تضمنت المخطوطة اعلاه اية من الذكر الحكيم من سورة المؤمنون) فتبارك الله أحسن الخالقين( وهي منفذة بأسلوب الخط الكوفي المضفور داخل مساحة هندسية افقية مستطيلة الشكل ، وقد اعتمد الخطاط في اشغال مساحة التكوين على التماثل في اجزاء معينة للنص والتي تتمثل في الاضافات الزخرفية النباتية المتفرعة من ابدان الحروف ونهاياتها المتضافرة وغير المتماثلة من حيث هيئة الحروف المستقرة على سطر الكتابة والحروف النازلة عنه، اضافة الى الحروف العمودية القوام المرتفعة اعلى النص.
لقد استثمر الخطاط التغيير الشكلي للبنية النصية واظهارها بشكل زخرفي مع اتجاه مسارات الحروف و اعتدالها واستقامتها وامتدادها كما في الحروف (ا، ك، ل، خ ، ح ) والمتمثلة في الحروف العمودية للكلمات التي تتفرع من بعضها العناصر الزخرفية المحققة للتوازن والتكافؤ في مساحات التكوين والهيئة الشكلية لعناصره بشكل كلي، وقد نظم الخطاط البنية النصية للمخطوطة وفق نظام توزيع سطري متتابع غير متراكب للكلمات و الحروف، وذلك بما يتلاءم مع المساحة المخصصة له، حيث حقق ذلك من خلال اضافة مجموعة من العناصر الزخرفية المتفرعة من نهايات الحروف، لتكون بالشكل الجمالي الذي يظهر عليه التكوين امام المتلقي، وقد تبنى الخطاط عدم اشغال كل المساحة التي تحيط بالنص والتركيز على البنية النصية مما حقق الجانب الوظيفي للنص، فنلاحظ ان النص قد تتابع بدءاً من اليمين الى اليسار بتتابع وتسلسل منتظم.
يلاحظ المتأمل لنص المخطوطة اعلاه ان الفنان عمد الى التكرار الواضح في البنية الزخرفية المتفرعة من الحروف العمودية للنص، فضلاً عن تكرار الحركة الاتجاهية المائلة لبعض الحروف، محققاً بذلك توازناً ما بين البنية النصية والزخرفية والاجزاء التي تشغلها بإيقاعية متناغمة فيما بينها، كما تمثلت الوحدة والتنوع في التكوين الذي تمثل في التباين الشكلي لكل من الحروف والعناصر الزخرفية المضافة اليها.. من خلال اعتماده تقنية التغيير الشكلي للبنية الحروفية والاتجاهية لها، والتي ترتبط فيما بينها بعلاقة الجزء بالجزء الاخر وعلاقة هذه الاجزاء بالمساحة الكلية للتكوين، محققاً بذلك جمالية مميزة للتكوين والعناصر المكونة له.
اما السيادة فقد ظهرت في التكوينات ذات الاشكال الزخرفية التي سادت في فضاء اللوحة على الهيئة الكلية للتكوين، فضلاً عن سيادة الاتجاه الحركي لبنية بعض نهايات الكلمات مثل حرفي الراء والنون وبعض الحروف ذات النهايات المائلة مثل حرفي الحاء وحرف اللام في لفظ الجلالة (الله)، بما يتلاءم مع المساحة الشكلية ، فضلا عن كونه اسلوباً مبتكراً للتكوين يتميز به الخط الكوفي عن غيره .
اما فيما يخص حيز النسبة والتناسب في هذ ه الرائعة الخطية فقد مثلها الخطاط من خلال العلاقة التناسبية ما بين الحروف والمساحة التي تشغلها في مساحة اللوحة، من حيث ارتفاع الحروف وامتدادها على سطر الكتابة، وذلك بتوظيف العناصر الزخرفية النباتية المتفرعة من ابدان ورؤوس الحروف والتي تشبه التيجان الى حد ما في الهيئة الشكلية للتكوين، حيث نلاحظ ان تنظيم وحدات التكوين والعناصر البنائية له قد وضع وفق قياس مساحي ما بين طول كل حرف وامتداده وقياس كل كلمة مع الكلمات الاخرى، مما اظهر فيها التناسب الواضح ما بين جزء التكوين الوسطي المتمثل بالوحدات الزخرفية والجزء السفلي المحتوي على الحروف والكلمات والجزء العلوي المتمثل بالحدود الهندسية للشكل فضلاً عن الحروف التي تظهر في هيئتها مثلثة الشكل محققاً بذلك جمالية للحروف وتناسب في مقاييسها، بالرغم عن التغيير الاتجاهي لبنية بعض الحروف، ولا يخفى ما تحقق في التكوين من جانب جمالي اخاذ للعناصر الخطية والزخرفية التي تتناسب فيما بينها ومع المساحة المنفذة عليها ، اضافة الى التضافر ما بين الحروف والتغيير الاتجاهي والشكلي للبنية الخطية ككل، مما اضفى تنوعاً وتجانساً فيما بينها، لينتج التتابع القرائي للنص تبعاً لنظام التوزيع الذي اتخذت من خلاله كل كلمة موقعها المكاني المناسب تحقيقا للجانب الوظيفي للمخطوطة بشكل عام.
تلك هي حروفنا العربية...
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق