صرخة ألم وأمل..

الصرخة.. هي لوحة من ابداع الفنان العراقي الرائد (كاظم حيدر) المتميز بتجربته الفنية التي عدها البعض احدى اساسيات التحول الأسلوبي الذي شهدته الساحة الفنية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، بعيداً عن الجماعات الفنية التي انبعثت في تلك السنوات باعتبارها قواعد انطلاق في اتجاه الحداثة الفنية.

يجذب المنجز الفني المنفذ بتقنية الزيت على القماش نظر المشاهد من خلال توزيعه المساحات في المشهد لتشغل معظم مساحة اللوحة وبشكل افقي، ويحتوي المشهد على مساحات مشغولة بأشكال بشرية واخرى هندسية متلاحمة ومتجاورة و حيز من الفراغ مثل البعد المنظوري للوحة، وقد نفذت الاشكال بأسلوب تجريدي مائل للتشخيص.. يميل به الفنان إلى توزيع مفردات المشهد بإيقاع متساوٍ ومتوازن افقياً، فالأشكال المرسومة مستقرة في حركتها نسبياً سوى حركة اليدين المرتفعتين للأعلى في يمين وسط اللوحة.

تتمثل القيمة التعبيرية لهذا العمل بتصوير الفنان لمصير الأنسان الممزق الذي يقبل التحدي الواضح للمشاهد من خلال الصرخة والأشلاء الممزقة التي توزعت في معظم زوايا العمل، والتي تعلوها ذراعان ترمزان الى الآباء والشموخ بالرغم من الألم والأسى.. فقد عبر الفنان عن افكاره بأسلوب تجريدي رمزي اعتمد على الإيماءة اللونية والشكلية، ويبدو ان هذه الفكرة لا تبتعد كثيراً عن مجمل افكار الفنان كاظم حيدر العامة المتعلقة بصراع الأنسان ومحنته من اجل العيش بحرية، وان الأنسان المحاصر على الدوام بثنائية الخير والشر يحاول جاهداً مقاومة هذا الحصار ويرفض الاستسلام والهزيمة، وذلك واضح من خلال حركة الذراعان المتجهة الى الأعلى .

فالفنان ينطلق من ذاته الوجدانية و النفسية في السعي وراء معطيات الشكل الحسي، و التي يحاول التعبير عنها برؤية متصورة وذاتية تكشف عن إحساسه الحاد بالموضوع الانساني وحاجته لكشف الاحساس التعبيري وتحقيق الجمال المعنوي، فهو يكشف بشاعة الواقع وجماله في رسمته التي  تحمل في طياتها تمرد على الاساليب التقليدية والتي حاول التحرر منها بطريقة مبتكرة لتحقيق الانسجام بين الغايات الذاتية للفنان و الفكرة وبين الشكل المتخيل و المضمون في نفس الوقت، اذ اراد حيدر من خلال طريقة معالجته المنفردة للأشكال ان يوحي لنا بحدة الصراع داخل هذا التركيب الذي اتخذ منهج الهدم لبناء عمل يسوده التضاد اللوني مشكلاً بهذا التضاد وحدة لونية ساعدت بدورها المكونات الشكلية على ذلك، فقد تراكبت الأشكال بشفافية يستطيع المشاهد ان يرى أجزاء الاشكال والعناصر المخفية الأخرى من خلالها.

وقد اضافت الألوان قيمة اضافية صرحت عن الحدث، فاللون الأحمر المتدفق في منتصف مساحة سطح العمل اعطى تأثيراً للمتلقي بالانفعال والانتباه.. إضافة الى تكوين الأشلاء التي شاركت به ألوان الازرق و الأسود والبني، واعطى الفنان قيمة كبرى هذا التركيب الفني اللوني من خلال احاطة الاشكال بفضاء واسع من اللون الابيض يتوسطه في الزاوية اليسرى شكل دائري بلون اصفر يرمز به الفنان الى اشراق النور والأمل، فالفضاء في هذه اللوحة له مدلول روحي وليس مجرد فضاء بإيقاع بصري محدد في العمل الفني، اذ يتحول الى قيمة جمالية يمكن اداركها بصرياً وحسيا، فهذا الفضاء ليس مجرد خلفية بل هو المحيط المسرحي الذي آمن به كاظم حيدر ليمثل الحياة الإنسانية.. فهو المجتمع الذي يحيا فيه الأنسان ومن خلاله يوضح الفنان العلاقة بينه وبين بيئته محققا التوازن الكتلي بين جانبي اللوحة اضافة الى التوازن في الألوان.

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات