تعود البدايات الاولى لنشأة الاقواس والعقود المعمارية الى الحاجة النفعية الملحة وبالخصوص في حضارات العراق الاولى، فقد دعت الحاجة عند انشاء السقوف المسطحة إلى استعمال اوتاد حجرية او أخشاب ذات تحمل كاف للإثقال التي توضع فوقها- السقوف - .. ولكن بسبب ندرة وجود مثل هذه الاوتاد الحجرية او الأخشاب في العراق القديم لجأ البابليون والآشوريون القدماء إلى طريقة التسقيف بالأجر وعلى شكل اقواس نصف دائرية أو نصف بيضوي.. ويرتكز من الجانبين على جدارين متقابلين ضخمين تفاديا للدفع الجانبي للأحمال العالية التي تسببها هذه الأقواس أو العقود، وقد ارجع بعض الباحثين والمنقبين فكرة بناء الأقواس والعقود إلى الطريقة المستعملة في بناء بيوت القصب في العراق والحنيات المتمثلة بمجاميع القصب المنحنية والمربوطة الى بعضها البعض في مداخل تلك البيوت ووسطها.
واستمر تطور هذه التقنيات البنائية عبر العصور المتعاقبة وصولاً الى المسلمين الذين وظفوا أنواعا مختلفة من العقود في عمائرهم، وذلك تبعاً للأقاليم الإسلامية التي ينجز فيها، وقد تطورت انطلاقاً من عمارة المسجد النبوي المبسطة في اول الامر حتى استعملت بطريقة فنية جمالية ووظائفية في العقود النصف دائرية ومن ثم العقود المدببة التي ظهرت في عقود باب العامة في قصر الجوسق الخاقاني بسامراء والمميزة في عقود مجاز المسجد الأموي بدمشق.. وفي الابنية الدينية الشاخصة في ايران وبالخصوص في مسجد الشاه بأصفهان و ايضاً عند المسجد الجامع بدلهي وسط الهند، فضلاً عن عقود نعل الفرس المميزة بارتفاعها عن مراكزها وعن اوتاد العقود الحاملة لها، والتي تتألف بطبيعتها من قطاع دائري اكبر من نصف الدائرة، ويكثر استعمال هذا النوع من العقود في فنون الأندلس المعمارية وبلاد المغرب العربي.
لقد عرف العالم الإسلامي أنواعاً عديدة من العقود تختلف في أساليبها من مكان إلى أخر كما اسلفنا، اذ استخدم العقد الشبيه بحدوة الحصان في الشام والمغرب والأندلس وغيرها من الاقاليم الاسلامية الاخرى، حيث يعد العقد المدبب ابتكارا معماريا في العمارة العربية الإسلامية، هذا فضلاً عن العقد المدبب ذو المراكز الاربعة الذي طوره الفنان المسلم، والذي استخدم اول مرة في مدينة الرقة السورية عند بوابة بغداد وبالتحديد في العام 722م، وايضاً تم استخدامه في حنيات قصر الاخيضر في كربلاء عند العام 778م تقريباً، واستخدم ليضفي جمالياته الخلابة على باب العاصمة في سامراء وجميع البائكات او بمعنى ادق مجاميع الأعمدة المتتابعة والموصولة بأقواس في جامع أبي دلف، وقد عرف ايضاً العقد المدبب ذو المركزين في دمشق وفي جامع أبن طولون ، والعقد المدبب المنفرج في الجوامع التي انشأت في العصر الفاطمي.
اما لو اطلعنا على بعض انواع العقود الاخرى فهناك عقد فني رائع يجمع بين العقد المدبب ذي المركزين وعقد حدوة الحصان كما في جامع القيروان مثلا، وهناك ايضاً العقد المفصص الذي يتألف من مجموعة أقواس متتالية الذي ظهر اول نموذج له في باب بغداد في مدينة الرقة السورية ايضاً وفي نوافذ الجامع الكبير في سامراء.. كما شاع في المغرب والأندلس في القرن التاسع الميلادي على وجه التحديد.. والذي يبدو واضحاً في رواق المسجد الجامع في قرطبة الذي يعود بتأريخه إلى القرن العاشر الميلادي.
أما العقد المكون من ثلاثة فصوص فقد استخدم في مداخل المدارس المملوكية في مصر مثل مدرسة السلطان برقوق ومدرسة السلطان حسن ،فضلا عن استخدام العقد الذي تزين باقي باطنه المقرنصات والذي تميزت به اعلب العمائر الاسلامية في المغرب والأندلس، ولا يخفى ان أجمل مثال لهذا النوع من العقود نجده عند قصر الحمراء في غرناطة، ومدارس بني مرين في فاس وأضرحة السلاطين السعديين في مراكش وفي القصر العباسي الذي يرجع تاريخه إلى القرن الثالث عشر الميلادي..، ومن جانب آخر فالعقد المستقيم قد لعب ايضاً دورا مهما في العمائر الاسلامية الاولى بجمالياته العالية، فهو يتكون من أحجار متداخلة مع بعضها تكون بصفوفها خطا مستقيما، وقد استخدم في قصر الحير الشرقي الكائن في البادية السورية، كما يوجد مثال منه في المداخل الثانوية في جامع الحاكم بأمر الله الفاطمي في مصر، وتتميز بعض من هذه العقود بانها مرتبطة مع بعضها بمجاميع من الدعامات والأوتار الخشبية التي تكون أحيانا مزينة بنقوش زخرفية مختلفة.
وبالإمكان حصر أهم أنواع العقود التي استخدمها المعمار المسلم في ابداعاته الفنية بالأنواع التالية:
1. عقد نعل الفرس المدبب: ويطلق عليه تسمية العقد المخموس ، وهو عبارة عن قوس دائري.. يرتد امتدادا من أسفل عن خط امتداد كتفي العقود ويكثر استعماله في فنون الأندلس وبلاد المغرب .
2. العقد ذو الفصوص : وهو يتمثل بسلسلة من العقود الصغيرة والأقواس المتتالية، ويكثر استعماله في بلاد المغرب والأندلس ايضاً وبالتحديد في عمائر طليطلة وغرناطة.
3. العقد المزين باطنه بالمقرنصات : ونجد اعظم ابداعاته واجملها في اروقة ومداخل قصر الحمراء بغرناطة وفي بلاد المغرب ، وبالتحديد في الابداعات المعمارية لمدارس فاس .
4. العقد ذو ثلاثة فصوص : ويتكون هذا العقد من ثلاثة عقود صغيرة ، ونجده في مداخل المدارس الإسلامية في العصر المملوكي مثل مدرسة السلطان حسن ومدرسة برقوق بن نحاسين في القاهرة.
5. العقد الفارسي : ويتميز هذا العقد بانه منخفض الارتفاع ويتكون من خطين مستقيمين يتقابلان بالأعلى بزاوية منفرجة، ويتقوس طرفاها إلى الأسفل عند ارتكازهما على كتفي الحائط ، ويطلق عليه اسم العقد الفارسي كونه ظهر اول الامر في بلاد الفرس وانتشر فيها ثم انتقل منها الى تركيا والهند .
6. العقد المستقيم : اما العقد المستقيم فهو عقد مكون من أحجار متتالية تشد بعضها بعضا، أو قد تكون بصورة متداخلة ، وتكون بتداخلها او تتاليها خطا مستقيما، وينتشر هذا النوع في اغلب البلاد والاقاليم الإسلامية لسهولة تنفيذه وجماليته العالية المدعمة بأهميته الوظيفية التي لا غنى عنها.
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق