يعدُّ النقش على المعادن النفيسة وأشهرها معدني الذهب والفضة أحد الفنون الزخرفية التي تطورت مع تقدم مسيرة الفنون اليدوية والتطبيقية المستخدمة في تكوين نفائس المعادن الثمينة، ويتمثل ذلك باستخدام اشكال ورسوم معينة على السطوح المعدنية بعد تحويلها إلى نقوش بارزة أو غائرة تترُك معالجتها الفنية أثراً واضحاً للبعد الثالث يلاحظه المشاهد عبر إسقاطات الظل والضوء على السطوح المراد تنفيذ النقوش عليها.
ومن المعروف ان الانسان بطيعة حاله يسعى الى امتلاك ومشاهدة الاشياء الجميلة ، ولاسيما تلك التي الاشياء التي تضفي على الحياة الراحة النفسية والسرور، ومن هذه الحاجة الجمالية سعى الانسان الى تطوير الصناعات والحرف اليدوية حتى اصبحت تلعب دوراً مهماً في حياة الإنسان، لتتطور وتزدهر عبر العصور مع التطور الثقافي والاجتماعي الذي لازم الانسان، ولاشك ان الاكتشاف المبكر للمعادن قد جاء ليحل معضلات كثيرة ويقدم صورا واضحة عن المستوى الرفيع للحضارة الروحية والمادية التي بلغها الإنسان حيث ازدهرت انواع الفنون التطبيقية المعدنية فسي الحضارات المصرية والرافدينية والإغريقية والتي كانت في مقدمة حضارات شعوب العالم التي عرفت التعدين وتطبيقاته، وكانت هذه الحضارات على اختلاف ثقافاتها متقاربة في عطاءاتها، فقد بلغت فنون النقش على المعادن درجة عالية من المهارة، إذ استخدم الصناع و الحرفيون المعادن المختلفة مثل الذهب والفضة والحديد والرصاص ، ، واستحدثت ورشات تخصصية عديدة لإنتاج الأعمال الفنية بمواد محددة مثل ورشات صب البرونز وتشكيل النحاس وصب السبائك المختلفة والتي تميزت بالأداء القوي الذي ينم على الارتقاء الحسي والجمالي والتقني.
وقد استعمل الفنان العراقي والفنان الكربلائي على وجه الخصوص ;منفذ لهذا النوع من التقنيات الفنية، انواع الزخارف والنقوش وعمد على تنفيذها بطريقة منتظمة فوق محيط شبابيك الاضرحة المقدسة وسطوح ابوابها، و التي أعطاها أهمية بارزة في صياغة تكويناته بعد إخضاعها لقوانين تتلاءم مع القواعد التي سنّتها العقيدة الإسلامية، مؤكداً من خلالها حضور الشكل والحركة والثراء بالإيقاع، فضلا عن الكتابة وما احتلته التشكيلات الحروفية من مكانة مهمة في صياغة النماذج الزخرفية المنقوشة على المعادن، إذ استُخدمت الحروف الأبجدية وقد أدت الزخارف الكتابية إضافة إلى الجانب الوظيفي في إيصال المعلومة دوراً تزيينياً، فهي نفسها عناصر تزيينية رشيقة طيعة في استخدامها، والأمثلة على ذلك كثيرة من خلال صياغة اللوحات الفنية بالكتابة وفي مقدمتها الخط الكوفي الذي يغلب عليه التزهير والتوريق.
اما بخصوص الطرق الفنية التي استخدمها الفنان الكربلائي والتي نفذت على معدني الذهب والفضة، فقد كانت على انواع متعددة منها:
1. تقنية الحفر
ويعرفها الدارسون بتقنية النقش المباشر على السطح المعدني ، وتنفذ نقوش هذه التقنية عن طريق إزاحة الطبقات المتفاوتة من السطوح المعدنية وذلك لتحديد العناصر المؤلفة للموضوع، أو تتم عن طريق الحفر بصورة غائرة لإظهار هذه الأشكال، وذلك باستخدام أدوات فولاذية حادة مختلفة الأشكال ومتنوعة الرؤوس تُستخدم بحسب الحاجة لها ونحسب نوع المعدن المراد الحفر عليه، ويتم تنفيذ هذه التقنية يدوياً أو آلياً بوساطة أجهزة حديثة ناسخة للأشكال، وقد يستخدم المنفِّذ وسيطاً كيميائياً عن طريق تغطيس القطعة المعدنية بأحماض معينة بعد تغطيتها بمواد عازلة وترك العناصر السطوح المراد حفرها بلا طلاء لتتعرض للحامض بشكل مباشر ليؤثر بها مع مراعاة الوقت لتحديد مدى عمق الحفر واظهار الاشكال في هذا الجزء دون الاخر .
2. النقش بتقنية التطريق
وتتطلب هذه العملية كثيراً من الدقة في التنفيذ، ويعتمد ذلك على التجربة والخبرة الطويلة وعلى نوعية الأدوات الوسيطة المستخدمة كالأزاميل والمطارق، وللحصول على بروز في سطح الصفيحة يقوم الفنان برسم الأشكال على الواجهة الخلفية، ثم يقوم بتحديدها بالإزميل ليصار إلى طرقها، مع مراعاة تثبت الصفيحة على أرضية قابلة لامتصاص الطرقات بعد تغطيتها بطبقة من المطاط او مواد اخرى، ليتوخى الدقة في التنفيذ ومن ثم الوصول إلى نتائج مرضية.
ومن أجل تشكيل العناصر الغائرة فما على الصانع إلا أن يقلب اللوحة ويطرقها بصورة معكوسة، وعلى الرغم من ضرورة إتقان الرسم والخط بالنسبة إلى أرباب الحرفة فهي موزعة إلى اختصاصات على أفراد الورشة الواحدة، أو على عدد من الورشات تتقاسم العمل من تخطيط ورسم وتنزيل وتجويف ونقش وتخريق.
3. تقنية التكفيت
تعد تقنية التكفيت أو ما يدعى بتقنية النل من اجمل اساليب زخرفة المعادن، ويستخدم فيه خليط معدني يحمل خطوطا مرسومة تارة و اخرى منقوشة على صفائح من معدن ما، وتقوم هذه التقنية الفنية على اساس تزيين معدن أقل باخر انفس منه، فمثلًا نكفت النحاس بالفضة، والفضة بالذهب وهكذا، ويستخدم هذا المصطلح في تتقنيات حفر الزخارف على المعدن وعن طريق ضغط شريط معدني بلون آخر مختلف داخل الخط المحفور ليصبح بمستوى واحد مع السطح المعدني السابق وكأنه جزء منه. وقد كثر استخدام هذه التقنية في تزيين أدوات الاستعمال والحلي، وصارت من أهم الظواهر الفنية ، وان هذا اللون الفني المعقد بعض الشيء يقوم خلاله الفنان برسم لوحته الزخرفية التي عادة ما تكون مكونة من زخارف نباتية وهندسية وطرز كتابية ، ثم يقوم بحفر خطوط هذا الرسم ويضع أسلاك الفضة الرفيعة ليشغلها، ثم بحرفية ومهارة يدق عليها دقات متتالية فتثبت في مجاريها وتصير جزءًا من التحفة.
4. التمويه
اما تقنية التمويه فهي تمثل تسميتها، اذ انها قائمة على مبدأ تغطية المعادن الرخيصة بأخرى ثمينة كالذهب والفضة اي التمويه الشكلي، وقد أدّت هذه التقنية دوراً مهماً في الماضي، لكنها تراجعت في الآونة الأخيرة ليقتصر استعمالها على صناعة الابواب في المراقد والمزارات المقدسة.
5. التخريم
وقد استُخدمت هذه التقنية في تزيين اغلفة شبابيك الأضرحة المقدسة وقبضات ابوابها، وهذه التقنية قائمة على استخدام طريقة التخريم والتثقيب والنشر لإظهار الزخارف وإبرازها على سطوح المعادن، والسماح بنشر الضوء وانبعاثه من داخلها.
6. تقنية المزج
هي طريقة المزج بين الذهب ومعدن اخر كان يكون فضة او نحاس، وقد استخدمت هذه الطريقة في صنع شباك الاضرحة المقدسة ، اذ اخرجها الفنان الحرفي بأشكال غاية من الروعة والاتقان من قبل الصاغة العراقيين .
اترك تعليق