مواجه الأنحراف الأموي

ماذا فعل الحسين، وهو ابن محمد ووريث النبوة..؟ هل يبايع ابن آكلة الأكباد وهو ابن سيدة النساء !! لقد أعلنها مدوّية:

(أنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد شارب الخمر وقاتل النفس المحرمة معلن الفسق ومثلي لا يبايع مثله).

بهذه الكلمات التي أطلقها بوجه والي المدينة الوليد بن عتبة الذي دعاه إلى بيعة يزيد أعلن سيد الشهداء ثورته

في ذلك الجو العصيب الذي ذابت به القيم ووصل المجتمع إلى أقصى درجات الانحدار الأخلاقي وسادته أجواء الرعب والإرهاب يرفض الحسين أن يبايع مجرماً شاذاً ويعلن ذلك على الملأ !!

لقد أعلن موقفه الصريح بالرفض والمواجهة: (ألا وإن الدعي ابن الدعي، قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منّا الذلة, يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون, وحجور طابت وطهرت, ونفوس أبية, وأنوف حمية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام..). بهذه الكلمات أعلن سيد الشهداء وأبو الأحرار ثورته.

كانت ثورة, وكانت جذوة, وكانت صرخة في ضمير الأمة ستبقى مدوّية إلى الأبد.

لا نريد هنا استعراض هذه الثورة العظيمة من جوانبها السياسية والعسكرية والتقصّي عن أحداثها من خروج الحسين من المدينة إلى مكة ثم استشهاده في كربلاء. ولكن هناك حقيقة واحدة وهي أنه في ذلك الوضع المأساوي الراهن كان يحتم أن تكون ثورة، ويحتم أن يكون ثائر يواجه الانحراف ويعيد للإنسان المسلم كرامته المهدورة، فكان الحسين، وكانت كربلاء. فحينما ينتصر الباطل في أبشع صوره ويكتسح الحكم الإرهابي أمامه كل العقبات، ينعدم إحساس الخير في النفوس، فتفقد الأمل وتنهار، وتنتقل عدوى فقدان الكرامة ويستشري الإجرام فلا يكون هناك تخطيط لعملية توازن في القوى للمواجهة.

فالدين بما فيه من مثل عليا ومبادئ سامية يستوجب على الإنسان أن ينهض ويثور ويقول كلمته ولو كان وحده، وهذا ما فعله الحسين، فقد اختار دوره أو بالأحرى فقد اختاره دوره, ابن النبي وأشرف إنسان على وجه الأرض يقدم على المواجهة مهما تكن القوة التي تجابهه ويقدّم دمه ودماء أهل بيته وأصحابه الذين اصطفاهم واستخلصهم والذين تبلورت فيهم كل مبادئ الثورة وقيمها لتكون الصرخة التي توقظ الضمير الإنساني.

خرج الحسين، ولم يكن لخروجه معنى سوى الشهادة، فبالشهادة وحدها يبقى الإسلام فارتبط الإسلام بالحسين بمعنى وثيق لا ينفصم أبداً وارتبط الحسين بالإسلام فكان معناه.  

وتأتيه كتب أهل الكوفة... إنها الكوفة ثانية, الكوفة التي خذلت أباه وخانت أخاه ومع ذلك أرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل ليستطلع الأمر فقد كان دوره كإمام ووصي ووريث منصوص عليه يحتم عليه أن ينهض ويقوم بواجبه تجاه أمة جده ويخرج من المدينة إلى العراق وقد ترك جوابا لأخيه محمد بن الحنفية ولكل من حاول أن يثنيه عن قصده في الخروج من أهل المدينة:

(بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحسين بن علي إلى أخيه محمد بن الحنيفة: أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عنده وأن الجنة حق والنار حق والساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب (ع) فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين).

المرفقات