محمد بن مال الله أبو الفلفل: (توفي 1261 هـ / 1845 م)
قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (86) بيتاً:
أخي جمعتنا للبلا أرضُ (كربلا) ومأساتُنا لـولا أصـبـتَ الـمـجـامـعُ
أخي سـاورتـنـا بعد بعدكِ راغماً حـوادثُ لـم يسمعْ بها الدهرُ سامعُ
أخي رضعتْ أطـفالنا غبَّ ثديِها سهاماً وهل طفلٌ من السهمِ راضعُ (1)
وقال في رثائه (عليه السلام) أيضا من قصيدة تبلغ (69) بيتاً:
وهلم خطبٌ يومَ قوِّضَ ضعنُها من (كربلا) في نسوةٍ تبدي النعي
مـرُّوا بـهـا لـتـرى أعزَّةَ قومِها صـرعـى تـكـفِّـنـهـمْ رياحُ الزوبعِ
فرأتْ أخاها جـثّـةً مـن غيرِ ما رأسٍ فـألـقـتْ نـفـسَـهـا بـــتـــلـوِّعِ (2)
الشاعر
السيد محمد بن مال الله بن محمد التوبي القطيفي الحائري المعروف بـ (أبو الفلفل) نزيل كربلاء المعاصر للسيد كاظم الرشتي ومن أخصائه المقربين إليه، عالم وأديب وشاعر مجيد، ولد في قرية التوبي في القطيف بالسعودية، ، من أسرة علمية علوية تعرف بآل (الفلفل)، وآل الفلفل (بالتوبي) موجودون حتى اليوم من خيار السادة وأماجدهم، كثَّر الله من أمثالهم، يفخرون بشاعرهم (السيد محمد الفلفل)، وحُقَّ لهم، فلقد كان “رحمه الله” على أحسن ما يكون عليه العقلاء من أماثل الرجال) (3).
نشأ السيد محمد في ظل هذه الأجواء العلمية وفي هذه البيئة الصالحة فدرس مقدمات العلوم الدينية في موطنه ثم هاجر إلى العراق لإكمال دراسته واستقر به المقام في كربلاء حتى وفاته فيها، وكان من ملازمي السيد كاظم الرشتي.
وقد نقل عنه شبر حادثة وقعت له دلت على قوة عقيدته وإخلاصه لأهل البيت فقال في ترجمته:
(كان رحمه الله من الشعراء المجيدين المكثرين في مراثي الحسين عليه السلام وقال صاحب أنوار البدرين: لقد غلب شعره على منزلته العلمية فاشتهر بالأدب. انتقل من القطيف للعراق فجاور جده الحسين عليه السلام حتى توفاه الله ، وكان شديد الرقة وإراقة الدموع على مصاب جده الشهيد . نقل الشيخ علي الحمامي نائحة أهل البيت المشهور بزهده وولائه لهم، قال: حدثني العالم الرباني الشيخ جعفر الشوشتري، قال: حدثني السيد محمد أبو الفلفل القطيفي قال: رأيت في المنام ليلة من الليالي كأن امرأة عليها آثار الهيبة والوقار قد جلست على غدير ماء وهي تئن وتبكي وبيدها قميص مضمخ بالدم تغسله وهي تردد هذا البيت ببكاء وزفير:
وكيف يطوف القلب مني بهجة ومهجة قلبي بالطفوف غريب
قال السيد محمد فدنوت منها وسلمت عليها وسألتها فقالت: أما تعرفني أنا جدتك فاطمة الزهراء وهذا قميص ولدي الحسين لا أفارقه أبدا. فانتبه السيد ونظم قصيدة وضمنها هذا البيت. فكان أول القصيدة (أراك متى هبت صبا وجنوب
وكان أبوه السيد مال الله من أهل العلم والفضل). (4)
راعينا الدقة في نقل شعره حيث خلطت أغلب المصادر شعره مع شعر سميّه السيد محمد بن مال الله بن معصوم المتوفى سنة (1271 هـ) ، وقد نوّه السيد جواد شبر إلى ذلك في حيث قال: (ربما حصل التباس بين سيدنا المترجم له وبين سميه ومعاصره السيد محمد بن مال الله بن معصوم لاتحاد الاسمين واسم الأبوين والمسكن إذ هما في كربلاء يسكنان، حتى ربما نسب البعض شعر هذا لهذا. أرجو الانتباه). (5)
وقد اخترنا من شعر السيد محمد أبو الفلفل بعض النماذج بعد التمحيص والتمييز بينها وبين شعر ابن معصوم.
قال من قصيدة تبلغ (129) يبدؤها برثاء الشيخ مبارك بن حميدان الجارودي (6) في (12) بيتاً ثم يكملها في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):
وذوو الـمــروةِ والـوفـا أنـصـارُه لهمُ على الجيشِ اللهامِ زئـيـرُ
طهرتْ نـفـوسـهمُ لطيبِ أصولِها فعناصرٌ طابتْ لهمْ وحــجـورُ
عشقوا العنا للدفعِ لا عشقوا الغنا للنفعِ لكن أمـضـيَ الـمـقــدورُ
فتمثلتْ لهمُ الـقـصـورُ ومـا بـهـم لو لا تمثلتِ القصورُ قـصـورُ
ما شـاقـهـمْ لـلـموتِ إلّا دعـوةَ الـ ـرحـمـنِ لا ولـدانُـهـا والحورُ
بذلوا النفوسَ لنصرِهِ حتى قضوا والـخيلُ تردى والعجاجُ يثورُ
فـغـدا ربـيـبُ المكرماتِ يشقّ تيَّـ ـارَ الحروبِ وعزمُه مسجورُ
يدعو ألا أيـنَ الـنـصـيـرُ ومـا له غـيـرُ الأراملِ والعليلُ نصيرُ
والكلُّ يدعو يا حـسينُ فـصـبـيـةٌ وعـقـائـلٌ ومقــاتــلٌ وعـفـيــرُ (7)
ومنها في عزم الإمام زين العابدين (عليه السلام) على القتال يوم عاشوراء وثني أبيه الإمام الحسين (عليه السلام) له لئلا تخلو الأرض من آل محمد:
واسـتـشـعـرَ الـعـانـي فأجهدَ نفسَه ثـقـلَ الـحـسامِ وماله مقدورُ
فـرآهُ يـكـبـو تـارةً ويـــقــــومً أخـ ـرى مثقلاً وحسامُه مشهورُ
فدعـاهُ يـا غـوثَ الأيامى هـلْ أرد تَ فناءَها عُـدْ فـالعدوُ كثيرُ
فـلـئنْ قُتلتَ فلستَ تُغني عن دمي وتَعَطلَ الـتهليلُ والـتـكـبـيـرُ
إلقِ السلاحَ وقُلْ متى خطبٌ دهى للهِ عـاقـبـةُ الأمـورِ تـصـيرُ
وقال من قصيدته التي تبلغ (69) بيتا وقد قدمناها:
يا نفسُ مـن هـذا الــرقـادِ تـنــبَّهي إنَّ الحسينَ سليلُ فاطمةٍ نُعي
فـتـولّــعي وجــداً لـه وتــوجَّــعـي وتـلّـهـفـي وتـأسَّـفي وتفجَّعي
آهٍ لــهــا من وقــعــةٍ قد أوقــعــتْ في الدينِ أكبرَ فـتنةٍ لم تنزعِ
آهٍ لـهـا مـن نــكـبـــــةٍ قـد أردفـتْ بمصائبٍ تبقى لـيـومِ المجمعِ
قُتلَ الـحـسـيـنُ فـيا سما ابكي دماً حزناً عليه ويا جبالُ تصدَّعي
منعوهُ شربَ الماءِ لا شربوا غداً من كفِّ والدِه البطينِ الأنـزعِ
ومنها:
يـا سـائـراً يـطـوي الــقـفـارَ مُيمِّماً قِفْ ساعةً إن كـنـتَ ذا أذُنِ تعي
وأحملْ رسالةَ مَن أضرَّ به الجوى لجنابِ أحمدَ ذي الـمقامِ الأرفــعِ
قـلْ يــا رسولَ اللهِ آلــكَ قـــد نـأتْ بـهـمُ الـديــارُ بــكـلِّ وادٍ أشــنــعِ
مُذ غِـبـتَ والحقُّ الذي أظــهــرتـه وأبـنـتـه لـلـنــاسِ فـيهمْ ما رُعي
وحـبـيـبُـكَ الـسـبـط الحسينُ ونسلُه معَ صحبِه قد ذبِّحوا في موضعِ
قد صـيَّـروهـمْ لـلـسـهـامِ رمــيَّــــةً وضـريـبـةً لـلـمـرهـفـاتِ الـلـمَّعِ
وله من قصيدة في الإمامين الكاظمين تبلغ (115) بيتا مطلعها:
خلّها تُدمى من السيرِ يداها لا تعقها فلقدْ شقّ مداها (8)
وأخرى في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (52) بيتا مطلعها
أحمامةَ الجرعاءِ هاكِ تجرُّعي غصصَ الشجى مثلي غداةَ الأجرعِ (9)
...................................................
1 ــ ذكر منها الكرباسي (85) بيتاً في ديوان القرن الثالث عشر ج 6 ص 104 ــ 112 / وذكر مطلعها السيد جواد شبر ــ أدب الطف ج 7 ص 52 وقال إنها في (86) بيتاً
2 ــ أدب الطف ج 7 ص 49 / ديوان القرن الثالث عشر ج 6 ص 190 ــ 197
3 ــ شعراء القطيف ج 1 ص 105
4 ــ أدب الطف ج 7 ص 48 ــ 49
5 ــ أدب الطف ج 7 ص 48
6 ــ هو العالم العامل الفقيه المحدث الكامل رفيع الشأن الشيخ مبارك ابن الشيخ علي آل حميدان الأحسائي القطيفي الجارودي مولداً ومنزلاً كان (رحمه الله تعالى) من العلماء الفضلاء الأتقياء النبلاء محدثاً مجتهداً ورعاً ــ أنوار البدرين ص ٣١٣
7 ــ شعراء القطيف ج 1 ص 111 ــ 117
8 ــ شعراء القطيف ج 1 ص 105 ــ 111
9 ــ ديوان القرن الثالث عشر ج 6 ص 198 ــ 202
اترك تعليق