صدر الدين فضل الله الحسني: (1302 ـــ 1360 هـ / 1884 ــ 1941 م)
لا أرى الحكمَ لابنِ آلِ أبـي سـفـ ـيان إلّا ضـلالةً وجــحـــــودا
نـبـذَ الـحـقَّ والــكــتـابَ وأردى غرّةَ المصطفى وخانَ العهودا
كـيـفَ تـبـقـى على الولايةِ نفسٌ تـرتـضـي حـاكماً عليها يزيدا
أم ترى (كربلاءَ) الحسينِ شقاءً وتـرى الـشـامَ جـنـةً وخـلـودا
بـلـدةٌ وُطدت على الغدرِ والجو رِ ضــلالاً وردة تـوطــيـــــدا
ردَّدتْ فـوقَ مـنـبرِ الوحي سبَّاً لــــذويـــهِ وأهــلــه تــرديــــدا
لـلـوصيِّ الـولـيِّ تُـعـلـنُ بـالسـ ـبِّ عـلــيـهـا وتـدّعي التوحيدا (1)
الشاعر
السيد صدر الدين بن محمد أمين بن محي الدين بن نصر الله بن محمد بن علي بن يوسف بن محمد بن فضل الله الحسني. عالم كبير وشاعر ولد في قرية عيناثا في لبنان من أسرة علمية عريقة برز منها أعلام الفقه والأدب
وآل فضل الله أسرة حسنية معروفة، لها تاريخ حافل بالفضائل، ترجع في النسب إلى عبد الله الملقب بالعبد الصالح ابن موسى الملقب بالجون ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهي من الأسر الشهيرة في الجبل، فقد هبطت هذه البقعة منذ ستة قرون وظهر فيها نقباء في كل من صفد وعكا وطرشيما وبعلبك، وآثارها في قرية عيناثا تبدأ كما يظهر من القرن التاسع الهجري، فقد هاجر الجد الأعلى وهو الشريف حسن من الحجاز وكان من العلماء الأدباء على إثر إصابته بمرض اضطره لتغيير جوه واختار عيناثا لسبق معرفة له برجالها في الحجاز كالشيخ أحمد خاتون والشيخ علي ظهير الدين والسيد صالح جد محمد صاحب الاثني عشرية، وكان ارتحاله إليها مع عائلته ولم يمض عليه فيها أكثر من ثلاث سنوات حتى توفاه الله عام 970 هـ وبقي أبناؤه يتعاقبون فيها إلى اليوم عرفوا بالفضل والعلم ونبغ منهم أعلام كالسيد محمد فضل الله، وأخيه السيد فخر الدين، وقد انتهت إليها رئاسة الدين في عصر ناصيف..
درس فضل الله على يد عمِّه السيد نجيب فضل الله والشيخ عبد الكريم شرارة، والشيخ موسى مغنية، ثم هاجر إلى النجف لإكمال دراسته فحضر أبحاث كبار علماء النجف كالشيخ أحمد كاشف الغطاء، وأخيه الشيخ محمد، والسيد عبد الهادي الشيرازي، والميرزا حسين النائيني، والسيد نعمة الله الدامغاني.
بقي صدر الدين في النجف لمدة ثلاث عشرة سنة وهو ينهل من العلوم والأدب وكانت له خلالها لقاءات ومجالس مع كبار أدباء النجف تردد على أندية الشعر والأدب في النجف، ثم عاد إلى بلاده عالماً فقيهاً وأديباً كبيراً ومرجعاً للناس حتى وفاته ودفنه في مسقط رأسه.
قال عنه الخاقاني: (وكان رجوعه إلى جبل عامل عام 1351 هـ حيث استقبل من قبل طوائف متنوعة، وكان للشعراء قسم كبير منهم فقد أقيمت له احتفالات رائعة وألقيت فيها الكلمات الرائقة المشيدة بفضله والمعربة عن منزلته.
زاره عند قدومه في عيناثا أديب لبنان الكبير لبيب الرياشي وقد دارت بينهما مجموعة أحاديث سجل بعضها لأهميتها، وقد أبّنه صاحب العرفان عند وفاته في المجلد الثامن والعشرين فقال:
علامة عامل وأديب كامل أمضى الشطر الكبير من عمره في النجف الأشرف بطلب العلم وتحصيله، ولما عاد من عهد غير بعيد لبلده عيناثا انزوى في منزله يقصده عارفو فضله فيرون منه عالماً متبحراً ويستمعون لدرر أقواله وحكمه فينكفؤون مرويين، وكان من عفة النفس بدرجة عالية ولا غرو فنفسه نفس هاشمية واجتمع يوم وفاته ويوم أسبوعه في مسجد عيناثا حشد كبير ضم أهل العلم والفضل والوجاهة والأدب وألقيت الخطب والمراثي مما دل على منزلة الفقيد الجليل وأسرة آل فضل الله الحسنية الكريمة في نفوس العامليين، قدس الله تلك النفس الزكية التي ذهبت إلى خالقها راضية مرضية)
وقد رثاه ابن عمه السيد عبد اللطيف بقصيدة منها:
بــــــيومِكَ صدرَ الدينِ وابنَ محمدٍ يدُ الدهرِ شُلّتْ ما الذي فيه تكتبُ
له موكبٌ بالحزنِ ماجَ على الثرى وللـعلمِ والآدابِ في التربِ موكبُ
ثوى بــــكَ مِن دنياكَ جوهرُ عقلِها وفيــــكَ انطوى للدينِ سِفرٌ مهذّبُ
له من المؤلفات
منظومة في الأصول
كتاب في الحكمة
شعره
قال من قصيدة في الحنين إلى النجف وفيها يذكر أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (115) بيتاً:
حننتُ فـأشـجـتـنـي عـلـى البعدِ حنٌّة يصعِّدها داعي الهوى ويثيرُها
إلى النـجفِ الأعلى وما ضمَّ سورُه وكثبانُ رملٍ فاحَ نشراً عبيرُها
إلى العلمِ في كوفان يا ناق فاجنحي مـخـافـة أن تأتي عليها فريرُها
تـعـامـيـتِ عـن نـهـجِ الـهـداةِ فـهذه بكوفان أنـوارٌ لـمـن يـسـتنيرها
ومنها في مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) وحديث يوم الغدير:
مـعـالـمُ ديـنٍ أحـكـمـتـهـا أصـولكمْ إليـكمْ تـنـاهـتْ واستقامتْ أمورُها
أقـامـوا عـمـادَ الـدينِ في مستقرِّها بـأسـيـافِهمْ والحربُ تَغلي قدورُها
همُ ركـبـوا الأخطارَ حتى توطّدت وهلْ يركبُ الأخطارَ إلا خطيرُها
فـهـذي حـنـيـنٌ والـنـضيرُ وخيبرٌ وهـذي قـريــشٌ عِـيـرُها ونـفـيرُها
وهـذي وهـذي فـاسألوها فلم يكن لـيُـخـفـى عـلــيـكم بدرُها وغديرُها
بـنـفـسـيَ إذ قـامَ الـنـبـيُّ مُـبـلّـغـاً عـنِ اللَهِ والـرمـضاءُ يغلي هجيرُها
مواقـفُ فتحٍ حالفَ النصرُ سيفَها وكـيـفَ ومـنــها ذو الفقارِ نصيرُها
أيُـخفى وهلْ تُخفى مظاهرُ قدرةٍ عـلـيٌّ أمـيـرُ الـــمـؤمـنـيـنَ أمـيـرُها
هـمُ بـوؤكـمْ مقعدَ الصدقِ والظبا تـحـنُّ إلـى هـــامِ الـكـمـاةِ ذكـورُها
ويقول في نهايتها:
إلـيـكـمْ بـنـي آلِ الـنـبـيِّ رفـعـتُـهـا مـمـنّـعـةً عـصماءَ عزَّ نظيـرُها
فـبـدءاً وخـتـمـاً باسمِكمْ قد جعلتها هـديـةَ مـولـىً قـلَّ فـيـه كـثـيرُها
لكمْ من هوايَ الصفوُ أداهُ شكرُها ومن يكفرُ النعـماءَ أنّي شكـورُها
فـفـي لفظِها أودعتُ حكمةَ سرِّكمْ ومـن بـحرِ مـعـناكمْ تمدّ بحورُها
وتـرسـلُ فـي آلِ الـنـبـيِّ مـدائـحاً تجيرُ لدى الإنشاءِ من يستجيرُها
فـإنْ قـبـلـتْ فازتْ بنجحٍ وحسبُها نـجـاحـاً وإلا طـالَ لـيلاً فكورُها
عـسـى ولـعـلّـي أبـلـغُ الغايةَ التي يـكـفِّـرُ عـنـي سـيـئـاتي غفورُها
وحـاشـا نـداكـمْ أن أخيبَ بموقفٍ تُـوفّـى بـه لـلـعـامـلـيـنَ أجـورُها
وقال في أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً:
وإنِّـي لـحـمـالٌ لـكـلِّ عـظــيـمـةٍ ولكـنْ بـسرِّ الآلِ من آلِ هاشمِ
همُ العروةُ الوثقى لمستمسكٍ بهمْ إذا أثقلَ الأعناقَ حملُ المغارمِ
فـعـطفاً بني الزهراءِ إنِّي بحبِّكمْ عـقـدتُ نياطَ القلبِ قبلَ التمائمِ
وفيهم (عليهم السلام) أيضاً:
يـا آلَ بـيـتِ مــحــمــــدٍ مـا أمَّـكــمْ ذو حـاجـةٍ إلّا وآبَ مُــوفّــقـــا
يـمَّـمـتُ بـابَ قـراكـمُ أبـغي القِرى ضـيفاً غدا من كلِّ شيءٍ مُملقا
حـاشـاكـمُ أن تـطـردوا عـبـداً أتـى يـسـعـى إلـى أبوابِكمْ مُسترزقا
مـنُّـوا عـلـيَّ بـنـظـرةٍ مـن لـطـفِكم أنجو بها من هولِ يومِ المُلتقى
فـلأنـتـمُ سـرُّ الإلـهِ ولــطــفـــكـــمْ مـن لـطـفِـهِ يـهـمي مغذّاً مُغدقا
عُـوِّدتُ مـنـكـمْ عـادةً لا زال فــي نـعمائِها جسمي نـضيراً مُورقا
عودوا عليَّ بها فروضي قد ذوى من بعد ما قـد كان غضَّا مُونقا
إن كـانَ ذنـبـي مـا نعي عنكمْ فقد أفـنـيـتُ لـيـلـي تـوبـةً وتــمـلّـقا
والـعـفـو أجـدرُ بـالـكريمِ وعبدكمْ قـد أمَّ بـابَ رجـائـكـمْ كي يُعتَقا
والـعـفـو أنـتــمْ أهــلــه وإلــيـكـمُ يُـنـمـى وأنـتـمْ كـنـهـه أن أطـلقا
ولأنـتـمُ قـصدُ السبيلِ وما انتحى قـصـدٌ سـواهُ مُـغـرِّبـاً ومُـشـرِّقا
عـطـفـاً عـلـيَّ بني النبيِّ فقد غدا لـيـلُ الـهـمـومِ عليَّ داجٍ مُـطبقا
وقال في منزلة أمير المؤمنين (عليه السلام):
يا سائلي عـن عليٍّ كـيفَ أنعتُه واللَه سلسَله قدماً وصفّاهُ
قلْ ما تشا في عليٍّ غير واحدةٍ قـولَ الغلاةِ عليٌّ إنَّه اللَه
وفيه (عليه السلام) أيضاً:
بـآمـالـي وفدتُ على الوصيِّ صـراط اللَهِ والـنـهـجُ الــسـويِّ
عـلــيٌّ عــدَّتـي وبـنـو عـلـيٍّ وهمْ وِردي على ظمأي وريي
وهمْ قـسمي من الأقسامِ حقٌّ إذا امـتـازَ الـسـعـيـدُ من الشقيِّ
يفوزُ بحبِّ أهلِ الكهفِ كلبٌ وأشـقـى بـاتِّـبـاعِ بـنـي النبيِّ ؟
................................................
1 ــ ترجمته وشعره عن: شعراء الغري ج 4 ص 360 ــ 372
كما ترجم له
الشيخ آغا بزرك الطهراني / طبقات أعلام الشيعة ج 3 ص 249
الشيخ محمد هادي الأميني / معجم رجال الفكر والأدب ج 2 ص 941
كامل سلمان الجبوري / معجم الشعراء ج 2 ص 457
عبد الله الخاقاني / موسوعة النجف الأشرف، شعراء النجف في القرن الرابع عشر القسم الأول، المجلد الثامن عشر ص 365
مدونة جبل عامل بتاريخ 22 / 2 / 2015
اترك تعليق