سيف بن عميرة النخعي (القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي)
قال من قصيدة في أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (106) أبيات:
هذا الحسينُ لقىً بشاطي (كربلا) ظـمآنُ دامي الخدِّ ثمَّ المنحرِ
عارٍ بـلا كفـــنٍ ولا غـسلٍ سوى مورِ الريــاحِ ثلاثـةً لـم يُقبـرِ
مقطوعُ رأسٍ هُشّمَـتْ أضـلاعُـه وكسيرُ ظهرٍ كسرُه لـمْ يُجبرِ
ومنها:
وكـأنّـمـا أفــلاكُـهـا في (كـربـلا) أو (كربلا) صـارتْ فــريـقَ المنبـرِ
يا (كربلاء) حـويـتِ مـا لمْ تحوِهِ أرضٌ سـواكِ مـن الـضـيـاءِ الـنـيِّـرِ
غيبتِ بطنَ الأرضِ منكِ معظماً وغــــــــدوتِ تفتخري بكلِّ غضنفرِ (1)
الشاعر:
من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) وروى عنهما، وصفه ابن النديم بأنه: (من فقهاء الشيعة). (2)
كما وُصف أيضاً بأنه: (كان محدّثاً، فقيهاً، كثير الرواية طبقته في الحديث وقع بهذا العنوان في إسناد كثير من الروايات تبلغ مائتين وسبعة وتسعين موردا) (3)
قال النجاشي (4) والصدوق (5): (سيف بن عميرة النخعي، عربي، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام، له كتاب يرويه جماعات من أصحابنا). ولكنهما لم يذكرا عنوان الكتاب ومضمونه.
ووردت رواياته عنهما (عليهما السلام) أيضاً في تفسير علي بن إبراهيم القمي (6) و(نوادر الحكمة) لابن عمران القمي الأشعري، و(الاستبصار) للطوسي و(كامل الزيارات) لابن قولويه وغيرها من المصادر المعتبرة
وقال العلامة عبد الهادي الفضلي: (وروى عنه المشايخ الثقات) (7)
وقد نسبه ابن شهرآشوب إلى الواقفية فقال: (سيف بن عميرة، ثقة، من أصحاب الكاظم عليه السلام، واقفي له كتاب) (8)
ويعزو السيد الخوئي هذه النسبة ــ الواقفي ــ إلى سهو القلم أو غلط النسّاخ حيث يعلق عليها بالقول: (عرفت أن سيف بن عميرة، من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام، ولم يذكر أحد أنه أدرك الرضا عليه السلام، فضلاً عن التعرّض لكونه واقفياً، فما في المعالم من أنه واقفي، من سهو القلم أو من غلط النساخ).
ثم يقول (قدس سره): (أنه نُسب إلى الشهيد الثاني تضعيف سيف بن عميرة، ولا وجه لذلك إلا توهم أنه كان واقفياً، وقد عرفت الحال في ذلك على أن الوقف لا ينافي الوثاقة، فالتضعيف باطل جزماً). (9)
ويعزز ذلك قول السيد محمد مهدي بحر العلوم فيه: (سيف بن عميرة النخعي. عربي كوفي أدرك الطبقة الثالثة والرابعة وروى عن الصادق والكاظم عليهما السلام، وهو أحد الثقات المكثرين والعلماء المصنفين، له كتاب روى عنه مشاهير الثقات ، وجماهير الرواة، كإبراهيم بن هاشم، وإسماعيل بن مهران، وأيوب بن نوح، والحسن بن محبوب، والحسن بن علي بن أبي حمزة، والحسن بن يوسف بن بقاح، وابنه الحسين بن سيف، وحماد بن عثمان، والعباس بن عامر، وعبد السلام بن سالم، وعبد الله بن جبلة، وعلي بن أسباط، وعلي بن حديد، وعلي بن الحكم، وعلي بن سيف ـ والأكثر عن أخيه عن أبيه ـ وعلي بن النعمان، وفضالة بن أيوب، ومحمد بن أبي عمير، ومحمد بن خالد الطيالسي، ومحمد بن عبد الجبار، ومحمد بن عبد الحميد، وموسى بن القاسم، ويونس بن عبد الرحيم وغيرهم).(10)
ويقول السيد جواد شبر: (وذكر السيد أقوال العلماء في جلالة سيف وفّند الطعون الواردة وبرهن على عدم صحتها) (11)
وقال الشهيد الأول محمد بن مكي: (وربما ضعَّف بعضهم سيفاً، والصحيح إنه ثقة) (12)
وقال السيد محسن الأمين: (سيف بن عميرة وثقه الشيخ والعلامة بل والنجاشي وقال ابن شهر آشوب أنه واقفي، وقال المحقق البهبهاني: قال جدي: لم نر من أصحاب الرجال وغيرهم ما يدل على وقفه وكأنه وقع منه سهواً....) (13)
كما تشهد قصيدته التي سكب فيها مشاعره الصادقة وعاطفته الخالصة على وثاقته وولائه وهي قصيدة طويلة.
شعره
قال من قصيدته:
جَلَّ المصابُ بمن أصبـنا فاعذري يا هذهِ وعن الملامةِ فاقصري
أفـمـا عـلـمـتِ بــأنَّ مــا قد نــالـنـا رزءٌ عـظيـمٌ مــثـلـه لـمْ يُـذكـرِ
رزءٌ عـظـيـمٌ لا يُـقــاسُ بـــمثـلِــهِ رزءٌ فـلم تـسـمـعْ بـه أو تبصرِ
رزءٌ بـه عـرشُ الإلــهِ مــــصابُـه والـشمسُ كـاسـفـةٌ و لمَّا تزهرِ
رزءُ الـنـبـيِّ الـمصطفى ومصيبةٌ جَـلّـت لدى الملكِ الجليلِ الأكبرِ
رزءُ الحسينِ الطهرِ أكرمُ من برا بـاري الورى من سوقةٍ ومُؤمَّرِ
مَن جدُّه الـهادي النبيُّ المصطفـى وأبوه حـيـدرةٌ عــظيـمُ المفخـرِ
والـبـضعـةُ الـزهـراءُ فـاطـمُ أمُّـه حـوراءُ طاهــرةٌ وبنـتُ الأطهرِ
وأخـوه سبط المـصطفى وحبيبُـه هذا الـشـبـيـر وصـنو ذاكَ الشبَّرِ
فأحـقُّ أن يُـــرثـى وأن يُـبكى لـه بــتــفــجُّــعٍ وتـــوجُّـعٍ وتـحـسُّـرِ
وأحـقُّ مـن إلــــفٍ نـأى أو دمنةٍ درسـتْ مـعالمُها بسطحِ المحجرِ
هـذا الـحسينُ لقىً بشاطي كربلا ظـمـآن دامي الـخـدِّ ثـمَّ الـمـنحرِ
عـارٍ بـلا كفـنٍ ولا غسلٍ سـوى مـورِ الـريـاحِ ثــلاثـةً لـم يـقـبــرِ
مقطوعُ رأسٍ هُشّمـتْ أضلاعُـه وكـسـيـرُ ظـهـرٍ كـسرُه لـم يُجبرِ
ومبـاعدٌ عـن دارِهِ و حــــمـاتِــه ومـنـازلٍ بـحـجـونِـهـا والـمشعـرِ
ومنها في أصحاب الحسين وأهل بيته (عليهم السلام):
وحريمُـه من حـولـه وحــمــاتُــه ماتوا ظما فورودُهم من كوثرِ
لم ينثنوا من نـصـرِهِ حتى غدوا أيـدي سبا فـي سوءِ حالٍ منكرِ
ما بين مضروبٍ بأبيضَ صارمٍ أو بـيـن مطعـونٍ بـلـدنٍ أسمـرِ
أو بين مـسـحـوبٍ لـيذبحَ بالعرا أو بـيـن مـشـهورٍ وآخرَ مؤسرِ
أو بين مـن يـكـبــو لثقـلِ قيـودِه أو بـيـن مـغـلـولِ الـيديـنِ مُعفَّرِ
ورضـيـعُ حولٍ بـالحسامِ فطامُه وصـغيـرُ سنٍّ عن أذىً لم يكبرِ
هـذا وزيـنُ العـابـديـنَ مـكـتّـفــاً بـالـقـيـدِ بـيـن عـصابةٍ لم تنظرِ
ويقول في نهايتها:
هـذا مــصـابٌ لـلــــنــبــيِّ وآلِـه يوم الطفوفِ جرى بصحَّةِ مَخبرِ
ما في الرزايا الــهائلاتِ رزيـةٌ بأجـلِّ مـنـهــا فـي الأمـورِ وأكبرِ
كلُّ المصائبِ لــو تعاظمَ شـأنُها هـيَ دونَ ذلـكَ فـي المحلِ الأكبرِ
عدت على أفــعالِ عادٍ واعتدتْ مـا عـقـرُ نـاقـةِ صـالحٍ من أحمرِ
وإلــيكـمُ يـا ســـادتي وأحـبـتــي شـعـرٌ كـنظمِ الـدرِّ أو كـالـجـوهرِ
حبَّـرتُ ألــفــاظـاُ فـجـاءتْ درّة هـذبـتُـهــا بجـوانـحـي وتـفـكّــري
ألـبـسـتُـها حُللَ المعاني فاغتدتْ تـسـبـي الـعــقولَ بمسمعٍ وبمنظرِ
أبهى وأسنى من عروسٍ تجتلى وأرقّ من صــهبا تروقُ بمحضرِ
سادت إذا قُرئتْ عـلـى أمـثالهـا نـظـمـاً يـعـيـبُ لــجـرولٍ ولحبتـرِ
أرثي الحسينَ بها وأرجـو منكمُ يـومَ الـمـعـادِ كرامــتي وتـوفّـري
والعفو عما قد جنيتُ من الخطا وجــرائــمٌ لــولاكــــمُ لــم تـغـفــرِ
وعبيدكمْ سـيـفُ فتى ابنِ عميرةٍ عـبـدٌ لـعـبـدِ عُـبـيــدِ حـيـدرَ قنبـرِ
وعليكمُ صلى المُـهيمنُ ما سرى أو سارَ ركـبٌ في دجىً أو مقمرِ
...............................................................
1 ــ المنتخب لفخر الدين الطريحي ص 444 / ديوان القرن الثاني للشيخ الكرباسي ص 102 ــ 115 / ونقل مطلعها السيد جواد شبر ــ أدب الطف ج 1 ص 196 / أعيان الشيعة ج 7 ص 326، المطلع فقط / دراسة في سند زيارة عاشوراء جعفر التبريزي ج 1 ص 180
2 ــ الفهرست ص 322
3 ــ معجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج ٩ ص ٣٨٤
4 ــ رجال النجاشي ص 143
5 ــ الفهرست ص 224 ــ 233
6 ــ ص ١٥٦ ــ ٣٥٥
7 ــ أصول علم الرجال ج ٢ ص ١٩٥
8 ــ معالم العلماء ص ٣٧٧
9 ــ معجم رجال الحديث ج ٩ ص ٣٨٣
10 ــ الفوائد الرجالية ج 3 ص 36
11 ــ أدب الطف ج 1 ص 196
12 ــ شرح أصول الكافي لمحمد صالح المازندراني ج ١ ص ٧٨
13 ــ أعيان الشيعة ج ٧ ص ٣٢٦
اترك تعليق