قوله تعالى: "وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ "الأعراف 13.
دأب القرآن الكريم على الاهتمام بتنظيم حياة الفرد والمجتمع وتوجيه الناس إلى ما ينفعهم سواء على مستوى الأفراد أم الجماعات, وفي هذا الخطاب القرآني تأكيد مولوي باتباع منهج علميٍّ في الأكل والشرب من أجل حفظ التوازن والتنعُّم بالصحة والعافية بوصفهما من موارد التعلق بالإنسان الذي أكرمه الله تعالى فحدد له ضوابط معرفية لارتقائه ووصوله إلى بر الأمان على وفق القوانين التنموية التي تستقيم بها الحياة وتنضبط بذلك العلاقات بين حاجات الفرد الضرورية والكمالية والضارَّة.
ولمَّا كان الطعام والشراب من الحاجات الضرورية لاستقامة الحياة وعدم الوقوع في التهلكة جاءت الأحكام لتنظيمها على وفق المصالح والمنافع؛ لذلك فإن الخطاب القرآني يؤكد في هذا القانون أنَّ مبدأ السلامة التي يبحث عنها الفرد والمجتمع ولاسيَّما في التعامل مع المعدة التي وُصفت بأنها بيت الداء يكون بتحديد الطعام والشراب ولا يصح الإسراف فيهما وقد نُقل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ((إنا قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لم نشبع)), وهذا القانون ليس وضعيَّا لنتوقع صحَّته أو خطأه؛ بل هو إقرار نبويٌّ يتوافق مع مذهب الخطاب القرآني ليستقيم أمر العباد ومن ثَّم البلاد.
والمعلوم أنَّ المؤمن لا يستطيع أنْ يداوم على طاعة الله تعالى ويتزوَّد منها إِلّا إذا كان صحيح البدن، سويّ الخلقة، قوي البنية، ولا يتم ذلك عادة بكثرة المأكل المشرب، بل حسْبُ المؤمن لقيمات يقمن ظهره، ولمّا كان الإنسان لا يستطيع ضبط نفسه من شدة الإقبال على الطعام والإفراط فيه بشراهة، شرع الله تعالى برحمته فريضة الصيام شهرًا في كل عام لعباده؛ ليردَّ إلى الجسم توازنه وقواه وسلامته ونشاطه؛ فالمؤمن القوي في عقله وبدنه وكيانه ودينه خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وتمام الضعف هو عدم القدرة على الاستجابة لقوانين الصحة البدنية والنفسية.
ومن حكمة الله اللطيف الخبير أنْ فرض على المؤمنين فريضة الصيام قبل معركة بدر الكبرى، وهي المعركة الفاصلة بين الكفر والإيمان في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة؛ ليُعِدَّ الله -عز وجل- من المؤمنين جندًا أقوياء في أبدانهم، وفي إيمانهم، فقد صاموا أكثر من نصف شهر رمضان قبل دخولهم المعركة، فكان الصحابي منهم بعشرة من الكفار، لأنَّ الصيام نقَّى أجسادهم من الأمراض، وخلَّص أجوافهم من كل داء, فزادت بذلك عزيمتهم وقويت همتهم
إنَّ الالتزام بالضوابط والقوانين القرآنية تسهم في التنمية البشرية بشكلٍ يتناسب مع إرادة السماء ورضى الله تعالى وحاجة الفرد والمجتمع؛ لذلك فإن مراجعة الخطاب القرآني والتأمل في توجيهاته القيِّمة ضرورة يوميّة للنهوض بالواقع المجتمعي على وفق الأسس المعرفية والعلمية التي لا يشوبها النقص ولا تميل بها العوارض إلى الاحتمال أو الخطأ, والسعيد من تهيأت له الفرصة واغتنمها لينال بذلك سلامة الدنيا وسعادة الآخرة.
اترك تعليق