــــــذي يُـعبدُ
ســـــــــوى مَـن بقلبي لــه مضجعٌ ومَن بـ(الطفوفِ) له مشـهدُ
ومَــن رزؤه ملأ الخافـــــــــــــقينِ وإن نــــــــفدَ الدهرُ لا يـنفدُ
فمَن يسألُ (الطفَّ) عــــــــن حالِه يقصُّ عــــــــليه ولا يـجحدُ
بـــــــــــــأنَّ الحســــــــينَ وفتيانَه ظـــــمايا بأكنافِه اسـتُشْهِدوا
أبا حسنٍ يـــــــــــــا قـوامَ الوجودِ ويا مَن به الرسلُ قـد سُدِّدوا
دريتَ وأنــــــــــــتَ نزيلَ الغريِّ وفــوقَ السما قطـبُها الأمجدُ
بــــــــــــــأنَّ بــنيــكَ برغمِ العلى على خطّةِ الخسفِ قد بُدِّدوا
مضوا بشبا ماضـــياتِ الـسيوف وما مُــــــــــــدّ للذلِّ منهمْ يدُ
رأوا عـزَّهمْ فــي اعــتناقِ الـظبا بيومِ الوغى والـــوغى تشهدُ
بأنَّهم قــــــــــــــــد رَعـوا حـقَّها بمشرعةِ الحتفِ مُــذ أوردوا
وعافتْ نفوسَــهم ضـــــــــــيمَها وقالتْ سوى العقــلِ لا يُحمدُ
عشيّةَ باتوا لــــــــــوردِ المـنونِ وقــــــالوا الوغى بيننا موعدُ
تنادوا بأنَّ الــتنائـي غــــــــــــداً لكَ الســــوءُ مِن طالعٍ يا غدُ
فقاموا صــباحاً وسـحبُ المنونِ تصوبُ وبــحرُ الوغى مُزبدُ
وشمَّــرتِ الحــــربُ عن ساقِها وغصَّ بأبطـــــــــالِها الحُشَّدُ
وجــاءتْ أميَّةُ فــــــــــي جندِها ويقدمُها عاهرٌ مُلـــــــــــــحدُ
فثارتْ عليهــمْ أسـودُ الــــوغى لها اجتمعَ المجدُ والسُّـــــؤددُ
فمِن ضــــــــــــــيغمٍ خلفَه أرقمٌ ومِن مُلبدٍ إثرهُ أصــــــــــــيدُ
فـــــكمْ أغـرقوا قضباً في الطلا وسـمراً بفيضِ الدما أوردوا
وكـــــــمْ أيقظوا راقداً للسيوفِ وفيــهِ من الشوسِ كمْ أرقدوا
إلى أن تــــجلّى لهمْ في الكفاحِ مِن غــــيـــــرِه قطّ لم يَعبدوا
فخرُّوا له سُجَّداً في (الطفوفِ) كأنَّ (الطــــفوفَ) لهم مسجدُ
ظــــــــمايا قضوا وبحرُ الظبا غـــــــليلُ صــــدورِهمُ بدَّدوا
ومِن بعدِهمْ مـــصدرُ الكائناتِ له في الأعادي صـفا الموردُ
فصالَ على جمــــــعِهمْ مُفرداً ألا بــــــــــــــأبي ذلكَ المفردُ
وحكَّمَ فيهم شبا صـــــــــــارمٍ كأنَّ بهِ شعلةٌ تـــــــــــــــــوقدُ
يـــــــدافعُ عن خيمِ الطاهراتِ فيـــــــــحمدُه المجدُ والسؤددُ
وقال من الثانية وتبلغ (53) بيتاً:
ولـــــــــــمّا رأوا ما قد أعَدَّ الهـدى لهم تهاووا على الغبرا وهمْ أنجمٌ زهرُ
إلى الغايةِ القصوى استطارتْ نفوسُهم علوَّاً وفي وجهِ الثرى سحباً خرَّوا
وأقبلَ فردُ الـــــــــــدهرِ للجمعِ واعظاً نذيـــــراً فما أغناهمُ الوعظُ والنذرُ
فحكَّم فيهم صارماً طــــــــــــوعً أمرِهِ تُساقُ الـــــمنايا إذ له الحكمُ والأمرُ
وصالَ على ظهرِ المُطهَّمِ فيـــــــــــهمُ كما صالَ في الأعداءِ والدُه الطهرُ
صفيحتُه أمُّ المنايا وكــــــــــــفؤها الـ ـمثقفُ مهما حـــــــــــلَّ طعنتُه بكرُ
أبى الوردَ إلّا في الأضالعِ والـــــحشا فموردُه قلبٌ ومصـــــــدرُه الصدرُ
وقال من الثالثة وتبلغ (44) بيتاً:
فألـــــــــــــفيَ نوحٌ والعويلُ مُصاحبي ودائي بكـــــــــــاءٌ والدموعُ بضائعي
فرفقاً بقلبٍ ذائبٍ قبلَ فقدِكــــــــــــــــمْ لــــــــــــــخيرِ فقيدٍ حلَّ خيرَ مَصارعِ
غريبٌ بأرضِ (الطفِّ) لاقـــى حمامَه فواصــــــله بينَ الرماحِ الــــــشوارعِ
أُفـــــــــــدِّيهِ خوَّاضَ الــمنايا غمارَها بـــــــكلِّ فتىً نـحو الــــــمنونِ مسارعِ
كماةٌ مشوا حرّى الـــقلوبِ إلى الردى فلمْ يَردوا غيـر الـــــردى مِن مَشارعِ
فـــــــــمِن كلِّ طـــلّاعِ الثـنايا شمردلٍ طلوبِ المنـــــــــايا في الثنايا الطوالعِ
ومِــــــــــن كـــلِّ مِقدامِ السـرايا بغرَّةٍ تُـــــــــــــــــنيرُ كبدرِ التمِّ بينَ الطلائعِ
ومِن كلِّ مِـــــرقالٍ إلى الحـربِ باسلٍ سوى الـموتِ في أجمِ القنا لم يصارعِ
ومِن كلِّ قـرمٍ خائضِ المـوتِ حاسراً ومِن كلِّ لـيثٍ بالحفيظـــــــــــــةِ دارعِ
تواصوا لــــحفظِ الآلِ بالـصبرِ غدوةً فأضحوا وهــمْ طعمُ السيــوفِ القواطعِ
تفانوا ولمَّا يـــــــــبقَ منهمْ أخو وغىً عـــــلى حومــةِ الهيجا لحـــفظِ الودائعِ
فلمْ أنسَ لمَّا أُبرزتْ مِــــــن خدورِها حرائــرُ بيتِ الــوحي حســـرى المقانعِ
سوافرَ ما أبقوا لهنَّ سواتـــــــــــــراً تسترُّ بـــــــــــــــالأردانِ دونَ الـــبراقعِ
وسِيقتْ إلى الــــشاماتِ نـحوَ طليقِها تُكابدُ أقتابَ الــنيــــــــــــــاقِ الضـــوالعِ
وكافلها السجَّادُ بـــــــــــــــينَ عداتِهِ يُصفّدُ في أغلالِــهمْ والجــــــــــــــــوامعِ
تلوحُ له فوقَ الـــــــــعواسلِ أرؤسٌ تعيرُ ضياها للنــــــــــــــــجومِ الطـــوالعِ
وقال من الرابعة وتبلغ (31) بيتاً
أقــــــاسي مِن الدهرِ الخــــؤونِ الــدواهيا ولـمْ تــرني يوماً من الدهرِ شاكيا
لمَن أظهرُ الشكوى ولــــمْ أرَ في الــورى صـــديقاً يواسي أو حميماً محاميا
وإنّي لأن أُغـضي الــــجفونَ على الــقذى وأمسي وجيشُ الهمِّ يغزو فؤاديــا
لأجدرُ مِن أن أشــــــتكي الدهرَ ضــارعاً لقومٍ بـــــهمْ يشتدُّ في القلبِ دائــيا
ويا ليتَ شِعــــري أيّ يومــــــيهِ أشــتكي أيوماً مضـــى أمْ ما يكونَ أمــاميا
تغالبني أيــــامُه بـــــــــــــــــــــصــروفِها وسوفَ أرى أيــــــــامَه والليــاليا
إباءً بــــهِ أسمو على كلِّ شاهـــــــــــــــقٍ وعزماً يدكُّ الشامخاتِ الرواســيا
وإنّــــي مِن الأمــــــــــجادِ أبنــاءِ غــالبٍ سلالةِ فهرٍ قد ورثتُ إبــــــــــــائيا
أباةٌ أبوا للضيمِ تُلــــوى رقـــــــــــــــابُهم وقد صافحوا بيضَ الظبا والعواليا
غداةَ حـــــــــــــــــــسينٍ حــاربته عـبيدُه وربَّ عـــــــــــبيدٍ قد أعقّتْ مواليا
لقد سيَّرتها آلُ حـــــــــــــــــــربٍ كـتائباً بقسطلِها تحكـــــي الليالـي الدياجيا
فناجزَها حـــلفُ المـنايا بفتـــــــــــــــــيةٍ كرامٍ يعدُّون الــــــــــــــمنايا أمانيا
فثاروا لـــهمْ شمَّ الأنــــــــــــوفِ تخالهمْ غداةَ جثوا للموتِ شمَّاً رواســـــــيا
ولــــــــــــــــــفّوا صفـوفاً للــعدوِّ بمثلِها بـــــــحدِّ ظبا تثني الخيولَ العواديا
بحيثُ غدتْ بـــيـــضُ الــظبا في أكفِّهمْ بقاني دمِ الأبطالِ حمراً قـــــــــوانيا
واعطوا رماحَ الــــــــــخطِّ ما تستحقّها فتشكرُ حتى الشجرُ مــــنهمْ مساعيا
إلى أن ثووا صـــرعـــــى مُلبِّينَ داعياً مِن اللهِ في حـــــــرِّ الهجيرِ أضاحيا
وعافوا ضحـــىً دونَ الحسينِ نفوسَهم ألا أفتـــــــــدي تلكَ النفوسَ الزواكيا
ومــــاتوا كـــراماً بـ(الطفوفِ) وخلّفوا مكــــــــــارمَ ترويها الورى ومعاليا
وراحَ أخــــــــو الهيجا وقطبُ رجائِها بــــأبيضَ ماضي الحدِّ يَلقى الأعاديا
وصالَ عليهـــــــمْ ثابتَ الجأشِ ظامياً كما صالَ لـــــيثٌ في البهائمِ ضاريا
فردّتْ على أعـــــــــــقابِها مـنه خيفةً وقد بلـــــــــغتْ منها النفوسُ التراقيا
وأوردَ في مـــاءِ الطلــــــى حـدَّ سيفِه وأحـــــــشاهُ مِن حرِّ الظماءِ كما هيا
إلى أن رُمــي سهماً فأصــــمى فؤادَه ويا ليت ذاكَ الـــــسهمُ أصمى فؤاديا
فـــــــــخرَّ على وجهِ الصعيدِ لوجهِهِ تـــــــــــــــــريبَ المُحيَّا للإلهِ مُناجيا
وكادتْ له الأفلاكُ تهوي على الثرى بأملاكِها إذ خرَّ في الأرضِ هــــاويا
تـــــــــــنازعُ فيهِ السمرُ هنديةَ الظبا ومِن حولهِ تجري الـــخيولُ الأعـاديا
وما زالَ يـــــــستسقي ويـشكو غليلَه إلى أن قضى في جانبِ النهرِ ظـامياً
قضى وانثنى جــــبريلُ يـنعاهُ مُعولاً ألا قــــد قـضى مَن كانَ للدينِ حاميا
فلهفي عليهِ داميَ الــــــنحرِ قد ثوى ثلاثَ ليـــــــــــالٍ في البسيطةِ عاريا
وقد عادَ منه الرأسُ في ذروةِ الــقنا منيراً كبدرِ الــــــــــــتمِّ يجلو الدياجيا
وقال من الخامسة وتبلغ (54) بيتاً:
لــــــــــــــــــــــــو كانَ يُردعُ يومُ البينِ بالرهبِ لكــــــــــــنتُ أرهبُه بالخيلِ والقضبِ
وفي رمــــــــــــــــــــــــاحِ عرينِ الأسدِ أجمتِها وفي نصالٍ كمثلِ الأنــــــــجمِ الشهبِ
وفي كتائبَ دهـــــــــــــــــــــــــــــــماءً مُروِّعةً منها عليها بــــــــــروقُ البدعِ واليلبِ
فيها رجالٌ إذا ما الحــــــــــــــــــــربُ تجمعُهمْ يوماً تــــــــلاقوا بها في غايةِ الطربِ
شوقاً إلى الــــــــــــــــموتِ في ظــلِّ الأسنَّةِ إذ سُقـــياً لبيضِ المواضي مِن دمٍ سربِ
كـــــــــــــــفتيةٍ في عِراصِ (الطـفِّ) قد وقفوا بــــحيث غصَّ الغضا بالجحفلِ اللجبِ
مـــــــــــــــقلَّدينَ سيوفاً أينــــــــــــــــما وقعتْ أردتْ ولـــــم تــــنثلمْ ضرباً ولمْ تخبِ
ذاتِ الفرندةِ لــــــــــــــــــــــكنْ مِن نجيعِ طلا ذاتِ الطبائعِ لـــــــــــكن لا مِن الذهبِ
إن اســــــــــــــــــــتمدتْ أمِدتْ مِن سواعدِهمْ أو اســــــــــتعانتْ أعِينتْ بالقنا السلبِ
بــــــــــــــــــــــــــجنبِهم ذاتُ أرسانٍ مُضمَّرةٍ قــــــــد سوَّموها ليومِ البأسِ والغضبِ
أجرى من الريحِ في نيلِ المُنى ومــــــــــــتى حلّتْ مرابِطَها أرسى مِن الهـــــــضبِ
لم أنسَ إذ قارعوا الأبطـــــــــــــــالَ في حزمٍ تنيرُ داجيةَ الهيجاءِ كـــــــــــــــالشهبِ
ودّوا كـــــــــــــــــــــــــتائبَهم تنحو مراكزَها والنقعُ يمطرُ بــــــــــالهاماتِ كالسحبِ
لولا القضا لأبادوا جـــــــــــــــــمعَهم وغدوا نــــــــــــحو المعالمِ في أمنٍ مِن النوبِ
لــــــــــــــــــــــــــكنّهم عشقوا غاياتِهم فرأوا أنَّ المنى فـي الردى والنيلَ في العطبِ
ترجَّلوا للقنا إذ نـــــــــــــــــــــحوهمْ شُرِعتْ وللسيوفِ جثوا بأســـــــــاً على الركبِ
فوسَّدوا التربَ لكن بعدما بــــــــــــــــــــلغتْ سيوفُهم في عـــــــــداهمْ مُنتهى الأربِ
فقامَ خلفُ الإبـــــــــــــــــــا والموتِ مُنفرداً لمْ يستعنْ بــــــــسوى رمحٍ وذي شطبِ
يـــــــــــــــــــــخوضُ غامرةَ الهيجاءِ مُبتغياً وصــــــــــلَ المنونِ بقلبٍ غيرِ مُرتهبِ
شاءَ العدى ضــــــــــــــــــــــيمَه واللهُ عزَّتُه فآثرَ العزَّ حتى سادَ كـــــــــــــــــلَّ أبي
فثقّفَ العزمَ ثمَّ انــــــــــــــــــــصاعَ في يلبٍ مِن النجارِ وفــــــــي سيفٍ مِن الحسبِ
وأعــــــــــــــــلنَ النسبَ الوضَّاحَ مِن مُضرٍ مُـــــــــــــذ قامَ مُفتخراً في حليةِ النسبِ
لولاهُ لا غالبٌ يُـــــــــــــــــــــــروى له أثرٌ ولا لويٌّ لدى الأسمــــــــــــــاعِ والكتبِ
أحياهمُ مُذ نضا صـــــــــــــــمصامَه وسطا على جنودِ بـــــــــــــــني حمَّالةِ الحطبِ
فــــــــــــــــــــــغبَّرَ الكونَ حتى كادَ شارقُه يــــــــــــــغيبُ مُحتجباً في أظلمِ الحُجُبِ
غدا لدائرةِ الهيجاءِ قطـــــــــــــــــبَ رحى وهلْ تدورُ رحىً إلّا عــــــــــــــلى قطبِ
شفى الكــــــــــــــــــــفاحَ بمَا قد قامَ يشربُه وكانَ مِن قبــــــــلُ ذا كالمدنفِ الوصبِ
وغيَّبَ الجندَ في دجــــــــــــــــــــناءِ قاتمةٍ دهــــــــــــــماءَ ليتَ بها غابتْ ولمْ تؤبُ
لولا الــــــــــــــــمشيئةُ لمْ يتركْ على بدنٍ رأساً ولا في كُلى الأبطــــالِ مِن عصبِ
ولمْ يدعْ فارساً يومَ الـــــــــــــــــكريهةِ أو تنعاهُ ثاكلةٌ بالــــــــــــــــــــويلِ والحَرَبِ
فلو أشارَ عـــــــــــــلى الأرواحِ لانتُزِعتْ مِـــــــــــــــــن الجسومِ بلا عدٍّ ولا خببِ
بحيثُ لم يبقَ فــــــوقَ الأرضِ مِن حربٍ ولا لجندِ بني ســـــــــــــــــفيانَ مِن لجُبِ
لــــــــــــــــــــكنّما القدرُ المحتومُ صادفُه بــــــــــــــــــنبلةٍ بينَ أطـرافِ القنا السلبِ
هوى عــلى التربِ وهوَ العرشُ وا عجباً مَن قد رأى العرشَ أن يهوى على التربِ
يـــــــــــــا علَةَ الكونِ يا سرَّ الوجودِ ويا خــــــــــــــيرَ البريةِ مِن عجمٍ ومِن عربِ
حُوشِــيــــــــتَ ذُلّاً وإن غُودرتَ مُنجدِلاً مُزمَّلاً بــــــــــــــــــدمٍ في التربِ مُنسكبِ
كنــتَ العزيـــــــــــزَ وخيلُ العزِّ مُفتخرٌ إذ فيكَ شِيدَ بناءُ المـــــــــــــــجدِ والحسبِ
وأنـتَ شيَّدتَ بنيــــــــــــــانَ الإبا كرماً بما صبرتَ على الأرزاءِ والـــــــــــــكربِ
وسُــدتَ كلَّ أبيٍّ في البريـــــــــــــةِ بلْ وفُــــــــــــــــقتَ كلَّ وصيٍّ بل وصيَّ نبي
إلّا الــــــــذي كنتَ روحاً في جوانــحِه وفضَّةً خُلقــــــــــــــــــــتْ مِن ذلكَ التربِ
إن يشمت الـــــــــــكفرُ فليعلمْ بأنَّــكَ قد أعطِيتَ دونَ البرايا أرفــــــــــــــع الرتبِ
أرادَ إطفاءَ مشكاةٍ أضـــــــــاءَ بــها الـ ـشمسَ الـــــــــــمضيئةَ معْ بدرٍ مِنَ الشهبِ
طوبى لتربٍ غدا مثواكَ حـــــيثُ سما على السما عرشَــــــــها فضلاً عنِ الحُجُبِ
أهل درى مَن هوى شلواً علـــيهِ ومَن ثوى ثلاثاً على الرمضـــــــــــــاءِ والكثبِ؟
وهلْ درى فيهِ وجهُ الدينِ مُنـــــــعفراً أكرمْ بمُنعفرٍ بالــــــــــــــــــنجعِ مُختضبِ؟
وهلْ درى هيكلُ التوحيدِ مُــحتـــــجباً فيهِ بمثوى ضريحٍ غيرِ مُحــــــــــــــتجبِ؟
وهلْ درى أنّ أشــــــــــــلاءَ النبيِّ بهِ غدتْ مُــــــــــــــــوزَّعةً بالسمرِ والقضبِ؟
وهـلْ درتْ عادياتُ الخيلِ مَن وطأتْ يـــــــــــــــــــا ليتها عُقرتْ قدماً ولمْ تثُبِ؟
وهلْ درتْ يعملاتُ النجبِ مَن حملتْ نحوَ الشآمِ علــــــــــــــــى الأكوارِ والقُتبِ
لهفي على خفراتِ السبطِ حيث غدتْ تُساقُ فوقَ ظهورِ الأينقِ الـــــــــــــــــنجبِ
تصــــــــبُّ أعينُها في التربِ أدمعَها لولا التزفُّرُ جـــــــــــــــــادَ التربُ بالعشبِ
هذي إلــــــــى جدِّها تشكو مصائبَها وذي تصيحُ أخي شجواً وتــــــــــــــلكَ أبي
إذا اشتكتْ مــــــا تلاقي مَن يجاوبها أو استغاثتْ بـــــــــــــــغيرِ السوطِ لمْ تجبِ
......................................................
1 ــ الطليعة من شعراء الشيعة ج 1 ص 40 / أعيان الشيعة ج ٤ ص ٢٨٨ / تاريخ الحركة العلمية في كربلاء ص 261 / ادب الطف ج 8 ص 262 / شعراء كربلاء ج 1 ص 207
2 ــ أدب الطف ج 8 ص 264 / شعراء كربلاء ج 1 ص 212
3 ــ أدب الطف ج 8 ص 266 / شعراء كربلاء ج 1 ص 214
4 ــ شعراء كربلاء ج 1 ص 219
5 ــ أدب الطف / السيد جواد شبر ج 8 ص 264
6 ــ أطلقت هذا الوصف على كربلاء الرحالة والأديبة الفرنسية جان مگر ديولافوا (1851 / 1916) وقد زارت كربلاء عام (1299هـ / 1881 م) وكان عمر السيد جواد الهندي آنذاك 28 عاماً وقد دونت رحلتها بالفرنسية في كتاب ضخم وتُرجم إلى الفارسية ثم تَرجم منها الأستاذ علي البصري ما يخص العراق إلى العربية وراجعها الأستاذ الدكتور مصطفى جواد وطبعت في بغداد عام (1958)
7 ــ حاشية ديوان محمد حسن أبي المحاسن الكربلائي ص 34
8 ــ أعيان الشيعة ج 17 ص 223
9 ــ أدب الطف ج 8 ص 262
10 ــ نفس المصدر والصفحة
11 ــ الطليعة من شعراء الشيعة ج 1 ص 40
12 ــ شعراء كربلاء ج 1 ص 203 ــ 204
13 ــ مجالي اللطف بأرض الطف ص 79
14 ــ ديوان محمد حسن أبي المحاسن الكربلائي ص 34
15 ــ الطليعة من شعراء الشيعة ج 1 ص 40
16 ــ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 9 ق 1 ص 197
17 ــ البيوتات الأدبية في كربلاء ص 657
18 ــ ادب الطف ج 8 ص 266 ــ 267
19 ــ شعراء كربلاء ج 1 ص 206 ــ 215
اترك تعليق