الدولة المزيدية .. حاضرة في سفر التشيع

على الضفة الغربية لنهر الفرات بين بغداد والكوفة تأسست دولة شيعية إمامية لعبت دوراً كبيراً وفاعلاً في التاريخ الإسلامي على الصعيد السياسي والاجتماعي والفكري والثقافي.

ففي عام (388 هـ / 998 م) استطاع الأمير أبو الحسن علي بن مزيد بن مرثد الناشري الأسدي إقامة الدولة (المزيدية) في الحلة بالعراق واتخذ من بلدة (النيل) التي تبعد عن مدينة بابل حوالي خمسة أميال مقراً لحكمه، وقد حصل على دعم من البويهيين المسيطرين على مقاليد الحكم في بغداد، حيث أضفوا عليهم صفة الإمارة بشكل رسمي ودام حكم هذه الدولة نحو قرن ونصف القرن.

بنو أسد

كان بنو أسد منتشرين بصحراء النجف حيث يذكر ابن خلدون أنهم كانوا يسكنون أراضٍ شاسعة من العراق فيقول: (كان بنو مزيد هؤلاء من بني أسد وكانت محلاّتهم من بغداد إلى البصرة إلى نجد وهي معروفة. وكانت لهم النعمانية. وكان بنو دُبيس من عشائرهم في نواحي الأحواز العربية في جزائر معروفة بهم). (1)

وتُنسب الأسرة المزيدية الحاكمة إلى مزيد بن مرثد بن الديان بن خالد بن حي بن زنجي بن عمرو بن خالد بن مالك بن عوف بن مالك بن ناشرة بن نصر بن سواءة بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد.

عاشت الحلة في زمن المزيديين حياة الأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي. يقول عماد الدين الأصفهاني عن أمراء الدولة المزيدية: (ملوك العرب وأمراؤها بنو مزيد الأسديون النازلون بالحلة السيفية على الفرات: كانوا ملجأ اللاجئين وثمال الراجين وموئل المعتفين وكنف المستضعفين تشد إليهم رحال الآمال وتنفق عندهم فضائل الرجال، وأثرهم في الخيرات أثير، والحديث عن كرمهم كثير.....) (2)

الأقلام الملوثة في كل مرة

ولكن أصحاب الضمائر الميتة من ذوي الأقلام الملوّثة أبَوا إلا أن يزوِّرا الحقائق ويزيّفوا الواقع التاريخي ويتقوّلوا على الأمراء الأشراف المزيديين بما ليس فيهم، ويلصقوا بهذه الدولة بما جُبلت عليه دولهم المتوحشة كالأموية والعباسية والأيوبية والسلاجقة وغيرها من ارتكاب المنكرات والجرائم والفظائع، فأملت عليهم طويتهم الفاسدة بالقول بأنهم: (احترفوا الغارات والنهب خلال فترات الاضطراب والفتن. كما لم يتردد أمراؤها في محالفة الصليبيين فيما بعد) (3)

وهذا القول الذي أفرزته الأهواء والعصبية لا يؤبه به لأنه عارٍ عن الصحة أولا وأن صاحبه أطلقه بدون أي دليل بل بالعكس فقد دلت الحقائق التاريخية على أن هذه الوصف ينطبق على الدولة السلجوقية والعثمانية، فهؤلاء الكتاب اعتادوا على أن يتقوّلوا بمثل هذه الأراجيف والأباطيل على كل من يمت للتشيع يقودهم الحقد الأعمى؟

إن هذه الوصمة التي ألصقوها كذباً وظلماً بالدولة المزيدية والتي لم يجرؤ على قولها حتى مؤرّخوهم القدامى قد وصمتهم هم،  فتاريخ أمراء الدولة المزيدية المشرق والمشرّف ينفي كل هذه الأقوال الموضوعة التي كتبت بمداد التزلّف والنفاق والتعصّب الأعمى ووصمتهم هم كما وصمت أسلافهم بدءاً بمعاوية الذي كان يرسل أعوانه المجرمين أمثال بسر بن ارطأة وسفيان بن عوف الغامدي والضحاك المشرقي وغيرهم للإغارة على المدن الآمنة لقتل الأبرياء وهتك الحرمات ونهب الأموال والممتلكات، وسار على هذا المسار الوحشي المجرم (سعيد التكريتي الأيوبي) الملقب بـ (صلاح الدين) وعبد الرحمن الداخل الأموي وغيرهم من المجرمين.

إن الممض في الأمر هو ليس قولهم هذا الذي أفرزته ضمائرهم الفاسدة فقط، فقد تعوّدوا على مثل هذه الأكاذيب، ولكن المؤلم هو تحريفهم التاريخ والتنكّر لحقائقه وتزييف أحداثه. وقد ملأوا كتبهم ومواقعهم الالكترونية بهذه الأكاذيب التي يراد بها الانتقاص من الشيعة وتلويث تاريخهم المشرّف للأجيال وهي جريمة لا تقل عن جرائم الإبادة التي مُورست بحق الشيعة من قبل أسلافهم المجرمين، فقاموا بانتحال كل فضيلة للشيعة ونسبوها لتاريخهم الأسود مرة أو إخفائها أخرى، وقذفوا الشيعة بما ليس فيهم وألصقوا بهم الفضائح والجرائم التي ارتكبها أسلافهم بالشيعة، ولكن رغم ذلك فالحقيقة مهما أخفيت أو زُيّفت فستظهر وسينجلي عنها غبار الزور كالشمس وقد تفرق عنها السحاب، وسيظهر هؤلاء على حقيقتهم المخزية وسيبقى تاريخ الشيعة مشرقاً بأنصع وجه عرفه التاريخ الإسلامي.

انموذج الدولة المسلمة

إن تاريخ هذه الدولة الناصع مدعاة على الفخر والاعتزاز، فقد كانت هذه الدولة منذ تأسيسها وحتى نهايتها أنموذجا للدولة المسلمة التي تعمل بمفاهيم الإسلام على أسس من العدل والخير والصلاح، كما كانت أنموذجا للدولة المدافعة عن الإسلام والمسلمين ضد الخارجين عليه ومؤدّبة لمن سوّلت نفسه الاعتداء على المسلمين وأموالهم وأعراضهم.

فقد عاش الناس في أمان وخير وأمنوا على أنفسهم وممتلكاتهم بفضل هذه الدولة التي كانت اليد الضاربة والمؤدّبة للهجمات البدوية التي تقوم بها القبائل من بادية الشام على المدن والمناطق الخصبة في وسط العراق، كما قامت بحماية طريق التجارة من البصرة إلى الموصل وحلب إضافة إلى حمايتها طريق الحج.

كان بنو ناشر وهم فرع من قبيلة بني أسد، قد استوطنوا في القرن الرابع الهجري منطقة ميسان الواقعة بين واسط والبصرة، ومن المعروف أن بني أسد من القبائل العربية التي حافظت على التشيّع في هذه المنطقة منذ القرن الأوّل الهجري وقد حفل تاريخهم بالأمجاد التي سطرها أبناء هذه القبيلة ومن أبرز أبطالهم الشهيد البطل حامل لواء أنصار الحسين (عليه السلام) حبيب بن مظاهر الأسدي وابن عمه الشهيد البطل مسلم بن عوسجة الأسدي (رضوان الله عليهما).

الأمراء الثمانية

أقام بنو مَزيَد الناشري الدولةَ الإمامية المزيدية من سنة (402 هـ / 1012م) إلى سنة (545 هـ / 1150م) وبسطت نفوذها على ميسان والنيل والحلة وهيت وعانة وتكريت وحديثة، وقد تزامن إقامة هذه الدولة ظهور الدولة السلجوقية فجرت بين الدولتين حروباً استطاع المزيديون تأديب السلاجقة ودحرهم وقد حكم الإمارةَ المزيدية طيلة (142) سنة ثمانية أمراء هم:

1 ــ أبو الحسن علي بن مزيد (سند الدولة) (388 ــ 408 هـ / 998 ــ 1017م).

2  ــ دبيس بن علي (نور الدولة) (408 ــ 474 هـ / 1017ــ 1081م).

3 ــ منصور بن دبيس (بهاء الدوزلة) (474 ــ 479 هـ / 1081 ــ 1086م).

4 ــ صدقة بن منصور (سيف الدولة) (479 ــ 501 هـ / 1086 ــ 1107م).

5 ــ دبيس بن صدقة (512 ــ 529 هـ / 1118 ــ 1134م).

6 ــ صدقة بن دبيس (529 ــ 532 هـ / 1134 ــ 1137م).

7 ــ محمد بن دبيس (532 ــ 540 هـ / 1137 ــ 1145م).

8 ــ علي بن دبيس (540 ــ 545 هـ / 1145 ــ 1150م).

وسنتناول تاريخ كل واحد من هؤلاء الأمراء وأبرز أعماله وسياسته:

1 ـ علي بن مزيد بن مرثد الأسدي (سند الدولة):

كان هذا الأمير رجلاً باسلاً جواداً كريماً له مكانة كبيرة ومنزلة عالية عند البويهيين والعباسيين على السواء، وفي سنة (397 هـ / 1007م) لاحق الأمير علي بن مزيد بن مرثد الأسدي مؤسس الدولة المزيدية قاطعي الطرق واللصوص من شذاذ القبائل إثر تعرضهم لقافلة الحجاج فأطلق عليه بهاء الدولة البويهي لقب (سند الدولة) وهو لقب من ألقاب المدح والتبجيل لا يُمنح سوى للقادة والشجعان.  

وقوي أمر الأمير أبو الحسن علي بن مزيد واتسع نفوذه في منطقته والمناطق المجاورة، وكان لهذا النجاح ثمنه فقد كان بينه وبين أبناء عمومته بني دبيس بقيادة ابن عمه مضر بن دبيس منافسة على زعامة القبيلة، مما حدى به إلى الارتحال مع عشيرته وسائر إتباعه إلى مكان خصب, لتفادي الحرب وحقناً للدماء.

ولّاه فخر الدولة البويهي على الحلة الدبيسية الأولى سنة (403 هـ), فكان أول من تولى الأمارة من أسرته فحوّل مدينة الحلة من معسكر حربي إلى مدينة  متّسعة حلت محل المدينة المجاورة المعروفة باسم (أبي معين) وقد أقام هو وعشيرته في ريف النيل الخصب في الحلة سنة (405 هـ) واتخذها مركزاً لأمارته وانتشرت عشائره في أرياف الفرات في أرض بابل.

وتعد الفترة التي عاشت فيها الحلة في عهد سند الدولة فترة رخاء وأمن وطمأنينة, وكان من مواقف هذا الأمير المشرّفة التي يشكره عليها الدين والمذهب هو موقفه الشجاع بوقوفه بوجه الخليفة في بغداد ومنعه من تنفيذ أمره بنفي الشيخ المفيد (قدس سره) عن بغداد فحال تهديده للخليفة دون تنفيذ الأمر.

توفي علي بن مزيد سنة (408هـ) وتولى ابنه دبيس الإمارة بعده.

2 ـ دبيس بن علي بن مزيد أبو كامل (نور الدولة):

كان هذا الأمير يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً عندما مات أبوه فأقره بهاء الدولة البويهي على ملك أبيه وحكم من سنة (408 هـ إلى وفاته سنة 474 هـ) فحكم (66) سنة.

ونستشف من خلال التاريخ مميزات هذا الأمير حيث قال الذهبي عنه: (كان فارساً، جواداً، ممدحاً، كبير الشأن رثته الشعراء، فأكثروا وفيه تشيع). (4)

وقال فيه ابن الأثير: (مازال ممدّحاً في كل زمان, مذكوراً بالتفضل والإحسان). (5)

وفي عهد هذا الأمير انتهت الدولة البويهية في بغداد سنة (447 هـ) وحكم مكانها السلاجقة.

فاهتم الأمير دبيس بالأمن في ولايته وعمل على تقوية جيشه المؤلف من عرب وأكراد جاوانيين وتعاون مع البساسيري أحد القادة الأتراك في دولة البويهيين في الثورة على السلاجقة فاشتركا في إلغاء الدولة العباسية في العراق والدعوة للدولة الفاطمية لمدة سنة حتى دخلت جيوش السلاجقة إلى بغداد لتعيد الخليفة إلى بغداد مجرّداً من كل مميزاته سوى اسمه ليكون ذريعة لها في حربها وليضفي شرعية على احتلالها بغداد.

ولم يستطع السلاجقة مقاومة هذه الدولة نظراً لقوة جيشها وتماسك جبهتها، حيث التفت حول دبيس القبائل العراقية من عربية وكردية فاضطر طغرل بك إلى المهادنة معها وبقي دبيس حاكماً قوياً مطلقاً على إمارة الحلة حتى وافاه الأجل سنة (474 هـ).

3 ـ منصور بن دبيس (بهاء الدولة)

تتجلّى في قول الذهبي أيضاً مميزات ومعالم سياسة هذا الأمير حيث يقول الذهبي عنه: (كان بطلاً شجاعاً وشاعراً محسناً، نحوياً جيد السيرة)، وقال عنه ابن الأثير (وكان حسن السيرة مكرماً فاضلاً، وبرع بذكائه في الذي استفاده, وكان قد قرأ على ابن برهان ,وله شعر جيد في منتهى الحسن كقوله:

فإن أنا لم أحملْ عظيماً ولم أقُدْ      لهاماً ولم أصبرْ لفعلِ معظّمِ

ولمْ أزجرِ الجاني وأمنع حوزةٍ      فلستُ أنادي للفخارِ وانتمي

هذا قول ابن الأثير والذهبي وهما من مؤرخي السنة وقد توافق قولهما مع أقوال كل المؤرخين في أمراء الدولة المزيدية. فمن أين أتى المبطلون بأقوالهم وعلى أي مصدر اعتمدوا ؟ ولنرَ الآن على من ينطبق قولهم بـ (شن الغارات والسلب والنهب) أعلى الشيعة أم على أعدائهم السلاجقة وغيرهم.

نبل الأمير

ولنستمع إلى ابن الأثير وهو يروي لنا هذه القصة في أحداث سنة (477 هـ) وفيها يقول: (استولى عسكر السلطان السلجوقي على منازل العرب من بني عقيل وأخذوا أموالهم وسبوا نسائهم، فتألم الأمير بهاء الدولة أبو كامل لهذا الحادث فأرسل ولده صدقة للسعي في قضية هؤلاء المنكوبين من بني عقيل لفك أسراهم فبذل للأتراك أموالاً طائلة وافتك الأسرى من بني عقيل ونساءهم وجهزهم وردهم إلى وطنهم بكل مظاهر العز).

وكان لهذا العمل النبيل والموقف المشرف من قبل هذا الأمير المزيدي النبيل صدى كبير في البلاد الإسلامية ومدحه الشعراء وأشادوا بهذه المكرمة الجليلة منهم: السنبسي (محمد بن خليفة النميري) الذي قال مخاطباً الأمير منصور بن دبيس:

 

 

 

كما أحرزتَ شكرَ بني عقيل      بـآمـدَ يـوم كـظّـهــم الحذارُ

غـداةَ رمـتـهـمُ الأتراكُ طرّاً      بشهبٍ في حوافلِها ازورارُ

فما جبنوا، ولـكن فاض بحرٌ      عـظـيـمٌ لا تـقـاومـهُ البحارُ

فحين تنازلوا تـحـت الـمـنايا      وفـيـهـنَّ الــرزيــةُ والدمارُ

مننتَ عليهمُ، وفككتَ عـنـهم      وفـي أثـنـاءِ حـبـلهمُ انتشارُ

ولولا أنـتَ لـم يـنـفـكَّ مـنهم      أسـيـرٌ، حـيـن أعلقه الإسارُ

كما ذكر الحادثة أيضاً الشاعر البندنيجي (أبو البشر اليمان بن أبي اليمان) فقال قصيدة عصماء مدح الأمير منصور بن دبيس منها:

ويُـمـسـي له في جيدِ كلِّ مـتــوّجٍ      صـنـائـعُ لـم تـخـطـرْ بـبـالٍ حـسـابُها

كيومِ عـقـيـلٍ والـرمــاحُ شـواجرٌ      وبيضُ الظُبا يروي الكُماةَ ضرابُــهـا

غداةَ غدتْ للتركِ في الحي وقعة      أبـاحـتْ حِـمـى دارِ عـزيــزٍ جـنــابُها

فـأقـسـمُ لـولا نـخـوة مـــزيَــــدِيَة      لـبـاتـتْ عـلـى حـكـمِ الـسـبـايا كعابُها

ولـكـن سـيـف الـدولـة بـن بـهائها      حَمى عرضَها والتركُ يُـحـرقُ نابُها

تـنـاشـده الأرحــامَ والــنـقـعُ ثـائرٌ      ولا يَـــحـفـظُ الأرحـــامَ إلا لــبـابُــها

وكـم ذادَ عـنـهـا الـمزيديون بالقنا      سيوفَ العِدا من حيث غصَّ شرابُـها

عشيةَ لاذتْ بـالـفرارِ مـن الـظُـبا      وعـاثـتْ بـأســـلاتِ الأســودِ ذئــابُها

ولولا عـوالي (نورِ دولة) خندفٍ      لما انجابَ عن تلكَ الشموسِ ضبابُها

إذا نابـهـا خطـبٌ فـأنـتــم ملاذُها      وإن رابـهـا جـدبٌ فـأنــتــم ربـــابُـهـا

ورغم كل هذه الأحداث التي جرت في عهده إلا أن الأمير منصور لم يترك رغبته في العلم والتعلم حيث درس الأدب فاستفاد من دراسته وكتب الشعر حتى برع فيه.

وفي سنة (479 هـ)  توفي الأمير بهاء الدولة أبو كامل منصور بن دبيس وتولى بعده الإمارة ابنه الأمير صدقة, ولما علم بوفاته الوزير نظام الملك قال مؤبِّنا له :(مات أجل صاحب عمامة) وقد أكثر الشعراء في رثائه.

4 ـ صدقة بن منصور بن دبيس (سيف الدولة)

يعد هذا الأمير من أعظم أمراء الدولة المزيدية كما يعد المؤسس للدولة المزيدية في الحلة ومنه سُمِّيت بالحلة السيفية كما سُمِّيت الحلة بـ (الحلة المزيدية) نسبةً إلى بني مِزيَد قبيلة الأمير صدقة فقد اختطّ وأسس مدينة الحلة سنة (495 هـ) فأعاد إعمارها وأحاطها بسور كبير واتخذها مركزاً لإمارته، وقد ازدهرت الحلة في عهده ازدهاراً عظيماً واتسعت دولته بعد أن أطاعته قبائل خفاجة وعقيل وعبادة وقبيلة الكرد الجاودان والشاهجان، وقدّمت له مراسم الولاء وقد حكم اثنتين وعشرين سنة.

وقد زخر عهده بالأحداث يقول عنه ابن الأثير في تاريخه: (كان جواداً حليماً صدوقاً كثير البر والإحسان، ما برح ملجأ لكل ملهوف يلقى من قصده بالبر والإحسان، وكان عفيفاً عادلاً لم يتزوج على امرأته ولا تسرّى عليها، ولم يصادر أحداً من نوابه ولم يأخذهم باساءة قديمة، وكان أصحابه يودعون أموالهم في خزانته ويدلون عليه إدلال الولد على أبيه. ولم ير رعية أحبت أميرها كحبها له. وكان متواضعاً يبادر إلى النادرة. وكان حافظاً للأشعار، وكانت له مكتبة تحوي ألوف المجلدات وكانت منسوبة الخط شيء كثير، ألوف مجلدات...... لقد كان من محاسن الدنيا).

وقال عنه الذهبي: (صاحب الحلة، الملك، سيف الدولة، صدقة بن بهاء الدولة منصور بن ملك العرب دبيس بن علي بن مزيد الاسدي الناشري العراقي، اختط مدينة الحلة في سنة خمس وتسعين وأربع مئة)

وقال فيه ابن الجوزي (كان كريماً ذا ذمام، عفيفاً عن الزنا والفواحش, كأن عليه رقيباً، مكن الصيانة، ولم يتزوج على زوجته ولا تسرى, ولم يشرب الخمر، ولا سمع غناء، ولا قصد التسوق في طعام، ولا صادر أحداً من أصحابه وكان تاريخ العرب والاماجد كرماً ووفاء وكانت داره حرم الخائفين) (6)

وقد خضعت له القبائل الفراتية وامتدت إمارته إلى البصرة وواسط والبطيحة والكوفة وهيت وعانه وتكريت والحديثة، وسيطر على أقوى القبائل العراقية لذلك العهد مثل خفاجة وعقيل وعبادة وقبيلة جاوان الكردية.

اهتمّ الأمير صدقة بالشؤون الإدارية والعمرانية والثقافية، كما عمل في سياسته ـ كأسلافه ـ على العدل في الحكم، وتميّز عهده بنهضة علمية وفكرية حيث عاش في دولته العلماء والأدباء وأقبلوا على دولته من كل البلاد الإسلامية وأصبحت الحلة حاضرة من أعظم الحواضر الإسلامية.

تمصير الحلة

استغل الأمير صدقة انشغال السلاجقة بالانشقاقات والتناحر فيما بينهم في عهد السلطان بركيارق بن ملكشاه السلجوقي، في خلافة المستظهر بالله العباسي، ومصّر الحلة واتخذها عاصمة لدولته سنة (495 هـ)، فازدهرت ازدهاراً عظيماً وقصدها العلماء والتجار من البلاد المختلفة، قال ياقوت الحموي عن الحلة:

( كان أول من عمَّرها ونزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي، وكانت منازل آبائه الدور من النيل، فلما قوي أمره واشتد إزره وكثرت أمواله لانشغال الملوك السلجوقية: بركيارق ومحمد وسنجر أولاد ملك شاه بن ألب أرسلان بما تواتر بينهم من الحروب، انتقل إلى الجامعين موضع في غرب الفرات ليبعد عن الطالب، وذلك في المحرم سنة (٤٩٥هـ) وكانت أجمة قصب تأوي إليها السباع، فنزل بها بأهله وعساكره وبنى بها المساكن الجليلة والدور الفاخرة، وتأنق أصحابه بمثل ذلك وصارت ملجأ، وقد قصدها التجار وصارت أفخر بلاد العراق وأحسنها مدة حياة سيف الدولة، فلما قتل بقيت على عمارتها، فهي اليوم قصبة تلك الكورة، وللشعراء فيها أشعار كثيرة.....) (7)

الصدام مع السلاجقة

وكان السلاجقة يعيثون في الأرض فساداً ودماراً، وكثرت غزواتهم على المدن الآمنة وانهمكوا بالسلب والنهب، ومارسوا أبشع الجرائم بحق المسلمين الشيعة، وقسموا العراق إلى إقطاعات بين قوّادهم ومحسوبيهم من الأتراك، وعاش الناس في بلاء لم يشهدوا مثله، فرأى الأمير صدقة أن يطهّر البلاد العراقية من هؤلاء الظلمة الجائرين ويحق الحق وينشر العدل، فعزم على قتالهم فخاض حربا مع (ينال بن أنوشتكين) وانتصر عليه ودخل بغداد، واتّسع نفوذه ليشمل أيضاً: واسط وهيت وتكريت والكوفة والبطيحة والبصرة.

واستمرت الحروب بين الدولتين بعد أن رفض الأمير صدقة تسليم جماعة لجأوا إليه فراراً من السلاجقة وفي هذه الحروب انتهت حياة صدقة سنة (٥٠١ هـ)  قتلاً في حربه مع السلاجقة وأسر ولده دبيس الثاني وأسرته في عهد السلطان محمد السلجوقي، وبعد وفاة هذا السلطان جاء بعده ابنه محمود السلجوقي الذي أطلق دبيساً بن صدقة من الأسر وأعاده إلى الحلة سنة (٥١٢ هـ) فأنشأ الدولة من جديد.

5 ـ دبيس بن صدقة  (أبو الأغر نور الدولة)

سار هذا الأمير على خطى أبيه في الاهتمام بالعلم وتشييد المدارس العلمية، كما اهتم بتوسيع الدولة والاهتمام بالجيش قال عنه الحنبلي: (دخل خراسان والشام والجزيرة). (8)

وقال عنه ابن خلكان (ملك العرب صاحب الحلة المزيدية, كان جواداً كريماً عنده معرفة بالأدب والشعر وتمكن في خلافة المسترشد العباسي واستولى على كثير من بلاد العراق ...وهو الذي عناه الحريري في المقامة التاسعة والثلاثين بقوله :أو الأسدي دبيس لأنه كان معاصراً له فرام التقرَّب إليه في مقاماته لجلالة قدره، وله نظم حسن. . .)

أعاد دبيس للدولة المزيدية أمجادها فأصبحت في عهده يحسب لها ألف حساب، فقد بسط دبيس نفوذه على البلاد والتفتت حوله القبائل العربية والكردية، ولم تكن الدولة العباسية كفؤاً للمزيدية، فحينما استهان الخليفة المسترشد العباسي وأغضب دبيساً جمع دبيس جيوشه ودخل بغداد وضرب سرادقه بإزاء دار الخلافة وهدد المسترشد، فاسترضاه المسترشد فرجع إلى الحلة.

كما خاض حرباً ضد السلاجقة واستطاع هزيمتهم عند نهر بشير شرقي الفرات سنة (516 هـ). قال عنه ابن الطقطقي: (كان صاحب الدار والجار والحمى والذمار، وكانت أيامه أعياداً، وكانت الحلة في زمانه محط الرحال وملجأ بني الآمال ومأوى الطريد ومعتصم الخائف الشريد. .). (9)

وكان حافظاً للذمار ومن مواقفه أنه رفض تسليم شقيق الخليفة العباسي المسترشد الذي استجار به لائذاً بالحلة سنة (529 هـ) معيداً بذلك تاريخ أبيه واستمرت المعارك الطويلة بينه وبين المسترشد العباسي من جهة وبين السلاجقة من جهة أخرى، وفيها  اضطر دبيس للجلاء عن الحلة، ثم عاد إليها وتكرر الجلاء والعودة. إلى أن دعاه إليه السلطان مسعود السلجوقي فغدر به وقتله سنة (529 هـ) في مؤامرة حاكها مع المسترشد العباسي في تبريز فتولى إمارة الحلة بعده ابنه صدقة الثاني بن دبيس.

6 ـ صدقة الثاني بن دبيس:

تولى إمارة الحلة وله من العمر (14) عاماً وذلك حينما قتل أبوه في تبريز فأعاد تهيئة شؤون الدولة وأعد جيشاً منظّماً أثار قلق السلاجقة فاضطر السلطان مسعود السلجوقي أن يزوّجه ابنته ليضمّه إلى جانبه بعد أن أصابت الدولة السلجوقية الانشقاقات والتصدعات، واستمر صدقة بالحكم حتى سقط صريعاً في سنة (532 هـ) على يد السلطان داوود السلجوقي أحد منافسي السلطان مسعود السلجوقي على الحكم فتولى بعده الحكم أخوه محمد بن دبيس                                                                     

7 ـ محمد بن دبيس

نصبه السلطان مسعود بعد أخيه صدقة, ولم يعكر صفو الحياة في عهده شيء يذكر سوى انتزاع الملك منه من قبل أخيه علي بن دبيس سنة (540 هـ).

8 ـ علي بن دبيس

آخر أمراء الدولة المزيدية (540 هـ / 545 هـ) كان رجلاً شجاعاً طموحا، جمع رجال الدولة من أهل بيته وأتباعه وأصحاب أبيه وضمهم وأعاد تشكيل الجيش، واستطاع أن يهزم جيوش السلطان مسعود ومحمود السلجوقيين أكثر من مرة. ومن مواقفه الغيورة على الدين والمذهب أنه أسقط اسم الحاكم العباسي من الخطبة عندما هاجم بعض أتباع الخليفة مزار الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد (عليهما السلام) وعاثوا به.

والغريب أن تجد من المؤرخين من ينكر عليه هذا العمل مثل ابن كثير الذي نعته بالرافضي في (البداية والنهاية) ونحن لا نستغرب من (ابن كثير) فقد عرف بآرائه الشاذة وأقواله المنحرفة

غدر السلاجقة ونهاية المزيديين

وبقيت الحرب مستعرة بين علي بن دبيس والسلاجقة حتى توفي علي في ظروف غامضة في سنة (545 هـ) قال ابن الأثير: (إنه مات مسموماً في أسد آباد) ولا يخفى على القارئ معرفة من قتله فقد غدر السلاجقة بجده دبيس وهم لا يتورعون عن ممارسة شتى الأساليب الدنيئة في تحقيق مطامعهم وتصفية خصومهم.

ورغم موت علي بن دبيس استمر حكم بني مزيد الأسديين في الحلة حتى سنة (558 هـ /  1163م)، حتى استولى الخليفة العباسي المستنجد بالله على الحلة بدعم من قبيلة بني المنتفق فأمر (يزدن بن قماج) بقتالهم وإجلائهم عن البلاد فقتل أربعة آلاف أسدي في الحلة فنزح على إثر ذلك الكثير منهم بعد ذلك جنوباً واستقروا أخيراً في منطقة الجزائر (عند الأهوار).

لقد انتهت دولة المزيديين ولكنها تركت آثاراً في التاريخ الإسلامي يقول المؤرخ السوري شاكر مصطفى (1921  ــ 1997): (ما من شك في أن بني مزيد قد برهنوا رغم بداوتهم على براعة سياسية ناجحة في تدبير أمورهم في ذلك العهد المضطرب وفي علاقاتهم القلقة مع جميع الأطراف وكانوا في كل مرة يعودون لاستلام إمارتهم في الحلة) (10)

الحلة المزيدية قبلة العلم والعلماء

عاشت الحلة في عهد المزيديين حركة علمية وفكرية وأدبية كبيرة لم يشهد تاريخها مثلها، فصارت الحلة في عهدهم عبارة عن جامعة علمية كبيرة استقطبت العلماء والفقهاء والأدباء من البلاد الإسلامية، فأحيت تلك النهضة العلمية التي تُعد من أهم مراحل تطور الفكر الشيعي التراث الإسلامي وكانت عاملاً مهماً من عوامل التجديد فيه، كما تركت آثارها على مراحل عديدة بعدها، وتركت آثارها أيضاً على بعض المدارس الشيعية الأخرى وخصوصاً المدرسة العلمية في كربلاء التي أسسها العلامة الشيخ أبو الفهد الحلي والمدرسة العاملية في لبنان، ولا زال صدى تلك المدرسة مؤثّراً في الحياة العلمية، إذ أنتجت تلك النهضة كمّاً ثقافياً هائلاً من المؤلفات والمصنفات في شتى موارد العلم ومصادره والذي لا يزال بعضه مُتداولاً إلى الآن سوى ما ضاع أو أضيع وأتلف بأيد السياسات المعادية، وما ضيَّعته الأهواء العصبية.

التراث المضيّع

ونجد في كتاب: (المناقب المزيدية في أخبار الملوك الأسدية) وهو أثر من آثار تلك الفترة لمؤلفه أبو البقاء الحلي أثر ذلك الضياع والتضييع الذي مُورس بحق تلك النتاجات الفكرية والعلمية في تلك الفترة ولنترك الكلام لمحقق الكتاب ليرى القارئ مقدار الإجحاف الذي أصاب الفكر الشيعي من قبل المؤرخين الدارسين والباحثين:

جاء عن هذا الكتاب تحت عنوان (قصة الكتاب: من نوادر تواريخ الحلة المزيدية. أرّخ فيه الحلي لأمراء وملوك بني مزيد (المتحدّرين من قبيلة أسد بن خزيمة) أصحاب الإمارة المزيدية التي أسسها سند الدولة: علي بن مزيد بن مرثد الأسدي في الحلة الفراتية، سنة (379 هـ)، واستمرت حتى منتصف القرن السادس. طبع الكتاب لأول مرة في مركز زايد للتراث والتاريخ، في مدينة العين سنة (1420هـ - 2000م) بتحقيق د. محمد عبد القادر خريسات، ود. صالح درادكة. وباعتماد النسخة المخطوطة الفريدة للكتاب، وهي: نسخة المتحف البريطاني، وقد لحقها النقص من أولها وآخرها، ونالها الخرم والطمس في بعض ورقاتها. وتتألف من جزأين، يبدأ الأول باللوحة رقم (13)، وينتهي الثاني باللوحة (170) وهي بلا تاريخ، لضياع القسم الأخير من الكتاب، ولولا مقدمة الجزء الثاني لما تعرفنا على مؤلف الكتاب)

إن مما يدعو للأسف أن يضيع هذا التاريخ لمرحلة مهمة من مراحل النهضة العلمية الإسلامية وهذه الوثيقة على حضارة مدينة كانت في ذلك العهد من أرقى المدن الإسلامية على الصعيد العلمي والفكري والأدبي، وكانت تعتبر مدرستها أكبر جامعة إسلامية في ذلك العهد إضافة إلى دورها السياسي الرائد في تلك الفترة. 

تاريخ النهضة العلمية

يعود تاريخ النهضة العلمية التي شهدتها الحلة إلى دخول السلاجقة بغداد والذين عملوا على إبادة الشيعة ومحو الفكر الشيعي فأحرق (طغرل بك) السلجوقي مكتبة الشيخ الطوسي وكرسي تدريسه ومنبره وأراد قتله فهرب إلى النجف الأشرف واستوطنها واجتمع إليه تلاميذه، وبقي بها حتى وفاته عام (460 هـ) فقام تلاميذه مقامه فلما مصّر الأمير سيف الدولة الحلة عام (495 هـ) قويت الرابطة بين المدينتين وانتقل الكثير من العلماء إلى الحلة.

وقد صارت الحلة في عهد سيف الدولة مقصد العلماء والأدباء والشعراء لما يلقونه من رعاية وتشجيع من قبله. فقد كان يجزل لهم العطاء والبذل حتى أن بعض من وفد إليها اتخذها موطنا له بدل موطنه الأصلي، مثل أبى المعالي الهيتي المعروف بالفارسي، ومثل أبي عبد اللّه محمد بن خليفة السنبسي وغيرهما الكثير.

وقد عُني سيف الدولة المزيدي بالتنمية الاقتصادية والثقافية وبنشر العدل والأمن الاجتماعي، وغرس في الحلة بذور الثقافة والأدب. وعُرف من بين الأمراء بحبّه للعلم والأدب، فجمع إليه العلماء والمثقفين. ومن هنا اجتذبت الحلة كثيراً من العلماء والشعراء، وظهر فيها كثير من علماء الشيعة. وكانت هذه الحركة ممهدة لظهور مدرسة الحلة الشيعية في تاريخ العراق التي وسّعت من حضور التشيع الأصيل لأهل البيت (عليهم السلام).

يقول العماد الاصفهاني عن الأمير صدقة: (وكان صدقة يهتز للشعر اهتزاز الاعتزاز، ويخص الشاعر من جوده بالاختصاص والامتياز، ويؤمنه مدة عمره من طارق الأعواز، يقبل على الشعراء ويمدهم، جميل الاصغاء وجزيل العطاء). (11)

ويقول ابن الأثير عن الأمير صدقة: (وكان حافظاً للأشعار، وكانت له مكتبة تحوي ألوف المجلدات وكانت منسوبة الخط).

ويتحدث الدكتور علي جواد الطاهر عن مكانة المزيديين في الشعر فيقول: (كانت مكانة بني مزيد في الشعر بارزة بروزها في التاريخ ، ولقد مدح الشعراء نور الدولة دبيس بن علي بن مزيد ، فلما توفي في سنة ٤٧٤ رثوه فأكثروا، ولقد رثوه بعد وفاته بأكثر مما مدحوه في حياته، وظل ذكره يتردد عند مدح أعقابه ولما أفضت الإمارة بعد وفاته إلى ولده بهاء الدولة منصور ، هنأه البندنيجي).

وبلغ من اهتمام الأمير سيف الدولة صدقة بالعلم والأدب والشعر أن الشاعر ابن الهبَّاريَة (محمد بن محمد بن صالح العباسي) كتب لسيف الدولة منظومةً شعرية تتكون من ألفَي بيت، اسمها (الصادح والباغم). وهذا الأثر من روائع الأدب العربي الشعري، يتضمن حكايات أخلاقية تذكّر بـ ( كليلة ودِمنة). وقد أمضى ابن الهبّاريّة عشر سنوات من عمره لإنجاز هذا العمل الأدبي، ليقدّمه إلى الأمير المزيدي كما كتب ابن الهبارية في دولة سيف الدولة في الحلة حكايات (كليلة ودمنة) شعراً في كتاب أسماه (نتائج الفطنة في كليلة ودمنة).

كما قصده الشعراء ,ومدحوه فاجزل عطاءهم ,ومن هؤلاء الشاعر الشهير مهيار الديلمى حيث كان يفد إلى النيل ,ويقدم مدائحه في آل مزيد, ومن مدائحه في الأمير دبيس قصيدة منها:

وان بـبـابـل مـنـكـم لــبــحراً      لو أن البحرَ جادَ كما يجودُ

فــتـى في السن مكتملٌ حجاهُ      طـريـفُ الـملكِ سؤددهُ تليدُ

ويـأبــــى الله إلا مِــزيَـــديــاً     على أسدٍ يـؤمّــرُ أو يــسـودُ

إذا اشتبهتْ كواكبكمْ طلوعاً       فـنـورُ الـدولة القمرُ الوحيدُ

ونجد في قصيدة السنبسي في رثاء صدقة بعد قتله مدى رعاية سيف الدولة للأدب والشعر وهي فصيدة بكائية يقول منها:

قالوا: هجرتَ بلادَ النيل وانقطعتْ      حبالُ وصلكَ عنها بعدَ إعلاقِ

فـقـلـتُ: إنّــي وقـدْ أقـوتْ منازلُها      بـعد ابن مَزْيَدَ من وفدٍ وطرّاقِ

فـمـن يـكـن تــائـقاً يهوى زيارتَها      عـلـى الـبعادِ فـإنّي غيرُ مشتاقِ

وكيفَ أشتاقُ أرضاً لا صديقَ بها      إلّا رســـولَ عظامٍ تحتَ أطباقِ

وإضافة إلى العدد الكبير الذي ضمته الحلة في عهد المزيديين من العلماء والأدباء والشعراء فقد برز من الأسرة المزيدية عدداً كبيراً منهم أغنوا الساحة العلمية والأدبية بعطائهم العلمي والأدبي منهم:

1 ــ الأمير شمس الدين بدران بن صدقة بن منصور الأسدي الذي ترجم له العماد الأصفهاني فقال: (شمس الدولة بدران بن صدقة بن منصور الأسدي أبو النجم شمس العلى وبدر الندى، فبدران لحسن منظره وطيب مخبره بدران، ولعلمه وجوده بحران تغرب بعد أن نكب والده وتفرقت في البلاد مقاصده فكان برهة بالشام يشيم بارقة السعادة من الأيام وآونة ورد بلاد مصر فأولاده كانوا بها لهذا العهد، وعادوا بأجمعهم إلى مدينة السلام، وظهر عليهم أثر الإعدام وتوفي بمصر سنة ثلاثين وخمسمائة وله شعر ماله من جودته سعر وقيمته ما لها من قيمة) ثم يذكر قائمة ببعض أشعاره

2 ــ الأمير مزيد بن صفوان بن الحسن بن منصور الأسدي الحلي وقد جاء في ترجمته: (شاعر مطبوع مرهف الحس رقيق الشعور وإنه شاعر صادق العاطفة يعبر عن ألم دفين وحزن كمين سببه فراق بلدة الجامعين ـ يعني الحلة ـ وقد ولد في الحلة ومات في الشام وترك ديوانا مخطوطا أغلبه في الحنين إلى بلده وزوجته وأولاده ويبدو من خلال هذه الترجمة أن الشاعر أصيب بنكبة كبيرة جعلته يفارق بلده وأهله ومما يظهر كذلك أنه عايش الأحداث السياسية وحروب المزيديين مع السلاجقة تارة ومع العباسيين تارة أخرى ومن شعر الأمير مزيد:

فيا دهرُ هل بعد التفرّقِ رجعةً      فيهتفُ بي للوصلِ يا دهرُ هاتفُ

وتسعدني بالـقـربِ بين أحبتي      وتجمعني بـ (الجامعينِ) معارفُ

وقوله

أتــعــودُ أيامي بزورةِ بـابلٍ      هيهاتَ أيامٌ مضتْ أتعودي ؟

والحلةُ الفيحاء منها طـينتي      دارٌ بـهـا أهـل الـندى والجودِ

3 ــ الشيخ جمال الدين أحمد بن يحيى بن سعيد المزيدي العالم والفقيه كان يروي عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد

4 ـ الشيخ رضي الدين علي بن جمال الدين أحمد بن يحيى بن سعيد المزيدي، كان عالما وفقيها ومحققا من تلاميذ العلامة أبي الفهد الحلي وروى عنه، كما روى عن والده وعن غيره من كبار العلماء، منهم: الشيخ تقي الدين الحسن بن داود الحلي، والسيد الإمام صفي الدين محمد بن معد الموسوي، والفقيه الشيخ جمال الدين محمد بن أحمد السيبي القبيني، وعن نجيب الدين ابن نما الحلي، وروى عنه الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن جمال الدين مكي العاملي المعروف بالشهيد الأول.  

محمد طاهر الصفار

....................................................................

1 ــ تاريخ ابن خلدون ج 4

2 ــ خريدة القصر وجريدة أهل العصر

3 ــ نهضة الأمة بين عوامل الاندحار وسبل الارتقاء / عدنان زهران

4 ــ سير أعلام النبلاء ج ١٨ ص ٥٥٧

5 ــ الكامل في التاريخ

6 ــ المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ج 9 ص 159

7 ــ معجم البلدان

8 ــ شذرات الذهب في أخبار من ذهب

9 ــ الآداب السلطانية

10 ــ المدن في الإسلام حتى العصر العباسي

11 ــ خريدة القصر

 

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار