راضي بن صالح القزويني: (1235 ــ 1285هـ / 1819 ــ 1868 م)
قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (26) بيتاً
شهرٌ به وترتْ أميـــــةُ حيدراً فقضت بعرصةِ (كربلا) أشبالُه
وصلته بالبيضِ القواطعِ والقنا فـتـقــــــطّعتْ بنصالِها أوصالُه
قد حلّلوا دمَه وحـرِّمَ بـــيـنـهم للهِ في الـــشـهـرِ الحـرامِ حلالُه (1)
ومنها
وافـى بأثقالِ الهدى وبـ (كربلا) ضُربت سرادقُه وحُط رحالُه
لِلّهِ مـوقـفُـه بـمـضـطرمِ الـوغى حـيـث المخذمة الرقاقُ ظلالُه
يـغـشـاهـمُ والـجـيشُ يخفقُ قلبُه حــذر الـردى ويمينُه وشـمالُه
ومنها:
ما بعد وقعةِ (كربلا) لمحمـــــــدٍ يـومٌ يـسـرُّ به الوصيُّ وآلُه
سـامته حربٌ يومَ حربٍ خُضِّبتْ بدمِ الحسينِ حرابُه وصقالُه
فقـضى بمشتجرِ القنا محمــــودةً آثـارُه مـشـكــــورةٌ أفـعـالُـه
وقال من قصيدة في أبي الفضل العباس (عليه السلام) تبلغ (33) بيتاً:
فليتَ عليُّ المرتضى يومَ (كربلا) يرى زينباً والقومُ تسلبُ زينبا
وللـخـفـراتِ الـفـاطـمـيـاتِ عـولـةً وقد شرقَ الحادي بهنَّ وغرَّبا
حواسرَ بعد السلبِ تُسبى وحسبُها مصاباً بأنّ تُسبى عياناً وتسلبا (2)
الشاعر:
السيد راضي ابن السيد صالح الحسيني القزويني النجفي البغدادي، عالم وشاعر من أعلام الحركة العلمية والأدبية في العراق، ولد في النجف الأشرف (3) من أسرة علوية النسب لها تاريخ عريق في مسيرة العلم والأدب وبرز منها كبار الشعراء والعلماء في النجف منهم جد الشاعر السيد رضا القزويني الذي كان من كبار العلماء، ووالده السيد صالح القزويني، وينتهي نسب هذه الأسرة إلى زيد الشهيد بن الإمام زين العابدين (عليهما السلام)، فالشاعر هو:
السيد راضي بن صالح بن مهدي بن رضا بن مير محمد علي بن محمد بن محمد علي بن مير قبا بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن أبي الحسين بن علي بن زيد بن أبي الحسن علي بن يحيى بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن زيد بن علي الحماني الشاعر بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد الشهيد بن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام). (4)
نشأ القزويني وسط أجواء تشع منها أنوار العلم والأدب، فدرس مبادئ العلوم والفقه والأصول والأدب على يد أبيه العالم الفذ والشاعر الكبير صالح القزويني، كما نهل من الحلقات العلمية والمجالس الأدبية النجفية.
انتقل القزويني إلى بغداد برفقة والده عام (١٢٥٩ هـ / 1843 م) والتقى هناك بكبار أدباء بغداد وجرت بينه وبينهم مساجلات ثم سافر إلى إيران أكثر من مرة واتصل في إيران بالشاه ناصر الدين القاجاري الذي احتفى به وأكرم مقامه وأحله المكان السامي في محفله. (5)
قال فيه الشيخ علي كاشف الغطاء: (كان أديباً أريباً وشاعراً بارعاً مفلقاً، جيد النظم رقيق الغزل حسن الانسجام ماهراً في التشطير والتخميس لا يكاد يعثر على مقطوعة أو (دو بيت) وقد استحسنهما إلا خمسهما). (6)
وقال فيه الشيخ أغا بزرك الطهراني: (كان من أفاضل شعراء عصره، وله، مساجلات معهم، مثل الشيخ عباس الملا والشيخ موسى شريف والشيخ عبد الحسين محيي الدين وغيرهم...) (7)
وقال السيد محسن الأمين: (وكان شاعراً مجيداً انتقل مع أبيه من النجف إلى بغداد وكان يجوب البلاد) (8)
وقال السماوي: (كان أديباً شاعراً مفلقاً، كثير التخاميس لما يستحسنه من الشعر، فكان إذا خمس يظن أن الشاعر ترك له معنى في البيت وأشار إليه) (9)
توفي القزويني في تبريز وهو لم يكمل عامه الأربعين وكان موته في شهر محرم، وحمل نعشه إلى النجف ودفن فيها وقد تأثر أبوه بموته كثيراً ورثاه بقصيدة مفجعة يقول منها:
تباً لتبريزَ اخنـــتْ كالطفوفِ على ضيفٍ ألمَّ بها في شهرِ عاشورِ
تالله لو أمــــــلكُ الـدنـيا وكنتُ بها مـقـلـداً لـم أكـن فـيـهـا بمسرورِ
كان الرضا عن أخيه سلوتي فبمن أســــلوهما وسلوِّي غيرُ مقدورِ (10)
كما رثاه عدد من شعراء عصره.
خلف القزويني ولدين هما: الشاعر السيد أحمد والسيد محمود، وجمع ديوانه أخوه السيد حسون. (11)
شعره
قال من قصيدة في رثاء سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) تبلغ (37) بيتاً:
سلِ الطرفَ هل مرَّتْ به سنةُ الكرى وســــلْ عن فؤادي هل يطيقُ تصبُّرا
أيلتـــــــذّ طرفي بالكرى بعدما جرى على السبطِ من أهلِ الشقاوةِ ما جرى
به غدرتْ أرجــاسُ حـربٍ فأصبحتْ تجرِّعُه كــــــــأساً من الـحتفِ مُمقرا
وطافتْ به يومَ الطـفــــــوفِ عصابةٌ كساها الوغى ثـــــوباً من النقعِ أكدرا
تسامرُ يومَ الطعنِ أسـمـــــــرَ كاعـباً وتصحبُ يومَ الضــــربِ أبيضَ أبترا
فيا لأسودٍ يـحـذرُ الـدهـرُ بأسَـــــــهم وتـخـشـاهمُ يومَ الوغـــى أسدُ الشرى
يحفُّ بـهـم مـن آلِ أحـمــــــــدَ أصيَدٌ تـسـيـرُ الـمـنـايـا حـذوه أيـــنما سرى
أخو عزماتٍ لو رمـى بـأقـلّـــــهـا الـ ـجـبـالَ الـرواسـي لاستطارتْ تذعُّرا
سطا وسطوا حتى تلاقتْ جمـوعــهم وشـتّانَ ما بين الثريا إلـــــــى الثرى
يصولُ على الجمعِ الصحيحِ بعــزمةٍ يعودُ بها الجمعُ الصحيحُ مُكــــــسَّرا
هزبرٌ بـهِ كـيـدُ الـعـدى وغـضنــــفرٌ يروعُ بسطواهُ الهزبرُ الغضنفـــــــرا
إلى أن أصـابـتـه المنونُ بسهمِـــــها فخرَّ فدته النفـــــسُ شلواً على الثرى (12)
وقال من قصيدته المشهورة في أبي الفضل العباس (عليه السلام) وتبلغ (33) بيتاً وقد قدمناها:
أبا الفضلِ يا من أسَّسَ الــفـضلَ والإبا أبـى الفـضــــــلُ إلّا أن تــــكونَ لـه أبـا
تطلّبـتَ أسـبـابَ الــعـــلـى فـبـلـغــتـهـا ومــا كــــــــلُّ ســــاعٍ بـالــغٌ مــا تـطلّبا
ودونَ احتمالِ الضــــيمِ عـزٌّ ومــنـعـةٌ تـخيَّــــــــرتَ أطـــــرافَ الأسـنةِ مركبا
وفيتَ بعهدِ المشرفـــــــيةِ فـي الـوغى ضــــــــراباً وما أبـقـيتَ للسيفِ مضربا
لقد خضتَ تيارَ الـــمـنـــايـا بـمــوقـفٍ تـخـــالُ بـــــه بـرقُ الأسـنَّـةِ خـلــــــــبا
إذا لفظتْ حـرفـــاً سـيــوفُـكَ مــهـمـلاً تـتــرجـــــمُه سـمـرُ العواملِ مـــــــعربا
ولما أبـتْ أن يـــشـربَ الــمــاءَ طـيِّباً أمـيـــــــة لا ذاقـتْ مـن الـــــــماءِ طـيِّـبا
جلا ابـــن جـلا لـيـلَ الـقـتـــــــامِ كأنّه صـباحُ هدىً جلّى مـــــــن الشركِ غيهبا
وليــث وغى يأبى سـوى شــجـرِ القنا لـدى الـروعِ غــــــــاباً والمـــــهندِ مخلبا
يذكـــرهـمْ بـأسَ الـوصـــــيِّ فـكـلـمـا رمــى مــــــــوكـباً بـالعــزمِ صادمَ موكبا
وتـــحـسـبُ فـي أفقِ القتـــــامِ حسامَه لـــــــــرجـــمِ شـيـاطـينِ الـفوارسِ كوكبا
وقــفتَ بمستــــــــــنِ النـزالِ ولم تجدْ سوى الموتِ في الهيجا من الضيمِ مهربا
الى أن وردتَ المـوتَ والـموتُ عادةٌ لــــــــــــــكـم عُرفت تحتَ الأسنةِ والظبا
ولا عيبَ في الحرِّ الكريــمِ إذا قضى بـحـرِّ الظبــــــــــــــــــا حُرَّاً كريماً مُهذّبا
رعى اللهُ جسماً بالـسـيــــوفِ مُوزّعاً وقـلـبـاً عـلـى حـرِّ الـظــــــــــــــما متقلّبا
ورأسَ فخارٍ سيمَ خفضاً فما ارتضى سوى الرفعِ فوق السمهريةِ منــــــــــصبا
بنفسي الذي واســـــى أخـاهُ بـنـفـسِـه وقـامَ بـمـا سـنَّ الإخــــــــــــــاءُ وأوجـبـا
رنـا ظـامـــــيـاً والـمـاءُ يـلـمعُ طامياً وصـعَّـدَ أنـفـــــــــــــاساً بها الدمعُ صوَّبا
ومـا هـمَّـه إلا تـــــــعـطّـشَ صـبـيـةٍ إلــى الـمـاءِ أوراهــــــــــا الأوامُ تــلـهّـبـا
على قـربـهِ مـنـه تـنـــــاءى وصـوله وأبـعـد مـا تـرجو الذي كـــــــــــان أقربا
ولـم أنـسَـه والـمـاءُ مــــــــلءُ مزادِه وأعداه ملءُ الأرضِ شرقاً ومـــــــــغربا
وما ذاقَ طـعـمَ الـمـاءِ وهـوَ بقربِـــهِ ولـكـن رأى طـعـمَ الـمنيَّةِ أعــــــــــــــذبا
تصافحُه الـبـيـضُ الصفاحُ دوامــــياً وتـعدو على جثمانِه الخيـــــــــــــلُ شُزَّبا
مضتْ بالهدى في يومِ عاشورَ نكـبةٌ لديها العقولُ العشرُ تــــــــــــقضي تعجُّبا
وقال في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) من لاميته التي قدمناها وتبلغ (26) بيتاً:
أغريتَ يا يومَ الطـفوفِ بحــادثٍ يـومَ الـقـــــــــيـامةِ دونَه أهوالُه
ورِدَ ابنُ حيدرَ والهدى مرفوعـةٌ أعــــــــــلامُـه مجـرورةٌ أذيـالُه
مـسـتـنـجـداً بعزائمٍ علــــــــــويةٍ صدرُ الفضاءِ يضيقُ منه مجالُه
جـرارُ عــاديــةٍ لــه مــن حـيدرٍ وثَــبَـاتُـه وثـبـــــــــاتــه ونـزالُـه
ماضي العزائمَ كلما وردَ الوغى صدرتْ موردةَ الخـــدودِ نصالُه
مـخـتـالةٌ بـدمِ الفـوارسِ خـيـــلُه مرتاحة بطلى الردى أبطــــــالُه
وكـأنّـمـا لـيـلُ الـقـتـامِ نجومُـــه زرقُ الأسنةِ والحســـــامُ هــلالُه
وكأنّما رسـلُ الـمـنـايـا للعـــدى أرمـاحُـه وصـفـاحُـه ونـبـــــــالُ
......................................................
1 ــ شعراء الغري ج 4 ص 18 ــ 19
2 ــ نفس المصدر ص 11 ــ 12
3 ــ نفس المصدر ص 3
4 ــ أدب الطف ج 8 ص 65 ــ 66 في ترجمة السيد صالح القزويني والد الشاعر
5 ــ شعراء الغري ج 4 ص 3
6 ــ الحصون المنيعة في طبقات الشيعة ج 9 ص 206
7 ــ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 9 ص 11 ــ 12
8 ــ أعيان الشيعة ج ٦ ص ٤٤٢
9 ــ الطليعة من شعراء الشيعة ج 1 ص 73
10 ــ شعراء الغري ج 4 ص 5
11 ــ نفس المصدر ص 5
12 ــ نفس المصدر ص 14 ــ 15
كما ترجم له:
الشيخ أغا بزرك الطهراني / طبقات أعلام الشيعة ج 2 ص 525 ــ 526
الشيخ جعفر باقر محبوبة / ماضي النجف وحاضرها ج 3 ص 196
الشيخ محمد هادي الأميني / معجم رجال الفكر والأدب ج 3 ص 986
كاظم عبود الفتلاوي / مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف رقم 170
كامل سلمان جاسم الجبوري / معجم الشعراء ج 2 ص 233
عبد الحسين الشبستري / مشاهير شعراء الشيعة ج 2 رقم 353
الدكتور محمد مهدي البصير / نهضة العراق الأدبية ص 324
اترك تعليق