29 ــ أبو الفضل الوليد (1303 ــ 1360 هـ / 1886 ــ 1941 م)

أبو الفضل الوليد (1303 ــ 1360 هـ / 1886 ــ 1942 م)

قال من قصيدة تبلغ (115) بيتاً:

فؤادي (كربلاءُ) هوىً وحرباً     ولم يُنكر بــلاءُ الشافعيِّ

أَأَنتِ بذاكَ راضيـــةٌ لأرضى     بآلامِ الشهيــــــدِ الطالبيِّ

فقالتْ: أنتَ بالإســـــلامِ أولى     فصلِّ فسلّمنَّ على النبيِّ (1)

وقال من قصيدة أخرى:

أيا هِندُ الهوى أصلُ البلاءِ     فَصِفِّينُ انتَهَت في كَربلاءِ (2)

موقع الديوان

الشاعر

قال الزركلي في ترجمته: (إلياس بن عبد الله بن إلياس بن فرج ابن طعمة، المتلقب بأبي الفضل الوليد: شاعر، من أدباء لبنان في المهجر الأميركي.

امتاز بروح عربية نقية. ولد بقرنة الحمراء (في المتن) بلبنان، وتخرج بمدرسة الحكمة (ببيروت) وهاجر إلى أمريكا الجنوبية (1908) فأصدر جريدة (الحمراء) أسبوعية، في (ريو دي جانيرو) عاصمة البرازيل (سنة 1913 - 17) واتخذ لنفسه (سنة 16) اسماً جديداً هو (أبو الفضل الوليد) فكان يوقع به ما يكتبه. ثم تسمى (الوليد بن طعمة) و ((الوليد بن عبد الله ابن طعمة) وأبحر (سنة 1922) عائداً إلى وطنه، ثم قام برحلات في الأقطار العربية وغيرها وطبع من تأليفه: (كتاب القضيتين في السياستين الشرقية والغربية) و(نفخات الصور) مجموعة قصائد من نظمه، و (رياحين الأرواح) من نظمه في صباه، و (أغاريد وعواصف) من شعره، و(الأنفاس الملتهبة) ديوانه في الحرب العامة الأولى، و(أحاديث المجد والوجد) حوادث ووقائع عربية، و(المآلك) رسائل في الفلسفة والاجتماع، و (السباعيات) مقاطيع شعرية رتبها على حروف الهجاء، و(قصائد ابن طعمة) أولها: (في ذمة الله والإسلام والعرب) (3).

اهتم الوليد بقضية الشرق والغرب التي أثيرت في عصره اهتماماً كبيراً ويخر لها كتاباته ومؤلفاته وشعره يقول الدكتور زياد الزغبي: (لقد كان الروح العربي الإسلامي مسيطراً على أبي الفضل، ومتجلياً في كتاباته كلها، بل إنه قد حدد بوعي أن ما يكتبه يهدف لخدمة عروبته وإسلامه..) (4)

شعره

تميز شعره بنفس عربي وقد كرس أغلبه لنصرة الشعوب الشرقية والدفاع عن الإسلام والحث على مقارعة الاحتلال الغربي يقول من إحدى قصائده:

رأيتُ الشـرقَ مُـلــــكاً للنــــــــبيِّ     يُزَلزَلُ تحتَ رِجـــــــــلِ الأجنبيِّ

فحتامَ الفرنجةُ فــــــــــــي هِراشٍ     عليهِ كــــــــــأنَّهُ مــــــالُ الصّبيِّ

فقل للطامعيـــــــــــــــنَ بهِ رُويداً     قد استغنى اليتــــــيمُ عن الوصيِّ

لقَد طالَ المَطالُ على وعُــــــــودٍ     بها تُطلى مطامِعُ أشـــــــــــــعبيِّ

إذا قُلنا مَتى الإنجـــــــــــــازُ قُلتُم     حَذارِ جحافلَ المَلِــــــــــكِ الخفيِّ

تصَبَّرنا أُسُوداً في قُيُــــــــــــــودٍ     على هذا الــــــــــــــرّواغِ الثَّعلَبيِّ

وقُلنا نحن عُزلٌ فارحَـــــــمُـــونا     ولا تَتَلَطّخوا بــــــــــــــــدَمٍ زكيِّ

فصوَّبتُم مدافعَـــــــــــــــــكم إلينا     لترشُقَنا بأنواعِ الشــــــــــــــــظيِّ

ومن أموالِنا صُنعَـت لتـــــــودي     بكلِّ فتىً همامٍ ألمـــــــــــــــــــعيِّ

تدجَّجتُم ولم تُبقوا ســــــــــــلاحاً     لشعبٍ قد غدا هـــــــــدفَ الرميِّ

ولو أنّا تعــــــــــــــــادلنا وجـلنا     لأنصفنا الأصيـــــــلَ مــن الدعيِّ

فما حَطَمَ السلاحَ ســــوى سلاحٍ     يماثِلُهُ بتدبيــــــــــــــــــــــرٍ خفيِّ

فلسنا دونكم جَلَــــــــــــداً وبأساً     وأعزَلنا يُغير عـــــــــــــلى الكميِّ

ولكنَّ القذائفَ والشــــــــــــظايا     حَمَتكُم من سنان السَّمـــــــــــهَريِّ

بمائتِنا نلاقي الألــــــــــفَ منكم     وما منّا سوى البطــــــــلِ الجريِّ

زَعَمتُم أنّكم أعوانُ عـــــــــــدلٍ     تُجيرونَ الضّعيـــــــفَ من القويِّ

وفي أعمالِكم تكذيـــــــــبُ قولٍ     غدا كيّاً على الجــــــــــرحِ الدميِّ

أننصِفكُم ونحملُ كـــــــلَّ حيفٍ     فنأتي بالهديّـــــــــــــــــــةِ والهَدِيِّ

ونَنصُرُكُم وأنتم مــــــــن عُدانا     فنؤخذَ بالخَّديـــــــــــــعةِ من دَهِيِّ

ويومَ السلمِ تَنتَقِمــــــــــــونَ منا     فهَل هذي مكـــــــــــــــافأةُ الوفيِّ

فبالمرصادِ نحنُ لكــــــمْ لنقوى     ونُرغِم أنفَ مـــــــختــــــالِ عَتيِّ

سنَصبرُ حاقديــــنَ عـلى زمانٍ     به انتصرَ الخسيـسُ عـلى السريِّ

فإمّا أن يكونَ لنــــــــــــا انتقامٌ     وتظفيــــــــــــــرٌ بكلِّ فـتىً حَريِّ

وإما أن نقـــــــــــــاتِلَكُم ونَفنَى     بلا أسفٍ علـــــــــى العيشِ الدنيِّ

فإنَّ الموتَ فــي شــرَفٍ وعزٍّ     أحبُّ من الحيــــــــــــاةِ إلى الأبيِّ

سيوفُ الشــرقِ ماضيةٌ ظُباها     وأمضاها شباةُ محَمــــــــــــــــديِّ

فلم يدعِ العــلوجُ الحمــرُ سيفاً     ولا رمحاً لأحمـــــــــــسِه العصيِّ

فهل فرَجٌ لأهلِ الشرقِ يُرجى     بنجدةِ ربّةِ الشــــــــــــرقِ القصيِّ

فيَشكُرَ كلُّ مظلــــــــــومٍ فقيرٍ     مســـــــــــاعدةً من الشهّمِ السخيِّ

ومنها يخاطب أهل الشرق للنهوض بوجه الاستعمار الغربي والتوحّد حتى يتم التحرير:

أيا أهلَ المشـــــارقِ لا تناموا     فإنَّ عدوَّكُم في ألــــــــــــفِ زِيِّ

وكونوا أُمّـــــــــةً يومَ التنادي     على أُممٍ من الغَــــــــربِ الغويِّ

وصيروا بعدَهُ أُممــــــاً تآختْ     وقد عَطَفَ الصـفيُّ على الصفيِّ

كما ويحذر الشعوب العربية والشرقية من الدسائس والمؤامرات التي يحيكها الاستعمار الغربي للإيقاع بين أبناء الشعب الواحد ليسهل السيطرة عليه:

ولكنّ الدســـــــــــــــائسَ فرّقَتنا     فصرنا كالنبـــــــالِ بلا قِسيِّ

وضعفُ العزمِ والأخـلاقِ أودى     بآلافٍ لدى نفــــــــــــرٍ قويِّ

فوهنُ الشّعبِ من وَهَــنِ المزايا     ومن فَقدِ الســـــلاحِ المعنويِّ

وفي صدقِ العزيمةِ كـلُّ صعبٍ     يهونُ على الشجاعِ الأريحيِّ

أبيُّ النفسِ يَلقى الموتَ طـــوعاً     ويقحمُه ببأسٍ عنتـــــــــــريِّ

فلا عذرٌ لأعزَلَ سيــــــمَ ضيماً     فقالَ أخافُ بطـــــشةَ مدفعيِّ

قوى الأرواحِ فوقَ قـوى سلاحٍ     فرنجيٍّ يُعدُّ لمـــــــــــــشرفيِّ

فلو أن النفوسَ لها جِمـــــــــاحٌ     لكسّرنا المـــــــدافعَ بالعصيِّ

مِن الإفرَنجِ لاَ يُــــــرجى حياءٌ     فصونوا نضرةَ الوجهِ الحييِّ

فإما الحربُ في تحصيـــلِ حقٍّ     وإما السلمُ في حكـــــمٍ سويِّ

لهم ملكٌ ومـــــــــالٌ بين شعبٍ     حفيٍّ في منــــــــــازِلهِ عَرِيِّ

فوا أسفي على الشــرقيّ يَشقى     وأهلُ الغَربِ في عيشٍ رخيِّ

أضاعَ الدينَ والدنيــــــا جهولاً     ولم يكُ غيرَ مظـــــــلومٍ أذِيِّ

فحتّامَ الغضاضةُ والتغــــاضي     عن الأرزاء بالطّـرفِ القذيِّ

ويا أبناءَ يعربَ هل أصــاختْ     ضمائرُكم لتأنيــــــــبِ النديِّ

ويوجه صرخته للدفاع عن الدين الحنيف كما دافع عنه أمير المؤمنين (عليه السلام):

فَحولَ الكعبةِ العُظـــمى نجومٌ     تطالِعُكُم من الليــــــلِ الدجيِّ

أغيروا كلُّكم عربــــاً وغاروا     على الدينِ الحنيفِ الأحمديِّ

ودونَ الملكِ والإســلامِ موتوا     على حقٍّ كسيِّـــــــــدِنا عليِّ

ويشير إلى الويلات والمآسي التي تعرض لها الشعب من قبل المحتل الذي سلب خيرات البلاد وترك أهلها يعانون من الفقر المدقع:

صبرتُم صبــرَ أيّوبِ المعنّى     عَلَيهِم بـــــــــــــعدَ حلمٍ أحنفيِّ

فما عرفوا لكم صـبراً وحلماً     وهل يُرجى الندى من أعجميِّ

وهو يمني النفس بحكم هاشمي يقوم على أسس الإسلام القويم:

فيغدو الشـــرقُ حراً مستقلاً     فتجمعُهُ خــــــــــــلافةُ هاشميِّ

فالشاعر تؤرقه الأوضاع المأساوية التي تعيشها البلاد الإسلامية الواقعة تحت نير الاستعمار الأجنبي ويتألم لأوضاعها أشد الألم:

أتاني الوَحيُ في ليلٍ شجـاني     فجاشَ الشعرُ في صدري الشجيِّ

فجدتُ بهِ على قومي وعيني     تصــــــــــــونُ بقيةَ الدمعِ الذريِّ

ولو هملتْ دموعُ الحرِّ حـيناً     على البلوى لكــــــــــانتْ كالوليِّ

ألا يا حبذا ليـــــــــــلٌ جميلٌ     زواهِرهُ كأصنـــــــــــــافِ الحُلِيِّ

أرِقتُ ولذَّ لي أرقـــــي عليهِ     لسكري بالجمالِ الســــــــــرمديِّ

وما سَهري لجمــــلٍ أو لنعمٍ     ولا شَغفي بحســـــــــــــنٍ زينبيِّ

ولكنّ المراغــــــبَ سهّدتني     لأحملَ عبءَ مـــــــــــأفونٍ خليِّ

فهمِّي كلُّهُ فـــــي أمرِ قومي     ولم يستَهــــــــــــونِي لهوُ الغويِّ

إذا نلتُ المنى نفّســـتُ كرباً     وإِلا فالسلامُ عــــــــــــلى الشقيِّ

هنالِك بتُّ أرعى النجمَ بعثاً     وأحدجُهُ بمقـــــــــــــــــــلةِ بابليِّ

لعلّي أهتدي من سرّ نـفسي     إِلى سرِّ الوجــــــــــــــودِ الأوليِّ

وكأن الشاعر وجد سلوانه فيما يعيشه من غصة وألم في المثل الأعلى في قول الحق ومقارعة البغي والوقوف بوجه الظالم فيشير في أبياته إلى أنه رأى في المنام سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهي تبشره بالجزاء عند الله على شعره الذي يحث فيه أمة أبيها (صلى الله عليه وآله) للدفاع عن الدين والمقدسات:

ولمّا أن هجــــــعتُ رأيتُ طيفاً     يحييــــــــــني بثغرٍ لؤلؤيِّ

فضاعَ الطيــبُ منه ومن نقابٍ     يُرفرفُ فــوقَ بُردٍ أتـحميِّ

تلألأتِ الجـــــــواهرُ فيه حتى     رأيتُ كواكبَ الأفُـقِ البهيِّ

فلاحت خيرُ من لبــست نطاقاً     وعلّت مــن زلالٍ كــوثريِّ

فقالت وهي بـــــــــاسمةٌ سلامٌ     على من شِعرُهُ مـثل الأتيِّ

هَبطتُ إليـــكَ من جنّاتِ عدنٍ     فطِب نفساً بطيـبٍ طوبويِّ

وخذ منه نشــــــاطاً واعتزاماً     وخفّف لوعـة القـلبِ العنيِّ

حظيتَ الحظوة الكبرى جزاءً     لما أُوتيتَ من خُلُقٍ رضيِّ

فمثلُكَ من يكونُ لفخرِ قومٍ     إذا افتخروا بشـــــــهمٍ لوذعيِّ

إِلى العربِ انتميتَ وأنت برٌّ     فيا لك من أخي عربٍ هديِّ

فقلت: وقد سـجدتُ لها سلامٌ    على هذا الجـــــلالِ الفاطميِّ

أيا بنتَ النبيِّ رفــعتِ قدري     بتقريـــــبي إلـى الملأ العليِّ

فهانَ عليَّ دون حماكِ موتي     وهذا الموتُ فـخرُ العبقريِّ

فنفسي كلها طـــربٌ وشوقٌ     لرؤيــــــا بيـن أنوارِ الحبيِّ

ثم يطلب منها (سلام الله عليها) الشفاعة وأن تلهمه الصبر ويعزيها بولدها سيد الشهداء (عليه السلام):

أسيّدة النســـــــــــاءِ وأنتِ أبهى     من المريـــخِ فــــي الفلكِ النقيِّ

على روحي أفيضي النورَ حتى     أرى فجراً علـــى روضٍ نديِّ

لقد جرّدتُ من شعــــري سيوفاً     تذودُ عن الضــــــريحِ اليثربيِّ

وقد أشعَلتُ بالفــــــــــرقانِ لبِّي     فهذي النارُ من صدري اللظيِّ

فؤادي (كربلاءُ) هــوىً وحرباً     ولم يُنكر بـــــــــــلاءُ الشافعيِّ

أَأَنتِ بذاكَ راضيـــــةٌ لأرضى     بآلام الشهيـــــــــــــــدِ الطالبيِّ

فقالتْ: أنتَ بالإســــــلامِ أولى     فصلِّ وسلّمـــــــــنَّ على النبيِّ

................................................

1 ــ موقع بوابة الشعراء بتاريخ 17 / 9 / 2010

2 ــ موقع الديوان

3 ــ الأعلام للزركلي ج ٢ ص ١٠ عن أعلام اللبنانيين ص 55 ومجلة الكتاب ج 3 ص 821

4 ــ الدكتور أياد الزغبي ــ الغرب والشرق واللقاء المستحيل .. قراءة أولى في صحائف أبي الفضل صحيفة الرأي بتاريخ 4 / 7 / 2014

كتب عنه:

وليد مشوح ــ أبو الفضل الوليد ــ الشاعر المضيَّع دمشق ـ 1985

المرفقات

: محمد طاهر الصفار