قرآنيات... واحد + واحد = واحد

مثل هكذا عبارة تكون مثار استغراب للمتلقي فكيف يكون ١+١ =١ ومنطق الرياضيات ينص على ان النتيجة هي ٢ والسبب مرهون بنظام الحساب ومنطقه لأننا محكومون بمنطقية الأشياء وعرفيتها في كل أمورنا مهما كانت مساراتها..

إلا أنه من جهة أخرى قد يكون هناك خرق لهذه الطبيعة وذاك العرف أو مخالفة منطقية الأحداث وذلك بالقفز على بدهياتها وهندسة ترتيبها ولو أن هذا الأمر من الصعب قبوله لان العقل البشري انبنى على هذا القياس التي تحكمه جزئياته المتآلفة ضمن إطار قانوني خاص... ولكن هذا القفز على منطقية الأشياء وخرقها قد حصل عن طريق خرق قواعد الطبيعة وهو مايسمى بالمعجزة التي أثارت تساؤلات كثيرة في ذهن المتلقي؛ إذ كيف يكون المألوف مخترقا بل كيف يكون المخترق مقبولا ومبهرا؟!

هذا ماحدث ومازال يحدث في لغة القرآن الكريم التي اعجزت عقول جحاجيح قريش وخلبت ألبابهم حتى قال قائلهم :

(سمعت من محمد كلاما ماهو من كلام الجن ولا هو من كلام الأنس إن له لحلاوة وعليه لطلاوة...)

وقد حملت هذه اللغة أحداثا تماثلت وتماهت مع قوة هذه اللغة فصارت هي الأخرى لافتة للنظر معجزة في تمثلاتها وغير خاضعة لناموس الطبيعة وهي بذلك خرقت المتصور الذهني والمألوف الاجتماعي..

ولنا أن نقول ان أحداث القصص القرآني فيه الكثير مما اسلفنا القول فيه فقصة النبي موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام ملغزة في ظاهرها معجزة في تأويلها التي سردت أحداثا غريبة في ظاهرها لاينبغي ان تصدر من مكلّف بمهمة إنقاذ البشرية من الظلم والطغيان فهي لاتتناسب مع المنطق الإنساني بَلْهَ المنطق الرسالي وهذا ماتجلى في أفعال الرجل الصالح الخضر عليه السلام حينما اصطحب النبي موسى عليه السلام على أن يعلمه مما عُلّم رشدا...

فخرقُ السفينة لمساكين، وإقامةُ الجدار للقرية الظالم أهلُها، وقتلُ الغلام بغير وجه حق.. كلها في الظاهر مخالفة لطبيعة فعل الخير ونشر السلام التي هي مهمة الصالحين من الأنبياء والمرسلين...

من هنا كان على موسى عليه السلام أن يعترض على مجريات الأحداث وقد فعل؛ لأنه يمثل صلاح الظاهر المتعين في الخارج الذي يكون فيه الأمر مؤمونا لا مخترقا وهي وظيفته التي تستوجب تصحيح مسار الأحداث...

وفي الجانب الآخر فعل الخضر عليه السلام ماكان مأمورا به استجابة لإرادة إلهية في تعليم موسى عليه السلام أمرا ما.. فقد مثّل ما وراء الطبيعة وقراءة الغيب وتغليب المصلحة العامة في الأمور الثلاثة المخالفة لسيرورة الإصلاح.. فكانت النتيجة : إنك لن تستطيع معي صبرا...

وهو أمر حق من الطرفين لان موسى عليه السلام مثّل الظاهر فاعترض على خرق هذا الظاهر بغير حق! ولأن الخضر ع مثّل الباطن فعمل بما يتماشى مع المصلحة العامة للفرد المسكين واليتيم والمؤمن.. 

فالاثنان مثّلا المهمة الإلهية الموكولة بهما... وبذلك الظاهر عجز موسى عليه السلام عن مواصلة المسيرة مع الخضر عليه السلام لانه حمل الأمور على تفسير ظاهرها.. وواصل الخضر عليه السلام المسيرة بلحاظ تأويل الباطن 

والنتيجة هي تنفيذ الإرادة الإلهية من الطرفين 

الأول يمثل تصحيح مسار الظاهر + الثاني يمثل تصحيح مسار الباطن ليساوي تنفيذ الإرادة الإلهية.. 

إذن.. ١ + ١ =١

المرفقات

: الاستاذ الدكتور نجاح فاهم العبيدي