فتيان الشاغوري: (533 - 615 هـ / 1139 - 1218 م)
قال في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):
لِمَ لا أَسُـحُّ بِـيَــــــومِ عـاشـوراءَ مِـن مُـقـلَتَـيَّ دَماً يُمازِجُ ماءَ
يَوماً بِهِ قُتِلَ الـحُسَينُ بِـ(كَربَلا) قَـــــتلاً حَـوى كَرباً بِهِ وَبَلاءَ
عافَ الوُرودَ فَماتَ مِن ظَمَأ بِهِ لـمّـا أَتــــــى يَتَنَفَّسُ الصُعَداءَ
وَالماءُ أَشكَلَ مِن دِمـاءِ جِـراحِهِ فَكِلاهُما في اللَونِ كانَ سَواءَ (1)
وقال من قصيدة في أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (45) بيتاً:
أَلهَفي لِلحُسَينِ غَداةَ أَضحى هُناكَ بِـ(كَربَلا) شِلواً قَتيلا
يُمَزِّقُ جِسمَهُ دَوسُ المَذاكي وَقَد أَعـلَـت وَلايـاهُ العَويلا
شَـكـا ظَمَأً فَما عَـطَفوا عَلَيهِ وَلا أَلوَوا وَلا أَروَوا غَليلا (2)
الشاعر
فتيان بن علي بن فتيان بن ثمال الأسدي الدمشقي الشاغوري، الملقب بـ (الشهاب) أديب وشاعر ومؤدِّبْ ولد في بانياس ثم ارتحلت أسرته إلى الشاغور وهو صغير فعاش في هذا الحي الذي انتسب إليه، (3) وتوفي في دمشق ودُفِنَ بمقابر باب الصغير، وينسب إلى (الشاغور) وهو من أحياء دمشق القديمة. (4)
وقد ذكر بلدته الشاغور وترجم له ياقوت الحموي فقال: (هي محلّة بالباب الصغير من دمشق مشهورة وهي في ظاهر المدينة، ينسب إليها الشهاب الفتياني النحوي الشاعر، رأيته أنا بدمشق وهو قريب الوفاة، وهو فتيان بن علي بن فتيان الأسدي النحوي الشاعر، كان أديباً طبعاً وله حلقة في جامع دمشق كان يقرئ النحو وعلا سنه حتى بلغ تسعين أو ناهزها، وله أشعار رائقة جدّاً ومعانٍ كثيرة مبتكرة، وقد أنشدني لنفسه ما أنسيته، وقد ذكرت له قطعة في شوّاش، وهو موضع بدمشق). (5)
درس الشاغوري على يد شيوخ عصره أمثال: أبي القاسم علي بن الحسن الشافعي الملقب بملك النحاة البغدادي، ابن عساكر ــ صاحب كتاب تاريخ دمشق ــ والحسن بن صافي البغدادي، واللّغوي أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي (6)، وروى عنه شهاب الدين القُوصي (ت 653هـ) ، والتّقيّ اليَلْداني، وعُمر بن عبد المُنعم القَوّاس (7)
قال عنه العماد الأصبهاني يصف لقاءه معه بدمشق سنة (571 هـ): (سألتُ بدمشق سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، عند شروعي في إتمام هذا الكتاب ــ خريدة القصر وجريدة أهل العصر ــ عمّن بها من الشعراء وذوي الآداب، فذكر لي فِتيانٌ منهم فتيان، معلِّم الصبيان، وهو ذو نظمٍ كالعقود، وشعرٍ كمُجاج العُنقود، ومعنى أرقّ وأصفى من مَعين العَذْب البَرود، ولفظٍ أنْمَق وأشهى من وَشْي البرود، وأنفذَ إليّ مسوَّدات من شعره، ونُفاثات من سِحره). (8)
وقال عنه الأستاذ حسين عبد الكريم أحمد البطوش: (يعد فتيان الشاغوري أحد أعلام الشعر العربي في بلاد الشام زمن الحروب الصليبية، إذ أشادت المصادر بشعره وشاعريته، ونوهت بقدراته الفنية، وبراعته التصويرية) (9)
تشيّعه وشعره
حقق ديوانه الأستاذ أحمد الجندي وطبع ضمن مطبوعات مجمع اللغة العربية في دمشق عام 1976 واعتمد على مخطوطٍ قديم، كتبه عليّ بن أبي طالب بن علي الحلبي في ذي الحجّة سنة 623 هـ، أي بعد حوالي ثمان سنوات من وفاة الشاعر وقال الجندي عن الشاعر: (يُلاحظ في كثير من أبيات الديوان أنّ الشاعر شيعيّ المذهب) (10)
كما أكد هذا القول عبد الله سويلم فرحان الخطيب فقال: (ولم توفر المصادر التاريخية أو الأدبية أية معلومات عن شخصية الشاعر وتفاصيل حياته الخاصة، غير أن شعرة يشف عن بعض ملامح هذه الشخصية، فقد كشفت الأشعار عن تشيّعه أو على الأقل انه كان ذا ميول شيعية) (11)
وقد كتب الدكتور أحمد خَامِه يَار مقالاً بعنوان (فتيان الشاغوري، شاعرٌ شيعيٌّ مجهول) (12) جمع فيه كثيراً من أشعار الشاغوري دلت على تشيّعه الصريح واعتقاده الصحيح بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ننقله كاملاً:
(فيما يتعلّق بمذهب فتيان، فقد سكت المؤرّخون وأصحاب التراجم عن الإشارة إلى ذلك؛ والمؤرّخ الوحيد الذي تكلّم عن ذلك هو شمس الدين الذهبي، حيث اعتبره حنفيّاً. (13) وتخلو جميع مصادر ومؤلّفات الشيعة من أدنى إشارة إلى كونه من أعلام الشيعة، إلّا أنّنا لا نشكّ في تشيّع فتيان، ونرى أن مؤلّفي معاجم أعلام الشيعة وتراجم شعرائهم، ومنهم: السيّد محسن الأمين صاحب أعيان الشيعة، وآغا بزرك الطهراني صاحب طبقات أعلام الشيعة، والسيد عبد العزيز الطباطبائي صاحب معجم أعلام الشيعة، والصنعاني صاحب نسمة السحر، والسماوي صاحب الطليعة من شعراء الشيعة، وغيرهم، لم يهتدوا إلى كونه من أعلام الشيعة، فأهملوا ذكره وترجمته.
وما يدلّ على تشيّع فتيان هو أنه يوجد في ديوانه الكثير من الأبيات التي تظهر منها حبّه لأهل البيت، عليهم السلام، وتشمّ منها رائحة التشيّع، وتضّم ما يوافق عقائد الشيعة. والجدير بالذكر أنّ محقّق الديوان انتبه إلى تشيّع الشاعر، فنبّه في هامش لإحدى القصائد التي تضمّ أبياتاً ذات المحتوى الشيعي، أنّه: «يُلاحظ في كثير من أبيات الديوان أنّ الشاعر شيعيّ المذهب.» (14)
وقد قُمنا في هذا المقال باستخراج كلّ الأبيات التي نرى أنّ لها دلالة على تشيّع فتيان الشاغوري في المطبوع من ديوانه، فللشاعر عدّة قصائد تتضمّن ذكر أهل البيت، عليهم السلام، أو الإشارة إلى فضلهم، أو فضائل لأمير المؤمنين عليّ، عليه السلام منها قصيدة تبدأ بالبيتين التاليين (ص 265 ــ 266):
لا وَالنّبِـــــــــــــيِّ مُحَمَّدٍ وَالأنْزَعِ زَوْجِ الـــمُطَهَّرَةِ البَتُولِ الأروَعِ
وَوَحَقِّ أصْحابِ العَبا خَيْرِ الوَرى مَا القَلْبُ مُذْ فارَقْتُ أحْبابي مَعي
ويقول في قصيدةٍ أنشدها في مدح صلاح الدين الأيّوبي (ص321):
فَمَا الحَقُّ إلاّ حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ وكُلُّ اعْتِقَادٍ غَيْرَ ذلكَ بَاطِلُ
ويعتبر الشاعر أهل بيت النبيّ (ص) سفينة النجاة في قصيدة له في مدح الملك الأشرف موسى الأيوبّي، من أبياتها (ص481):
مُحَمــــَّدُ النَّبِيِّ ذِي الإحْسَانِ وَالَّذِي أجَــــــــــادَ مَدْحَهُ حَسّانُهْ
خَاطبَهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ العُلا إذْ جَـــــــبْرَئيلُ الوَحْيِ تَرْجُمَانُهْ
سَـــــــــفِينَةُ النَّجَاةِ أهْلُ بَيْتِهِ فِي مَوْقِفٍ يَغْشَى الوَرَى طُوفَانُهْ
وفي قصيدة يمدح بها الملك الظاهر مظفّر الدين الخضر بن صلاح الدين الأيوبي، ينهي الشاعر القصيدة بهذين البيتين (ص 302):
بَقيتَ لِلمُلْكِ بَقاءً لَمْ نَشُكَّ أنَّهُ بِصَـــــــرفِ دَهرٍ لَمْ يُشَكْ
بِالمُصْطَفى مَدِينَةِ الْعِلْمِ وَبَابِهَا وَأصْحَابِ الْعَوالِي وَفَدَكْ
وفي قصيدةٍ يمدح بها الملك الأفضل نور الدين عليّ بن صلاح الدين، يعتبر الشاعر عبارة «حيّ على خير العمل» من الأذان، وذلك بقوله في الأبيات التالية (ص326):
أَغْمِدْ فِي الحَربِ السَّيْفَ فَمِنْ لَحَظاتِكَ يُشْهَرُ سَيْفُ عَلِي
لا تَبْلُغُ عِــــــــــــدَّةَ مَنْ قَتَلْتَ قَتْلى صِفِّينَ وَلَا الـــــجَمَلِ
سَأُؤَذِّنُ فِي حُبِّيــــــــــكَ جِهــ ـاراً حَيَّ عَلى خَيْرِ الـعَمَلِ
يَا جَــــــــــائِرُ حينَ عَلَيَّ وَلي إلا أصْبَحْتَ عَـــــلَيَّ وَلِـي
وفي قصيدة أُخرى يشير الشاعر إلى فضيلة نزول سورة (هَلْ أتَى) في أهل البيت ـ عليهم السلام ـ، ثمّ يذكر لاحقاً عبارة: «لا فتى إلّا عليّ ولا سيف إلّا ذو الفقار»، وذلك بقوله في الأبيات التالية (ص68):
كَمْ رُمْتُ مِنْ قَلْبِي السُّلُوَّ فَلَمْ يُطِعْ وَأبى وَخَالفَني وَعَنْ أمْرِي عَتا
إلّا ألِـــــــــــــــيَّةَ صَادِقٍ بِرٍّ بِمَنْ فِـيهِمْ أتى لا فِي سِواهُمْ هَلْ أتى
أهْلُ الصَّفَاءِ وَأهْــــلُ كُلِّ مُرُوءَةٍ وَفُــــتُوَّةٍ، زَانُوا الصَّفَا وَالْمَرْوَتا
إنّي أقُولُ وَلا أُحَاشِـــــــــي قَائِلاً قَولاً لِــــــــعُذّالِي أصَمَّ وَأَصْمَتا:
لا سَيْفَ إلّا ذُو الفَــــقارِ وَلا فَتىً إلّا عَلِيٌّ حَـــــــــــبَّذَا ذَاكَ الفَتى
لَمْ أَهْوَهُمْ أبَداً بِبُغْضِـــــي غَيْرَهُمْ كَلّا وَمَنْ فَرَضَ الــصَّلاةَ وَوَقَّتا
وفي القصيدة اللاميّة التي أوّلها (ص340):
فِي عُنفُوانِ الصِّبا ما كُنتُ بِالغَزِلِ فَكَيْفَ أَصْبُو وَسِنّي سِنُّ مُكْتَهِلِ
عدّة أبيات تُشعر بـفضائل لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ، وهي التي جعل محقّق الديوان ينبّه في الهامش على تشيّع الشاعر، منها:
هُمُ الأُلى زَيَّنُوا الـــــــــــدُّنْيَا بِفَضْلِهِمْ وَاسْتَبْدَلُوا مِنْ قَشيبِ العَيْشِ بِالسَّمَلِ
فَمَا اسْتَمَــــــــــــالَتْهُمُ الدُّنْيَا بِزُخْرُفِهَا وَلا ازْدَهَتْهُمْ بِتَفْصِــــــيلٍ وَلا جُمَلِ
قَالُوا امْــتَدِحْ عُظَـمَاءَ النَّاسِ قُلْتُ لَهُمْ خَوْفُ الزَّنَابِيرِ يَثْنِينِـــي عَنِ العَسَلِ
وَالأُسْدُ تَهْرُبُ مِن قَرْصِ الذُّبَابِ وَمَا أَغْرى خِساسَ الوَرى بِالسّادَةِ النُّبْلِ
سَـــوْءَاتُهُمْ هَزَمَتْ مَجْدِي وَلا عَجَبٌ عَمْرٌ بِسَوْءَتِهِ فِي الحَــرْبِ رَدّ عَلِي
حيث يلمح الشاعر في البيت الأخير إلى مبارزة الإمام عليّ (ع) لعمرو بن العاص في وقعة صفّين.
ثمّ يقول الشاعر في نفس القصيدة (ص348):
فَلَوْ رَآهُمُ أميرُ المُؤْمِنِينَ لَما قَالَ انْحُ ذَا النَّحْو يَا بَا الأَسْوَدِ الدُؤَلِي
وهنا يشير الشاعر إلى قول الإمام علي (ع) لأبي الأسود الدُؤلي: «انحه يا أبا الأسود»، حيث يُقال: إنّ هذا مبدأ نشوء علم النحو.
ويُنهي الشاعر القصيدة بهذا البيت (ص349):
وَمَا بَرِحْتَ عَلَى الأَحْرارِ مُجْتَرِئاً لِي أُسْوَةٌ فِي ذَرَاري خَاتَمِ الرُّسُلِ
ويبدأ الشاعر قصيدتين من ديوانه، بالإشارة إلى مشهد أمير المؤمنين عليّ (ع) في النجف الأشرف، فأوّلهما قصيدة كتبها إلى شرف الدين راجح الحلّي، وكان سيَّر إليه قصيدة أنشدها للملك الظاهر غازي، فأطلق له ألف درهم ولم تصله عاجلاً (ص273):
أتَحْسَبُونَ غَرْبَ أجْفَانِيَ جَفْ بَعدَ النَّوى لا وَضَرِيحٍ بِالنَّجَفْ
أُكَفْكِـــــفُ الدَّمْعَ بِخَدّي أسىً فَيـــــــــــَمْلَأُ الكَفَّيْنِ كُلَّمَا وَكَفْ
والثانية قصيدة «كتبها إلى أخيه الرئيس الأجلّ عماد الدين رسلان بن علي في صدر كتابٍ» (ص276):
لا وَأمِيرِ المُؤْمِنِينَ بِالنَّجَفِ ألِيَّةً مَا مَانَ فِيهَا مَنْ حَلَفْ
وللشاعر قطعتين من الشعر في واقعة عاشوراء، أُولاهما (ص6-7):
لِمَ لا أسُــــــــحُّ بِيَـوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ مُقْلَتَيَّ دَمــــاً يُمَازِجُ مَاءَ
يَوْماً بِهِ قُتِلَ الـــــحُسَيْنُ بِكَرْبَلا قَتْلاً حَــــــوى كَرْباً بِهِ وَبَلاءَ
عَافَ الوُرُودَ فَمَاتَ مِنْ ظَمَأٍ بِهِ لَـــــــمَّا أتى يَتَنَفَّسُ الصُّعَدَاءَ
وَالمَاءُ أشْكَلَ مِنْ دِمَــاءِ جِراحِهِ فَكِلاهُمَا فِي اللَّوْنِ كَانَ سواءَ
ومن شعره أيضاً في عاشوراء (ص7):
الشَّوْقُ أذكَــــى النّارَ فِي أحْشَائِي وَأسْـــــأَل مِنْ عَيْنَيَّ عَينَيْ مَاءِ
أعْـــــــشارُ قَلْبِي قُطِّعَتْ فَتَقَطَّعَتْ بِمدَى الأعَــادِي يَوْمَ عَاشُورَاءِ
ضَحِكَ الأعَادِي مِنْ تَشَتُّتِ شَمْلِنا وَا خَجْلَتي مِنْ ضَحْكِهِمْ وبُكائِي
وقد ورد في موضع آخر من ديوان الشاغوري، قوله في مَن اسمه أبو طالب (ص44):
أيْنَ دَهَائِي وَالْـهَوى طَالِبي يَتَمَـنّى حُبُّ أبِي طَالِبِ
قُلْتُ لَهُ وَالسُّقْمُ قَدْ طَالَ بِي صِلْنِي بِحَقِّ أبِي طِالِبِ
وقوله في البيت الثاني: «بحقّ أبي طالب»، يوحي اعتقاده بإسلام أبي طالب عمّ رسول الله (ص) ووالد أمير المؤمنين عليّ (ع).
ولا نُخفي أن للشاعر أيضاً قصيدة واحدة، يمدح بها صحابة رسول الله (ص) (ص557)، حيث تضمّ هذه القصيدة ثلاث أبيات في فضائل الخلفاء الثلاثة، تليها بيتان في مدح أمير المؤمنين علي (ع) (ص558). ولم نجد في ديوان الشاعر أبيات وقصائد أخرى في مدح الصحابة. وهذا الكمّ من الأبيات الأُخرى التي تدلّ على تشيّع الشاعر وحبّه لأهل البيت (عليهم السلام)، يجعلنا نستنتج أنّه أنشد هذه الأبيات في فضائل الخلفاء الثلاثة على سبيل التقيّة.
وأخيراً، فمن أهمّ ما يدلّ على تشيّع فتيان الشاغوري، قصيدته في مدح أهل البيت (ع)، ولأهمّية هذه القصيدة نورد هنا نصّها بالكامل كما في ديوان الشاعر (ص576-581):
قال يمدح أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين:
أشَاعُوا فِي غَدٍ يَبْغِي الـــــــــــرَّحِيلا فَخَدَّ الدَّمْعُ فِــــــــي خَدّي مَسِيلا
فَأضْحَوْا وَالمَــــــــــــــطِيُّ لَهُ رُغَاءٌ وَشُعْثُ الخَيْلِ أعْلَنَتِ الصَّهِــــيلا
وَقَدْ رَفَعُوا الجَمِالَ عَـلى جــــــــمَالٍ وَبِالعُشَّاقِ مَا فَعَلُوا جَـــــــــــمِيلا
فَكَمْ حَازَتْ هَوَادِجُـهُــــــــــــنَّ ردفاً ثَقِيلاً جَاذبَ الخَــــــــصْرِ النَّحِيلا
وَطرفاً فَاتِـــــــــــــــراً غنجاً كَحِيلا وَخَدّاً سَـــــــــــافِراً ضرْجاً أسِيلا
وَفِيهِــــــــمْ غُصْنُ بَانٍ تَحْتَ شَمْسٍ مُــــــــــــحَيِّيَة ضُحَاهَا وَالأصِيلا
أغنُّ مُعَقْرَبُ الـــــــــصُّدْغَيْنِ يَجْلُو حُــــــــبَابَ الثّغرِ إذْ يَعْلُو الشّمُولا
وَسَارُوا يَـــــقْطَعُونَ الأرْضَ وَخْداً وَقَـــــــدْ جَمَعُوا مَعَ الوَخْدِ الذَّمِيلا
فَعُــــــــدْتُ وَقُلْتُ: كَمْ هذَا التَّصَابِي فَــــــــــمَا اقْتَادَ الْهَوى إلّا جَهُولا
إِلى كَم يَستَفِزُّ المَيــــــــــنُ شِعــري سَــأَصدُقُ في القَريضِ الآنَ قيلا
وَأَرجو عَفوَ رَبّـــــي في مَـــعــادي عَـسى أَن يَصفَحَ الصَفحَ الجَميلا
وَأَمدَحُ سادَةً فـيــــــهِـم مَـديــــــحي يَــكــونُ إِلــى رِضـى اللَهِ السَبيلا
مُـحَـمَّدٌ بـــــنُ عَبـــدِ اللَهِ خَـــيـرُ الـ أَنــامِ إِذا هُـــــمُ اِفـتَـخَـروا قَـبـيـلا
رَســـــــولُ اللَهِ بِــــالـــقُـرآنِ وافـى فَــكـانَ أَجَــــلَّ مَـبـعـوثٍ رَسـولا
نَـبِـــــــيٌّ آلُــهُ هُـــــــم خَــــيــرُ آلٍ وَأَكـــرَمُـهُـم وَأَغـزَرُهُــم عُـقـولا
فَــــــمَـدحُـهُــم لَــــدَيَّ أَراهُ فَـضـلاً وَمَـــدحُ الــنـاسِ كُـلِّـــهِـمُ فُضولا
هُمُ القَومُ الأُلى ســــــــادوا وَجادوا وَهُــــــم أَزكـى بَني الدُنيا أُصولا
هُمُ حِصني الـــحَصينُ وَلَيسَ خَلقٌ سِـواهُم لـــــــــــي غَداً ظِلّاً ظَليلا
وَهُــــــم يَــــومَ الـمَـعـادِ لَنا غياثٌ بِهِم نَرجو إِلــى الفَـــوزِ الـوُصولا
وَهَل أَحَــــــدٌ بِـمَـكـرُمَـةٍ يُـسـامـي أَبـا حَـسَــــــــــنٍ وَفـاطِمَـةَ البَتولا
وَهَل مِـــن خَمسَـةٍ يَـومـاً سِـواهُـم أَتَـمّوا سِـتَّةً مَع جَــبــــــــــــــرَئيلا
بِهِم فـــي الجَدبِ نَستَــسقي فَنُسقى وَيَصـــــــرِفُ رَبُّــنا عَـنّا المُحولا
أَلَم يَــــكُ الاِبـتِـهـالُ بِـهِــم قَـديـمـاً عَـلــى تَـعظيـــــــــــمِ شَأنِهِمُ دَليلا
عَــــلِـيٌّ هـازِمُ الأَحـــــــزابِ قِدماً وَقَد هاجَـــــت لَهُ الهَيــجا الذُحولا
هُناكَ رَمى الرُؤوسَ عَنِ الهَوادي وَأَسمَعَ سَيـــــــفُهُ الجَمــعَ الصَليلا
وَقَـطَّـعَ ذو الـفَـقـارِ فَـقـارَهُـم بِـالـ ـظـبـاةِ وَلا فُـلــــــولَ وَلا كُـــلـولا
عَلِيٌّ غادَرَ الأَبطــــــــالَ صَرعى وَأَخـرَسَ عَن شَقـــــاشِقِها الفُحولا
وَهَـل أَحَـــــــــــدٌ يُـسـاجِلُـهُ بِـعِلـمٍ أَيُغــــلَــبُ عِلمُ مَن وَرِثَ الرَسولا
وَكَـم لاقى العِـــــــدا فَأَسالَ مِنهُـم بِـصــــــــارِمِـهِ دِمــاءَهُـمُ سُـيـولا
أَتـى بِـرَحـيــبَةِ الـفَرغَيـن فـي مَر حَبٍ قِدمـــــــــــاً فَأُوتِيَ منه سولا
وَكَــم لاقــاهُ جَـبّــــــــــارٌ عَـزيـزٌ فَـصـارَ لَـدَيـــــــــهِ خَـوّاراً ذَلـيـلا
عَـلِـيٌّ طَـلَّـقَ الـدُنـــــــــيـا ثَـلاثـاً وَمــــــــا حـابــــى أَخـاهُ بِها عَقيلا
تَـوَلّاهـــــــــا وَفـارَقَـهـا حَـمـيـداً وَلَـم يُـظـلَـمْ بِــــــــــهـا أَحَـدٌ فَـتيلا
أَلهَفـــــــــي لِلحُسَينِ غَداةَ أَضحى هُنــــــــــــاكَ بِـ(كَربَلا) شِلواً قَتيلا
يُمَزِّقُ جِســــــــمَهُ دَوسُ المَـذاكي وَقَد أَعـلَــــــــــــت وَلايـاهُ العَويلا
شَـكـا ظَمَأً فَما عَــــــــــطَفوا عَلَيهِ وَلا أَلوَوا وَلا أَروَوا غَـــــــــــليلا
أَيا مـــــــاءَ الفُـراتِ نَـضَبـتَ ماءً لِأَنَّـــــــــــكَ مِنهُ لَم تَــشفِ الغَليلا
رَسـولُ اللَهِ سَــــمّـاهُ حُــسَـــــيـنـاً وَقَـبَّـلَ ثَـغــــــــــرهُ زَمَـــناً طَويلا
سَيَشقى الـظالِمــونَ بِهِ وَيُسقى الـ ـوُلاةُ الـمُـؤمِنونَ الــــــــــسَلسَبيلا
مُحِبّوهُم بِـبُـغـضِـــهِـمُ سِـــــواهُم عَدِمتَهُمُ لَقَد ســــاءوا سَبيــــــــــلا
سوى القَومِ الأُلى قَــتَـــلوا حُسَيناً وَسَبّوا صِـــــــــنوَ أَحمَدَ وَالخَليلا
وَمَدحُهُم أَتـى فـي هَـــل أَتى مُحـ كَـماً مـــدحاً كَثيـــــــــــراً لا قَليلا
وَلَيسَ العُروَةُ الوُثقى سِـــــــواهُم فَكُن مُستَمسِكاً بَـراً وَصـــــــــولا
وَإِنّي سَوفَ أُدرِكُ فـــي مَــعادي بِمَدحِ بَني رَســــــــــولِ اللَهِ سولا
صَلاةُ اللَهِ خـالِـــــــــــقِنا عَلَيهِم غُدُوَّ الدَهرِ تترى وَالأَصـــــــــــيلا
ونختم المقال بالقول أنّ للشاعر أيضاً قصيدة في مدح رسول الله (ص)، مطلعها كما يلي (ص 108):
إلَيْكَ المَطَايَا أعنَقَتْ يَا مُحَمَّدُ * إلى خَيْرِ مَنْ يُسْعى إلَيْهِ وَيُحْفَدُ)
وقد ذكر الدكتور أحمد يار مطلع القصيدة فقط والقصيدة هي:
إِلـيـكَ رَسـولَ اللَهِ مِـنّــــــي أَلــــوكَـةً حَنــانَيكَ قَد يَـحـنو عَـــلى العَبدِ سَيِّدُ
أؤمِّـلُ مِـن خَـيـرِ الأَنـــامِ شَــــفـاعَـةً بِـهــا فــي نَــعــيـــــمٍ بِـالـجنانِ أُخَلَّدُ
فَـأَنـتَ رَسـولُ اللَهِ وَهــــــيَ شـهـادَةٌ أُقِــرُّ بِـــهــا حَــتّــــى الـمـعادَ وَأَشهَدُ
وَدِدتُ بِأَنّـي زُرتُ قَـــــبـرَكَ راجِلاً وَقَــبّـــلـــتُ تُـربــــاً أَنـتَ فيها مُوَسَّدُ
وَمَرَّغتُ خَـــدّي عِندَ قبرِكَ ضارِعاً بِأَرضٍ حَصــــــــــاها لُؤلُؤٌ وَزَبَرجَدُ
وَذاكَ ضَـريـــحٌ يَـحسُدُ المِسكُ تُربَهُ وَكُـلُّ شَـــريفِ القَـدرِ لا شَــكَّ يُحسَدُ
بِهِ حَلَّ كُـــلُّ الجُودِ وَالـمَجدِ وَالنَدى وَفَـضـــلٌ وَمَــعـروفٌ وَعِــزٌّ وَسُؤدَدُ
إِذا حُدِيَـــت عَنسٌ بِذِكـرِك أَسرَعَت كَأَن لَـــم يَمَسَّ الأَرضَ رَجُـلٌ وَلا يَدُ
وَخَــــلَّـت سُـهَيلاً طالِعاً مِن وَرائِها وَقــــابَـلَـهـا نَـسـرٌ وَجَــــــديٌ وَفَـرقَدُ
وَصاحَ بِها الحادونَ فَاِندَفَـــعَت بِهِم تُـؤَوِّبُ فـــي الأَرضِ الـــقِواءِ وَتُسئِدُ
وَقَد مَـدَّتِ الأَعناقَ تَطـــوي مَهامِهاً تَغورُ بِـها تَحــــــتَ الـــرِحالِ وَتُنجِدُ
شَـواحِـبُ أَلـوانٍ بَـراهـــا لُـغـوبُـهـا بِفَـيـفــــاءَ فيها الأَبيَـــضُ اللَّونِ أَسوَدُ
وَإِنّــي لَـذو شَوقٍ إِلَـــيكَ مُضاعَـف بَـواعِـثُـهُ لا تَــــــــــــــأتَـلـي تَـتَـجَـدَّدُ
إِلى الحُجرَةِ البَيضاءِ وَالجَدَثِ الَّذي بِهِ الخَيرُ في الدّارَيــنِ يُرجى وَيُقصَدُ
أَلا أَيُّــهــا الــزُوّارُ بِـــــاللَهِ بَـلِّـغـوا سَــلامــي إِلَـيـــــهِ وَاِرفُـقـوا وَتَـأَيَّـدوا
وَقـولـوا لَـهُ فِـتـيان يَـشـكـو صَبابَةً إِلَـيـكَ وَوَجــــــــــداً حَـرُّهُ لَـيـسَ يَبرُدُ
يُـرَجّـي غـداً تَـبـريدَ غُــــــــلَّتِهِ إِذا شَفَعتَ لَهُ في الحَشرِ وَالحَوضُ مورِدُ
........................................................
1 ــ ديوان القرن السابع ص 45 عن ديوان فتيان الشاغوري/ مطبوعات مجمع اللغة العربية في دمشق عام 1976 ص 6
2 ــ ديوان القرن السابع ص 145 ــ 147 ذكر منها 15 بيتاً فيما يخص الإمام الحسين عليه السلام
3ــ قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان، لابن الشّعار الموصلي ج 5 ص 532
4 ــ وفيات الأعيان لابن خلكان ج 4 ص 26
5 ــ معجم البلدان ج ٣ ص ٣١٠
6 ــ فتيان الشاغوري: حياته وشعره الخطيب، عبد الله سويلم فرحان رسالة ماجستير جامعة مؤتة 2003 ص 16
7 ــ فتيان الشاغوري – شاعرٌ شيعيٌّ مجهول / لأحمد خامِة يار مقال منشور في مجلة: كتاب شيعة، العدد 13-14، ص 112 ــ 120
8 ــ خريدة القصر وجريدة العصر/ قسم شعراء الشام ج ۱ ص 247 ــ 248
9 ــ الصورة الفنية في شعر فتيان الشاغوري ــ رسالة ماجستير جامعة مؤتة 2011 ص 4
10 ــ ديوان فتيان الشاغوري ص 340 الهامش
11 ــ فتيان الشاغوري: حياته وشعره ــ رسالة ماجستير، جامعة مؤته 2003 ص 17
12 ــ مجلة كتاب شيعة العدد 13 ــ 14 ص 112 ــ 120
13 ــ تاريخ الإسلام ج 13 ص 445
14ــ ديوان فتيان الشاغوري ص 340
كما ترجم لفتيان وكتب عنه:
شمس الدين الذهبي / سير أعلام النبلاء ج 22 ص 143
الذهبي / تاريخ الإسلام ج 13 ص 445
ابن العماد / شذرات الذهب في أخبار من ذهب ج 7 ص 115
ابن تغري بردي / النجوم الزاهرة / أخبار مصر والقاهرة ج 6 ص 274
خير الدين الزركلي / الأعلام ج 5 ص 137
ابن أبي أصيبعة / عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص 734
علي بن عبد الله الغزولي البهائي الدمشقي / مطالع البدور ومنازل السرور ج 1 ص 28
حمزة بن أحمد بن عمر ابن ساباط / تاريخ ابن ساباط ج 1 ص 36
شوقي ضيف / تاريخ الأدب العربي ص 736 ــ 739
شفيق محمد الرقب ــ ظاهرة الاستدعاء القرآني والشعري في ديوان فتيان الشاغوري، مجلة مؤتة للبحوث والدراسات الإنسانية والاجتماعية المجلد 18 العدد 2 بتاريخ 30 / 4 / 2003 ص 33 ــ 53
اترك تعليق