مَوسوعةُ آثارِ السيّد المُقرّم إحياءٌ لحقائقِ تأريخ أهل البيت (ع) الكتاب: موسوعة آثار السيّد المُقرّم المؤلّف: السيّد عبد الرّزاق المُقرّم (ت: 1391 هجرية) النّاشر: «العتبة الحسينيّة المقدّسة»، كربلاء 1436 هجرية-2015 ميلادية إنّ سيرة أهل البيت عليهم السّلام زاخرة بالعلم والجهاد والعطاء، وفي مختلف ميادين الحياة، ولها تأثير كبير وواضح على الواقع الإنساني دون تمييز. لذلك فقد تعرّضت -ولا زالت تتعرّض- إلى كثير من محاولات التشويه والتحريف والكذب والبهتان من الأقلام المأجورة لمؤرّخي ومحدّثي أنظمة الظلم والطغيان. ممّا استدعى فطاحل العلم وروّاد الفضل إلى أنْ يُجرّدوا أقلامهم الشريفة لتدوين ما ظفروا به من فضائل ومناقب وأحوال أهل البيت عليهم السّلام، بياناً لحقائقهم الناصعة وردّاً للأباطيل الباهتة، مُعتمدين في كل ذلك المصادر المُتقنة. ومن هؤلاء المجاهدين: العلّامة المحقّق السيّد عبد الرّزاق الموسوي المُقرّم النّجفي رضوان الله عليه، صاحب المؤلّفات النوعية، والذي يقول عنه العلّامة الأميني: «أحد أعلام العصر المنقدين المكثرين من التأليف في المذهب، على تضلّعه في العلم، وقدمه في الشرف، واحتوائه للمآثر الجليلة، ومن مهمات تآليفه وأوفرها فائدة: كتاب الإمام السبط المجتبى، وكتاب حياة الإمام السبط الشهيد ومقتله.. إلى غيرها من كتابات ورسائل قد جمع فيها وأوعى، وأتى بما خلت عنه زبر الأوّلين» (الغدير: 3/74). فجاءت (موسوعة آثار السيّد المُقرّم) -موضوع القراءة- موسوعة فريدة في بابها، والتي أصدرتها «شعبة التراث الثقافي والديني»، قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينيّة المقدّسة. - خصائص الموسوعة تُعدّ (موسوعة آثار السيّد المُقرّم) موسوعة قيّمة في مجال التأريخ لسيرة أهل البيت عليهم السّلام، وهذا يعود إلى خصائص عديدة امتازت بها المؤلّفات النوعيّة التي احتوتها الموسوعة، ويمكن ذكر بعضها على النحو التالي: الأُولى: الوضوح والابتعاد عن العبارات المزخرفة، ممّا جعل المؤلّفات واضحة مفهومة عند الإطّلاع عليها من قبل جميع الطبقات الاجتماعيّة والثقافيّة. الثانية: البحث العلمي ومنهجه الصحيح، من خلال اختيار المؤلّف للمصادر والمراجع المختصّة، والتي مكنّته من مناقشة الروايات المعروضة، وطرحه الآراء السّديدة المستندة على أُسس علميّة. الثالثة: الجمع بين المنهجين: الوصفي والتحليلي، فقد استعمل المؤلّف المنهج الوصفي في سرد الأحداث في جوانب ثابتة، إلاّ أنّه لا يستغني في جانب آخر من استعمال المنهج التحليلي، وهذا للوصول إلى الحقيقة وتثبيت المعلومة الدقيقة. الرابعة: الحسّ الأدبي والأُسلوب الشعري، فقد ذكر المؤلّف الكثير من قصائد المفكّرين والأُدباء، والتي حملت طروحات ومعاني مفيدة، وهذا أضفى رونقاً خاصّاً على المؤلّفات. الخامسة: عَبَقُ الولاء لمحمّد وآل محمّد صلواتُ الله وسلامه عليهم، والذي تجده طافحاً في ثنايا المؤلّفات، وهو ما كان يتّصف به المؤلّف نفسه، ويؤكّده المرجع الديني السيّد المرعشي النجفي حينما يقول عنه: «المُخلص في ولاء آل الرّسول، المُتفاني في حبّهم، والمُتهالك في مسيرهم.. حشره الله تحت راية جدّه أمير المؤمنين». - محتويات الموسوعة جاء في مقدّمة الجزء الأوّل من الموسوعة: «إنّ شُعبة التراث باشرت بجمع آثار السيّد المُقرّم المطبوعة على مدى أكثر من سنة وبجهود مضنية، ولقاءات متعدّدة مع نجل السيّد المُقرّم الفاضل السيّد كاظم المُقرّم الذي مدّ يد العون بتمامها.. وسيكون لهذه الموسوعة مُلحقاً قيّماً بآثاره المخطوطة». وقد احتوت هذه الموسوعة النوعيّة على ثلاثة عشر كتاباً في عشرة أجزاء، وبالعناوين التّالية: الجزء الأول: (خصائص أمير المؤمنين عليه السّلام) ويليه كتاب (سِرّ الإيمان). الجزء الثاني: (وفاة الصّديقة الزّهراء عليها السّلام). الجزء الثالث: (مقتل الحسين عليه السّلام). الجزء الرابع: (حياة الإمام زين العابدين عليه السّلام). الجزء الخامس: (وفاة الإمام الرّضا عليه السّلام) ويليه كتاب (وفاة الإمام الجواد عليه السّلام). الجزء السادس: ( العبّاس بن أمير المؤمنين عليهما السّلام). الجزء السابع: (علي الأكبر عليه السّلام). الجزء الثامن: (الشهيد مسلم بن عقيل عليه السّلام). الجزء التاسع: (السيّدة سكينة عليها السّلام). الجزء العاشر: (زيد الشهيد عليه السّلام) ويليه كتاب (تنزيه المُختار رَحِمَهُ الله). نقرأُ في الجزء الرابع من الموسوعة –حياة الإمام زين العابدين عليه السّلام- وفي فصل (النّصائح) ما يلي: «عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: قال عليّ بن الحسين عليهما السلام: أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام، حتّى تسيل على خدّه بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه فيما مسّنا من الأذى من عدوّنا في الدنيا بوّأه الله في الجنّة مبوّأ صدق، وأيّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه من مضاضة ما أُوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنّار». أما في فصل (وصايا السّجاد عليه السلام لأولاده) فنقرأُ التالي: «وقُبِضَ (الإمام زين العابدين) صلواتُ الله عليه مَظلوماً مُضطهداً شَهيداً بسمّ أوعز به الوليد بن عبد الملك إلى أخيه هشام فقَضى عليه في الخامس والعشرين من المحرّم سنة (95) عن سبع وخمسين سنة، فضجّت المدينة بالبُكاء والعَويل وكان كيوم مات فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم..». - مقتل الحسين عليه السّلام للعلّامة المُقرّم علاقة خاصّة بسيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السّلام، فكان يعقد مجالس عزاء الإمام الحسين عليه السلام، في داره ويقرأ التعزية بنفسه، ويحضر مجلسه هذا كبار العلماء الفضلاء، وفي مقدّمتهم المرجع الديني السيّد أبو القاسم الخوئي قدّس سرّه، وكان يقرأ مقتل الإمام الحسين عليه السلام كلّ يوم عاشوراء في حسينية النّجفيين في كربلاء المقدّسة منذ طلوع الشمس إلى الظهر مع البُكاء والعَويل. ومن مظاهر هذه العلاقة أيضاً، تأليفه لكتاب (مقتل الحسين عليه السلام) –الجزء الثالث من الموسوعة– وهو أشهر كتبه، طُبِعَ سبع مرّات في العراق وإيران ولبنان، وتُرجِمَ إلى اللغة الإنكليزية. جاء الكتاب في خمسة أبواب رئيسيّة، وبالعناوين التالية: الأول: نهضة الحسين عليه السلام. الثاني: حديث كربلاء. الثالث: يوم عاشوراء. الرابع: حوادث بعد الشهادة. الخامس: المراثي. إنّ عنوان (مقتل الحسين عليه السلام) يُستوحى منه أنْ يكون مَدار الكتاب هو شهادة أبي عبدالله الحسين عليه السلام، إلّا أنّ المؤلّف ذكر في البداية بعض المباحث المتعلّقة بنهضته، ثم شرع بذكر الوقائع التفصيليّة التي جرت عليه منذ بيعة النّاس ليزيد بن معاوية، وصولاً إلى شهادته، وحوادث ما بعد الشهادة حتى رجوع سبايا أهل البيت عليهم السّلام إلى المدينة المنورة، ثم ختم بتسع قصائد شعريّة لفقهاء وخطباء نظموها في رثائه صلواتُ الله وسلامُه عليه، إحداها قصيدة الشهيد الفقيه الشّيخ محمّد تقي الجواهري قدّس سرّه، نقرأُ منها الأبيات التالية: أبا صـالح يا مُدرك الثار كم ترى وغيضك وار غير أنّــــك كاظمُه وهل يملك الموتور صبراً وحوله يروح ويغدو آمن السرب غارمُه أتنسى أبيّ الضيم في الطفِّ مفرداً تحوم عليه للـــــــوداع (فواطمُه) أتنساه فوق الترب منـــــفطر الحشا تنــــــاهبه سمر الردى وصوارمُه ورُبَّ رضيع أرضعته قسيّـــــهم من النّبل ثديـــاً درّه الثر فاطمُه فلَهفي له مُذ طوّق السّهم جيده كما زيّنته قبل ذاك تمـــــــائمُه ولَهفي له لمّا أحـــــــــسّ بحرّه وناغاه من طير المنيّـــــة حائمُه هفا لعناق السّبط مبتســــم اللمى وداعاً وهـــل غير العناق يلائمُه وأخيراً، تنطوي (موسوعة آثار السيّد المُقرّم) على قيمة مرجعيّة في التعرّف على المؤلّفات النوعيّة للعلّامة المُقرّم رحمه الله تعالى برحمته الواسعة، والذي نعيش ذكرى مرور نصف قرن من الزمان على رحيله هذا العام، وجزى الله تعالى (العتبة الحسينيّة المقدّسة) خير جزاء المحسنين على إصدارها المتميّز لهذه الموسوعة الفريدة. - موجز سيرة المؤلف وُلِدَ العالم والخطيب والمؤلّف السيّد عبد الرّزاق الموسوي المُقرّم في النّجف الأشرف سنة 1316 للهجرة، وترعرع في أحضان جدّه لأُمه السيّد حسين، والذي كان من علماء زمانه. تتلمذ على كبار الفقهاء، منهم: السيّد الأصفهاني، السيّد الحكيم، والسيّد الخوئي. عُرِفَ بكثرة تآليفه القيّمة، والتي أكثرها في حياة أهل البيت عليهم السّلام، منها المطبوعة –موسوعة آثار السيّد المُقرّم- ومنها المخطوطة. قال عنه المرجع الديني السيّد المرعشي النّجفي: «كان من حسنات العصر، أفاد بيراعه وبنانه، ببيانه ولسانه، إفادات هامّة مهمّة، فكم له من آثار علمية تهوي إليها الأفئدة». تُوفّي رضوان الله عليه في النّجف الأشرف 17 محرّم الحرام 1391 للهجرة الموافق 15 آذار 1971 للميلاد، وقد أرّخ وفاته الدكتور الشّيخ أحمد الوائلي: (رحت عبدالرزاق للرزاق) 1391 للهجرة. قراءة: الشيخ أحمد التميمي
اترك تعليق