893 - المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب (ولد سنة 5 هـ)

المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب (ولد سنة 5 هـ / 662 م)

قال المرزباني: المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف كان مع الحسين بن علي (عليهما السلام)، فأصابه مرض في الطريق، فعزم عليه الحسين أن يرجع فرجع، فلما بلغه قتله قال يرثيه:

أحزنني الدهـــــــرُ وأبكاني     والدهرُ ذو صــــــرفٍ وألوانِ

أفردني مِـــــــن تسعةٍ قُتِّلوا     بـ(الطفِّ) أضحوا رهنَ أكفانِ

وســـــــــتَّةٍ ليسَ لهم مُشبهٌ     بني عقيلٍ خيرِ فرســــــــــــانِ

والمرءُ عونٌ وأخيهِ مضى     كــــــــــــــلاهما هيَّجَ أحزاني

مَـن كانَ مسروراً بما نالنا     وشامتاً يومــــــــــــــاً فمِ الآن (1)

الشاعر

المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أمه ضُريبة بنت سعيد بن القَشِب، أما أبوه نوفل بن الحارث فكان من جملة من أخرجته قريش بمكة من بني هاشم لقتال النبي (صلى الله عليه وآله) في بدر كرهاً وهو القائل يومئذٍ:

حرامٌ عليَّ حربُ أحمدَ إنني     أرى أحمداً مني قريباً أواصرُهُ

وإن تكُ فهرٌ ألّبتْ وتجمَّعتْ     عـــــليهِ فإنَّ اللهَ لا شكَّ ناصرُه

وقال أيضاً:

إليكمْ إليكمْ إنـــــــني لستُ منكمُ     تبرَّأتُ مِن دينِ الشيوخِ الأكابرِ

لعمركَ مـــــا ديني بشيءٍ أبيعُه     ومـــا أنا إذ أسلمتُ يوماً بكافرِ

شهــــدتُ على أن النبيَّ محمداً     أتى بـالهدى من ربِّه والبصائرِ

وأنَّ رسولَ اللهِ يدعو إلى التقى     وإنَّ رســـــولَ اللهِ ليسَ بشاعرِ

عــلى ذاكَ أحيا ثمَّ أُبعثُ موقتاً     وأُثوى عليهِ مــــــيِّتاً في المقابرِ (2)

وأسِرَ نوفل ببدر فقال له رسول الله (ص): أفدِ نفسكَ يا نوفل، فقال ما لي شيء أفدي به نفسي يا رسول الله قال: أفد نفسك برماحك التي بجدة، فقال: والله ما علم أحد أن لي رماحاً بجدة غيري بعد الله، أشهد أنك رسول الله، ففدى نفسه بها وكانت ألف رمح. (3)

وشهد نوفل مع رسول الله صلى الله عليه وآله فتح مكة، وشهد حنيناً والطائف، وكان ممن ثبت يوم حنين مع رسول الله، وأعان رسول الله يوم حنين بثلاثة آلاف رمح، فقال له رسول الله: كأني أنظر إلى رماحك يا أبا الحارث تقصف أصلاب المشركين. كان نوفل أسن من إخوته ومن سائر من أسلم من بني هاشم كلهم وأسن من عمّيه العباس وحمزة. توفي نوفل بالمدينة سنة خمس عشرة ودفن بالبقيع (4)

أما ابنه المغيرة صاحب الأبيات فقيل في ولادته أنه لم يدرك من حياة النبيّ صلى الله عليه وآله غير ستّ سنين (5) ــ أي أن ولادته كانت في السنة الخامسة للهجرة ــ وكان قاضياً بالمدينة في زمن عثمان (6) وكان من أنصار علي وله جماعة إخوة (7)، وشهد مع أمير المؤمنين (عليه السلام) حروبه الثلاث ومن شعره في معركة صفين:

يا عصبةَ الـــــموتِ صبراً لا يهولكمُ     جيشَ ابنِ حربٍ فإنَّ الحقَّ قد ظهرا

وقـــــــــــاتلوا كلَّ مَن يبغي غوائلكمْ     فــإنَّما النّصرُ في الضّرا لمَن صبرا

اسقوا الخوارجَ حدَّ السَّيفِ واحتسبوا     فـــي ذلكَ الخيرَ وأرجو اللهَ والظفرا

وأيقنوا أنَّ مَن أضـــــــــحى يخالفكمْ     أضـــحى شقياً وأضحى نفسه خسرا

فيكمْ وصيُّ رسولِ اللهِ قائـــــــــــدُكم     وصــــــــــــهرُه وكتابُ اللهِ قد نُشرا

ولا تخافوا ضــــــــــــلالاً لا أبا لكمُ     سيحفظ الديــــنَ والتقوى لمَن نصرا (8)

وقد استخلفه الإمام الحسن (عليه السلام) على الكوفة حين سار إلى المدائن (9) وأمره باستحثاث الناس واشخاصهم إليه فجعل يستحثهم ويخرجهم حتى التأم العسكر (10) وهو الذي قبض على المجرم ابن ملجم فألقى القطيفة عليه لمّا ضرب أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإن الناس لمَا هموا بأخذ ابن ملجم، حمل عليهم بسيفه، فأفرجوا له، فتلقاه المغيرة، فألقى عليهِ قطيفة كانت معه، واحتمله وضرب به الأرض، وأخذ سيفه، وَكان شديد القوة، وحبسه حتى مات علي، فقتل ابن ملجم. (11)

ورُوي له عن النبي (صلى الله عليه وآله) حديثاً واحداً، رواه عبد الملك بن نوفل، عن أبيه، عن جده، عن المغيرة بن نوفل قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يحمد عدلاً، ولم يذم جوراً، فقد بارز الله تعالى بالمحاربة). (12)

قال عنه السيد محمد مهدي الموسوي الخرسان: (الثاني من بني هاشم الذين شاركوا في النهضة الحسينية ولم يسعفه الحظّ بالشهادة وإن فاز بالسعادة، هو: المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب بن هاشم، كان مع الحسين عليه السلام، أصابه عارض رضي الله عنه في الطريق، فعزم عليه الحسين عليه السلام أن يرجع، فرجع، ولمّا بلغه نبأ الفاجعة قال يرثيه ومن قتل ممّن كانوا معه.....) (13)

وروى له ابن سعد ما نصه: (إنّ كعب الأحبار أخذ بيد المغيرة بن نوفل فقال: اشْفَعْ لي يوم القيامة. فانتزع يده من يده وقال: وما أنا؟ إنّما أنا رجل من المسلمين. قال فأخذ بيده فغمزها غمزاً شديداً وقال: ما من مؤمن من آل محمد إلا وله شفاعة يوم القيامة) (14)

وروى له ابن الشجري هذه الأبيات وقال: قالَ المغيرة بن نوفل الهاشميّ للجرّاح بن سنان الأَسديّ لمّا طعن الحسين بن عليّ (عليهما السلام):

إذا سَـــقَى اللّهُ عَبداً صَـوبَ غادِيَةٍ     فَــــــــلا سَقَى اللّهُ جَرَّاحا مِنَ الدِّيَمِ

أعني بِهِ ابنَ سِنانٍ شَرَّ مَن حَمَلَت     اُنثى وَمِن شَرِّ مَن يَمشي عَلى قَدَمِ

شُلَّت يَمــــــــينُكَ مِن غادٍ بِمِعوَلِهِ     عَلى فَتــــىً لَيسَ بِالواني ولَا البَرِمِ

يا نَصرُ نَصرَ قَـعينٍ كَيفَ نَومُكُمُ     وقَد أتَيتُم عَــــــــــظيماً لَيـسَ بِالأَمَمِ

حاشا جُذيمَةَ إنِّـــــي غَيرُ ذاكِرِها     ولا بَني جابِرٍ لَم يَـــــــــــنطِفوا بِدَمِ (15)

ورى المؤرخون أنه تزوج من أمامة بنت أبي العاص وهي بنت زينب بنت رسول الله وقد تزوجها بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام).

قال ابن الأثير في ترجمته: (يكنى أَبا يحيى، بابنه يحيى، وأُم يحيى أمَامة بنت أَبي العاص بن الربيع، وأمّها زينب بنت رسول الله صَلَّى الله عليه وآله. وكانت أُمامةُ قد تَزَوّجها عَليّ بنُ أَبي طالب، فلما جُرِحَ عليٌّ أَوصى أَن يتزوّجها المغيرة بن نوفل، فتزوّجها بعد قتل علي. وقيل: كان يكنى أَبا حليمة) (16)

وذكر هذه الرواية ابن عبد البر ولكنه لم يذكر أنها بوصية منه (عليه السلام) فقال في ترجمة المغيرة: (يكنى أبا يحيى، بابنه يحيى بن المغيرة، من أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، تزوجها بعد علي بن أَبي طالِب) (17)

في حين يقول ابن حزم إنها لم تلد له فقال: (تزوج المغيرة هذا أمامة بنت أبى العاص بن الربيع بن عبد شمس، وأمها زينب بنت رسول اللّه، لم تلد له شيئاً، خلف عليها بعد علي بن أبى طالب، ولم تلد أيضاً لعلي شيئاً) (18)

وأضاف ابن سعد للرواية خطبة معاوية لأمامة فقال: (إن أمامة بنت أبي العاص قالت للمغيرة بن نوفل بن الحارث إن معاوية قد خطبني فقال لها تزوجين بن آكلة الأكباد فلو جعلت ذلك إلي قالت نعم قال قد تزوجتك فجاز نكاحه) (19)

وروى ابن حجر العسقلاني عن الزّبير بن بكّار: (خطب معاوية أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بعد قتل علي، فجعلت أمرها للمغيرة بن نوفل فتوثق منها ثم زوّجها نفسه، فماتت عنده) (20)

وقال الذهبي (وعاشت بعده حتى تزوج بها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، فتوفيت عنده بعد أن ولدت له يحيى بن المغيرة) (21)

وتتوسع الأحداث عند البلاذري في هذه الرواية فيقول: (وبعد استشهاد الإمام عليّ عليه ‌السلام أخذها ــ أي أمامة ــ عمّها عبد الرحمن بن محرز بن حارثة بن ربيعة إلى المدينة، ولمّا سمع معاوية بن أبي سفيان بذلك، كتب إلى مروان بن الحكم، أن يخطبها له، فطلبها مروان لمعاوية، فقالت إمامة بأن أمرها موكول بيد المغيرة بن نوفل، فذهب مروان إلى المغيرة خاطباً منه أمامة فقال له المغيرة: بأنه قد تزوجها، وأن صداقها أربعمائة دينار. فكتب مروان إلى معاوية يعلمه ما حدث) (22)

وقال ابن قتيبة الدينوري: (إنّ الإمام عليّ عليه ‌السلام قد أوصى المغيرة بن نوفل أن يتزوج إمامة بنت الربيع لكيلا يتزوجها معاوية) (23)

وقال المقريزي: (فتزوج أمامة بنت زينب من أبي العاص علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فولدت له محمد الأوسط، ثم خلف عليها بعده المغيرة بن نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب، فولدت له يحيى وبه يُكنى) (24)

ونكتفي بهذه الأقوال التي ملئت بالتناقضات حول هذا الزواج فتارة تقول الروايات بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) أوصاه بالزواج منها وأخرى تقول بأن عمها أخذها إلى المدينة، فلو كان (عليه السلام) قد أوصاه بالزواج منها فلم أخذها عمها من الكوفة إلى المدينة؟ وتارة تقول بأنها ولدت له يحيى الذي لم نجد له أي ذكر في التراجم، وتارة تقول بأنها لم تلد منه، فيتضح أن أبا يحيى هي كنية المغيرة لما كان قاضياً في المدينة في زمن عثمان وليس اسم ولد له وهذه التناقضات تكشف زيف هذه الرواية.  

وليس أدل على كذب هذه الرواية من أن راويها أو مخترعها الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام، الذي لا يختلف اثنان من المؤرخين وغيرهم على كذبه وتدليسه، ووضعه للحديث والرواية. كما لا يختلف اثنان على أنه كان من أشد الناس عداوة لأهل البيت، والروايات التي ذكرها المؤرخون حول كذبه ووضعه للحديث كثيرة جداً حتى عدّه الحافظ ــ أحمد بن علي السليماني ــ من زمرة من يضعون الحديث ووصفه بأنه: (منكر الحديث) (25)

وقد فند علماؤنا الأعلام هذه الرواية فقال ابن شهرآشوب: (وتوفي عن أربعة: أمامه وأمها زينب بنت النبي، وأسماء بنت عميس، وليلى التميمية وأم البنين الكلابية، ولم يتزوجن بعده. وخطب المغيرة بن نوفل أمامة، ثم أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث فروت عن علي (ع): أنه لا يجوز لأزواج النبي والوصي أن يتزوجن بغيره بعده، فلم يتزوج امرأة ولا أم ولد بهذه الرواية) (26)

وقال الشيخ علي النمازي الشاهرودي: (وخطب المغيرة بن نوفل أمامة ثم أبو الهياج. فروت عن علي (عليه السلام): أنه لا يجوز لأزواج النبي والوصي أن يتزوجن بغيره بعده. فلم تتزوج امرأة ولا أم ولد بهذه الرواية) (27)

وقال الشيخ جعفر مرتضى العاملي: (وكون زواج أمامة بالمغيرة بن نوفل بن عبد المطلب بأمر علي عليه السلام هو الآخر موضع شك وريب.... ثم ذكر حديث ابن شهرآشوب) (28)

كما فند هذا الزواج وذكر الحديث: العلامة المجلسي (29) والشيخ جعفر النقدي (30)

..............................................................

1 ــ معجم الشعراء ص ٢٧٢ / الآمدي / المؤتلف والمختلف ص ٣٦٩

2 ــ الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد ج ٤ ص ٤٥

3 ــ المستدرك للحاكم النيسابوري ج ٣ ص ٢٤٦ / الاستيعاب لابن عبد البر ج ٤ ص ١٥١٢

4 ــ الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ج ٤ ص ١٥١٢

5 ــ نفس المصدر السابق / الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة للسيد على خان المدنى ص ١٨٧

6 ــ المعارف لابن قتيبة ص 76

7 ــ العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين للتقي الفاسي ج 6 ص 113

8 ــ صفين لنصر بن مزاحم ص 437 / شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 149 / بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج ٣٨ ص ٢٥

9 ــ أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 ص 70 / الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٤ ص ١٥٣

10 ــ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة للسيد على خان المدني ص ١٨٧

11 ــ أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ج 5 ص 240 / الكامل للمبرد ج ٣ ص ١٩٩

12 ــ نفس المصدر السابق / الإصابة في تمييز الصحابة ج 6 ص 158

13 ــ موسوعة ابن عباس ص 117

14 ــ الطبقات الكبرى ج ٥ ص ٢٣

15 ــ أمالي ابن الشجري ج ۱ ص ۱۹۳

16 ــ أسد الغابة ج 5 ص 240

17 ــ الاستيعاب ج ٤ ص ١٥١٢

18 ــ جمهرة أنساب العرب ج 1 ص 70

19 ــ الطبقات الكبرى ج ٨ ص ٤٠

20 ــ الإصابة في تمييز الصحابة ج 6 ص 158

21 ــ سير أعلام النبلاء ج 1 ص 335

22 ــ أنساب الأشراف ج ١ ص ٤٠٠

23 ــ المعارف ص ١٢٧

24 ــ إمتاع الأسماع ج ٦ ص ٢٩٢

25 ــ الضعفاء ج 3 ص 278

26 ــ مناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ٩٠

27 ــ مستدرك سفينة البحار ج ٤ ص ٣٣٦

28 ــ الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) ج 1 ص 270

29 ــ بحار الأنوار ج 42 ص 92

30 ــ الأنوار العلوية ص450

كما ترجم للمغيرة:

أبو يوسف الفارسي / المعرفة والتاريخ ج 1 ص 315

البخاري / التاريخ الكبير ج 7 ص 318

ابن إسحاق / السير والمغازي ص 246

ابن أبي حاتم / الجرح والتعديل ج 8 ص 231

المسعودي / مروج الذهب ج 1 ص 340

المطهر المقدسي / البدء والتاريخ ج 5 ص 21

أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين ص 62

الطبراني / المعجم الكبير ج 20 ص 366

الذهبي / تاريخ الإسلام ص 44

محمّد علي آل خليفة / أمراء الكوفة وحكامها ص 139

الشيخ راضي آل ياسين / صلح الحسن ص ١١٦

السيد جواد شبر / أدب الطف ج 1 ص 139 ــ 141

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار