في الكوفة

لا يمكن وصف ذلك المشهد المأساوي، فالكلمات تعجز عن إدراك تلك المشاعر الملتهبة, والأنفاس المحترقة باللوعة والأسى, كان فجراً أسوداً طلع على حرائر الوحي وهن على الإبل يطاف بهن على قتلاهن ..., دماء .., وأشلاء مقطعة .. وأيادٍ وأرجل مطروحة على الأرض... ورؤوس مرفوعة على الرماح ... وهن ينظرن إليها ويبكين .. !! ها هي القافلة التي جئن معها بنات الحسين وأخواته ونسائه من المدينة إلى كربلاء معززات مكرمات تعود بهن إلى الكوفة وهن أسيرات مسبيات مع النساء والأطفال فقط، وها هم رجال القافلة على الأرض صرعى وها هي رؤوسهم أمامهن فوق الرماح !! وسارت القافلة وسط صياح القتلة وأسواطهم وهم يصعّدون الأطفال والنساء على الإبل بالعنف والقسوة، ولكن أنظار النساء لم تفارق جسد الحسين حتى غاب عنهن فاختنقن بعبرتهن والدموع ملء عيونهن. وبعد رحلة مضنية وصلت قافلة الحزن إلى الكوفة المدينة التي كانت عاصمة أبيهن وجدهن أمير المؤمنين وها هي تتنكر لهم وتصفهم بالخوارج !! هل سلبت السياسة الأموية الناس دينهم كما سلبتهم حريتهم وكرامتهم فتنكروا لآل النبي !! النبي الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور وحررهم من الذل والعبودية إلى حرية الطاعة لله فرجعوا الآن إلى استعباد بعضهم لبعض ليكونوا تحت نير العبودية الأموية !! خطبت السيدة زينب خطبتها الخالدة التي شابهت كلام أبيها سيد البلغاء والمتكلمين، ثم خطبت بعدها أختها أمّ كلثوم، ثم فاطمة بنت الحسين فقرعن بخطبهن رؤوس أهل الكوفة بالتقريع واللوم على قتلهم سيد شباب أهل الجنة وخذلانه ورجوعهم إلى الجاهلية الأولى بنسختها الأموية وتوسل إليهن الناس أن يكففن فقطعن خطبهن لكن وقع المأساة التي جرت عليهن والجريمة النكراء التي ارتكبت في كربلاء لم تنقطع صورها عن مخيلتهن لقد رافقتهن المآسي والمصائب وهن يشاركن سيد الشهداء نهضته، وشاركنه في ثورته العظيمة خطوة بخطوة حتى استشهاده في كربلاء لتبدأ بعدها رحلة السبي التي أكملن فيها منهج الثورة فكن لسان الثورة الناطق بالحق ومشعل المبادئ التي سعى الإمام الحسين إلى تحقيقها، فأدين دورهن العظيم في ترسيخ تلك المبادئ عبر خطبهن في الكوفة والتي فضحن بها السياسة الأموية الظالمة وسلطن صواعق التقريع على رؤوس عبدة الدينار والدرهم. 

المرفقات