هلّ المحرمُ فاستهــــــــــــلّ مكبّرا *** وانثرْ به دررَ الدمـوعِ على الثرى
وانظرْ بغرّته الهـــــلالَ إذا انجلى *** مسترجعاً متفــــــــــــــجّعاً متفكّرا
واقطفْ ثمارَ الحزنِ من عـرجونِه *** وانحرْ بخنجرِهِ بمقلتـــــــكَ الكرى
وانسَ العقيقَ وأُنْسَ جيــــرانِ النقا *** واذكرْ لنا خبرَ الطفوفِ وما جرى
واخلعْ شعارَ الصبرِ منكَ وزرِّ من *** خلعَ السقامَ عليكَ ثـــــــوباً أصفرا
فثيابُ ذي الأشجانِ أليـــــــــقها به *** ما كان من حمرِ الثيابِ مـــــزرَّرا
شهرٌ بحكـــــــمِ الدهرِ فيه تحكّمتْ *** شرُّ الكلابِ السـودِ في أسْدِ الشرى
للهِ أيُّ مصيـــــــــــــــــبةٍ نزلتْ به *** بكتِ السماءُ لها نجـيـــــــعاً أحمرا
خطبٌ دهى الإســـلامَ عند وقوعِهِ *** لبستْ عليه حـــــــــدادَها أمُّ القرى
بهذه الأبيات يستهل الشاعر السيد شهاب الدين الموسوي المعروف بـ (أبي معتوق) قصيدته العاشورائية التي تبلغ (64) بيتاً وهو يستقبل شهر محرم بشعار الحزن والحداد.
فأجواء الحزن والأسى العميق على الإمام الحسين (ع) وهو سبط خاتم الأنبياء (ص) لا تقتصر على البشر, فهو (ع) ابن مكة ومنى, وابن زمزم والصفا, وهو خامس أصحاب الكساء, لذا فقد غشي الحزن أرض النبوة, واكتست بالحداد أرض الحرام:
أو ما ترى الحرمَ الشريفَ تكادُ مِن *** زفراتِهِ الجمــــــــراتُ أن تتسعّرا
وأبا قبيسٍ في حشـــــــاهُ تصاعدت *** قبســـــاتُ وجدٍ حرُّها يَصلي حرا
علمَ الحطيــــــــمُ به فحطّمه الأسى *** ودرى الصفا بمصــــــــابِهِ فتكدّرا
واستشعرتْ منه المشـــــاعرُ بالبلا *** وعفا مُحسَّــــــــرها جوىً وتحمّرا
قُتل الحسيـــــــــــنُ فيالها من نكبةٍ *** أضحى لها الإســــــلامُ منهدمُ الذُرا
فالحسين ليس فقط حفيد النبي (ص), والارتباط بينهما ليس في النسب فقط, بل هو الامتداد الطبيعي لدعوته الشريفة, ويؤكد ذلك الحديث الشريف: (حسين مني وأنا من حسين), وهو (ع) لذلك أبو الأئمة من ولده والنبي (ص) أول المعزين بفقد ولده:
قتلٌ يدلــــــــــــــــكَ إنّما سرُّ الفدا *** في ذلكَ الذبــــــــــــحِ العظيمِ تأخّرا
رؤيا خليــــــــــــلِ اللهِ فيه تغيّرتْ *** حقّاً, وتأويلُ الكتـــــــــــــابِ تفسّرا
رزءٌ تــــــــداركَ منه نفسُ محمّدٍ *** كدراً وأبكـــــــــــــــى قبرَه والمنبرا
أهدى السرورَ لقلــــبِ هندٍ وابنها *** وأســــــــــاءَ فاطمةً, وأشجى حيدرا
ويل لقــــــــــــــــــاتلِهِ أيدري أنّه *** عادى النبــيَّ وصنوه ؟ أم ما درى ؟
شلّت يداه لقد تقمّــــــــصَ خزيةً *** يأتي بها يومَ الحســـــــــــــابِ مؤَزّرا
ويطفح الحزن بالشاعر وهو يستعرض ما جرى في كربلاء على سيد الشهداء (ع) وأهل بيته ونسائه فاللهفة تتكرر في بداية كل بيت أو نفثة حرى يطلقها الشاعر:
حزني عليــــــــهِ دائمٌ لا ينقضي *** وتصبّـــــــــــــــري مـني عليَّ تعذّرا
وارحمتاه لصــــــــارخاتٍ حوله *** تبكي له ولوجـــــــــــــــهِها لن تسترا
ما زال بالرمــــحِ الطويلِ مدافعاً *** عنها ويكفــــــــــــــــلها بأبيـضَ أبترا
ويصونُها صـونَ الكريمِ لعرضِهِ *** حتى له الأجلُ المتـــــــــــــــاحُ تقدّرا
لهفي على ذاكَ الذبيــــحِ من القفا *** ظلماً وظلّ ثـــــــــــــــــلاثةً لن يُقبرا
ملقى على وجهِ التــــــرابِ تظنه *** داودَ في المحرابِ حيـــــــــن تسوَّرا
لهفي على العاري الســليبِ ثيابَه *** فكأنّه ذو النــــــــــــــــونِ يُنبذُ بالعرا
لهفي على الهاوي الصـريعِ كأنه *** قمرٌ هوى من أوجـــــــــــــــهٍ فتكوّرا
لهفي على تلكَ البنانِ تقـــــطّعت *** ولو أنها اتصلت لكــــــــــــانتْ أبحرا
ولموقف أبي الفضل العباس تأثير كبير في نفس الشاعر استمد منه أسمى معاني الإباء والبطولة, ذلك الموقف الذي أذهل الأجيال وألهمها دروس الوفاء والإباء:
لهفي على العبــاس وهو مُجندلٌ *** عرضت منيّـــــــــــــــــــته له فتعثرا
لحقَ الغبـــــــــارُ جبينَه ولطالما *** في شأوِهِ لحقَ الكــــــــــــــرامُ وغَبّرا
سلبته أبناءُ اللئــــــــــــامِ قميصَه *** وكسته ثوباً بالنجيــــــــــــعِ مُعصفرا
فكأنما أثرُ الدمــــــــــــاءِ بوجِهِه *** شفقٌ على وجهِ الصبــــــــاحِ قد أنبرا
حرٌ بنصرِ أخيهِ قامَ مُجـــــــاهداً *** فهوى المماتُ على الحيـــــــــاةِ وآثّرا
حفظ الإخـــــــاءَ وعهدُه وفّى له *** حتى قضى تحتَ السيــــــــوفِ مُعفّرا
ويتمنّى الشاعر أنه لو كان حاضراً يوم الطف وهو إحساس يخالج نفسه ويهزّه من الأعماق، ويفيض على روحه:
من لي بأن أفــدي الحسينَ بمهجتي *** وأرى بأرضِ الطفِّ ذاكَ المحضرا
فلو استطـــــــعتُ قذفتُ حبَّة مقلتي *** وجعلتُ مدفنَه الشـــــريفَ المحجرا
روحي فدى الرأسِ المفارقِ جسمَه *** ينشي التلاوةَ ليــــــــــــــلَه مُستغفرا
ريحـــــــــانةٌ ذهبت نضارةُ عودِها *** فكأنّهـــــــــــا بالتربِ تسقي العنبرا
ومضرّجٍ بدمــــــــــــــــــائِهِ فكأنّما *** بجيــــــــــــــــوبِهِ فتّتت مسكاً أذفرا
عضبٌ يدُ الحدثــــــــان فلّتْ غربَه *** ولطــــــــــالما فلقَ الرؤوسَ وكسَّرا
ومثقّفٍ حطمَ الحِمــــــــــــامِ كعوبَه *** فبكــــــــــــــى عليهِ كلُّ لدنٍ أسمرا
عجباً له يشــــــــــــكو الظماءَ وإنّهُ *** لو لامسَ الصــــــخرَ الأصمَّ تفجّرا
يلجُ الغبـــــــــــــــارَ به جوادٌ سابحٌ *** فيخوضُ نقعَ الصافنــــــاتِ الأكدرا
طلبَ الوصـولَ إلى الـــورودِ فعاقه *** ضربٌ يشبُّ على النـواصي مِجمرا
ويلٌ لمن قتلـوه ظمـــــــــــــــآناً أما *** علموا بأنّ أبــــــــــاهُ يسقي الكوثرا
لم يقتــــــــــــــلوه على اليقينِ وإنّما *** عرضتْ لهم شبـــــه اليهودِ تصوّرا
لعنَ الإلهُ بنــــــــــــــــي أمية مثلما *** داودُ قد لعـــــــــــــــنَ اليهودَ وكفّرا
وسقاهم جُـــــــرعَ الحميمِ كما سقوا *** جرعَ الحِمـــــــامِ ابن النبيِّ الأطهرا
كما يتمنى لو كان قومه حاضرين .. وهو إحساس يتدفّق من ولاء الشاعر وعقيدته ويمليه عليه دينه بوجوب نصرة الإمام الحسين (ع) فيعيشه ويتفاعل معه رغم البعد الزماني والمكاني:
يا ليـتَ قومي يولــــــــدونَ بعصرِهِ *** أو يسمـــــــــعونَ دعاءَه مُـستنصرا
ولو أنهم سمـــــــــــــعوا إذاً لأجابَه *** منهم أسودُ شــــــــرّىً مؤيدةَ القُرى
من كل شهـــــــــــــــمٍ مهدويٍّ دأبُه *** ضربُ الطلا بالسيفِ أو بذلُ القِرى
من كلِّ أنمـــــــــــلةٍ تجودُ بعارضٍ *** وبكلِّ جــــــــــارحةٍ يريكَ غضنفرا
قومٌ يرونَ دمَ القـــــــــــرونِ مدامةً *** وريــــاضُ شربِهم الحديدُ الأخضرا
ويختم قصيدته بمدحه لأهل البيت (ع) ويصله بفخره بانتسابه لهم وهو غاية الفخر فبهم تشرف بالسيادة وبحبهم توشح بوسام الفوز والنجاة:
يا ســـادتي يـــــــــــا آلَ طهَ إنَّ لي *** دمعاً إذا يجري حديـــــــــثكم جرى
بي منكمُ كاسمي شهـــــــــابٌ كلّما *** أطفيته بالدمـــــــــــعِ في قلبي ورى
شرّفتموني في زكـــــــــيِّ نجارِكم *** فدُعيتُ فيــــــــــكم سيداً بين الورى
أهوى مدائحــــــــكم فأنظمُ بعضَها *** فأرى أجلَّ المــــــــدحِ فيكمْ أصغرا
ينحطّ مـدحي عن حقيـــــقةِ مدحِكمْ *** ولو انني فيــــــــكمْ نظمتُ الجوهرا
هيهــــاتَ يستوفي القريضُ ثناءَكم *** لو كــــــــان في عددِ النجومِ وأكثرا
يا صفـــــوةَ الرحمنِ أبرأ من فتى *** في حقكم جـــــحدَ النصوصَ وأنكرا
وأعوذُ فيــــــــكم من ذنوبٍ أثقلتْ *** ظهري عســـــــى بولائِكم أن تغفرا
فبكمْ نجاتي فـــي الحياةِ من الأذى *** ومن الجحيـــــمِ إذا وردتُ المَحشرا
فعليكمُ صلّى المهيـــــــــــمنُ كلما *** كرَّ الصباحُ عـــــلى الدّجى وتكوّرا
دخول
آثرنا الدخول على الشاعر شهاب الدين الموسوي من خلال هذه الإطلالة المتوهّجة, فهذه القصيدة العاشورائية تعد من عيون ديوان الشاعر وتبلغ (64) بيتاً وقد ذكرها كاملة السيد جواد شبّر (1) والشيخ الكرباسي (2) وذكر قسم منها في رياض المدح والرثاء
ويُستشف من خلال هذه القصيدة أن الشاعر حمل قضية مقدّسة فعاشها وصوّرها وجسّدها في شعره فملأت وجدانه وتخللت فكره فكانت رسالته التي بقيت بعده, ألا وهي قضية أهل البيت (ع) فتخلد اسمه في ضمير الزمن ودوّى صدى صوته في سماء الأدب العربي.
نسبه ومولده
ينتمي الشاعر السيد شهاب الدين الموسوي إلى أشرف نسب حيث يتصل بالإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) وقد ذكر السيد ضامن بن شدقم نسبه كاملاً إلى الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) حيث قال:
السيد شهاب الدين بن أحمد بن ناصر بن حوزي بن لاوي بن حيدر بن المحسن بن محمد مهدي بن فلاح بن مهدي بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن الرضا بن إبراهيم بن هبة الله بن الطيب بن أحمد بن محمد بن القاسم بن محمد أبي الفخار بن أبي علي نعمة الله بن عبد الله بن أبي عبد الله جعفر بن موسى بن محمد بن موسى بن أبي جعفر عبدالله ابن الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع). (3)
ولد السيد شهاب الدين في البصرة عام (1025هـ ــ 1616م) وقد أطلق عليه لقب (ابن معتوق الموسوي) واشتهر به حتى صُدّر ديوانه باسم (ديوان أبن معتوق), وهو خطأ فالصحيح هو (ديوان أبي معتوق) لأنه ليس في أجداده من اسمه معتوق كما يلاحظ، بل له ابن أسمه السيد معتوق وقد جمع ديوان أبيه فكأنه كان يسمى في الأصل (ديوان أبي معتوق) ثم قيل (ابن معتوق) لأنه أخف على اللسان كما قال بذلك السيد محسن الأمين نقلاً عن ملحق السلافة وكتاب الأنوار. (4)
كما أشار إلى هذا الشيء المحقق الشيخ آغا بزرك الطهراني في عندما ذكر ديوان ــ أبي معتوق ــ فقال: (جمع الديوان ولد الناظم معتوق بن شهاب الدين بعد موت والده ورتبه على ثلاثة فصول: المدائح والمراثي والمتفرقات.. الخ) ثم قال: (وطبع مرة على الحجر بمصر عام 1271 وأخرى على الحروف بمطبعة شرف عام 1302 وأخرى بالإسكندرية عام 1290 وأخرى ببيروت عام 1885) وأول قصائد اديوان في مدح النبي (ص) ... (5)
قالوا فيه
قال عنه السيد ضامن بن شدقم: (كان المترجم له من عباقرة شعراء أهل البيت (ع) فخم اللفظ، جزل المعنى) ثم قال: (كان سيداً جليلاً، حسن الأخلاق، كريم الأعراق، فصيحاً أديباً شاعراً) ثم ذكر نبذة من شعره.
وقال بطرس البستاني: (كان من أعيان القرن الحادي عشر وكان له شعر رقيق وشعر منسجم). (6)
وقال عنه أحمد الإسكندري: (شاعر العراق في عصره وسابق حلبته في رقة شعره ولد سنة 1025 ونشأ بالبصرة وبها تعلم وتأدب وقال الشعر وأجاده وكان في نشأته فقيراً). (7)
تهمة وتفنيد
أبى الإسكندري إلا أن يلصق بالشاعر أبي معتوق ما لم يكن فيه فاتهمه بالغلو لأنه لا يتلاءم مع هواه ومذهبه فقال في نهاية حديثه عن الشاعر: (وابن معتوق من كبار الشيعة لنشوئه في دولة شيعية غالية فأفرط في التشيع في شعره وجاء في مدح علي والشهيدين بما يخرج عن حد الشرع والعقل ويمتاز شعره بالرقة وكثرة الاستعارات والتشبيهات حتى لتكاد الحقيقة تهمل فيه جملة).
وفي الحقيقة إن من يقرأ ديوان أبي معتوق لا يجد هذا الشيء الذي قاله الإسكندري فيه من الغلو الذي يخرج عن حدّ الشرع والعقل بل يجد أن الإسكندري هو الذي أفرط في وصفه هذا, فلم يكن الشاعر مغاليا أو مفرطاً أبداً, بل إنه مدح أمير المؤمنين (ع) والأئمة من ولده وفق ما وصل إلينا من النصوص والروايات المعتبرة عن النبي (ص) في فضلهم.
ونترك الرد على الإسكندري للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني الذي رد على قول الإسكندري ما نصه:
لم يكن شاعرنا أبو معتوق العلويّ نسباً ومذهباً، العلويّ نزعةً وأدباً، ببدع من بقيّة موالي أهل بيت الوحي صلوات الله عليهم وشعرائهم المقتصدين البعيدين عن كلّ إفراط وغلوّ، المقتصِّين أثر الشرع والعقل في ولاء آل الله، ومديح فئة النبوّة، وحملة أعباء الخلافة، وكذلك الدولة الصفويّة العلويّة لم تكن كما حسبه الإسكندري غالية في التشيّع، وكلّ ما أثبته الشاعر واعتقدت به دولة المجد الصفوي من فضائل لسروات المكارم من أئمّة الهدى صلوات الله عليهم هي حقائق راهنة يخضع لها العقل، ولا يأباه المنطق، وهي غير مستعصية على الأصول المسلّمة من الدين، وأمّا هذا الذي قذفه وإيّاهم من الغلوّ والإفراط والخروج عن حدِّ الشرع والعقل فإنَّما هو من وغر الصدر الذي لم يفتأ تغلي به مراجل الحقد منذ أمد بعيد، ومنذ تشظّى عن الحزب العلويّ خصماؤهم الألدّاء، فهملجوا مع الإفك، وارتكضوا مع هلجات الباطل، وإلاّ فهذا ديوان أبي معتوق بمطلع الأكمة من القارئ، وتلك صحيفة تاريخ الصفويّة البيضاء في مقربة من مناظر الطالبين، وكلٌّ منهما على ما وصفناه، لكنّ الإسكندري راقه القذف فقال، وليست هذه بأوّل قارورة كسرت في الإسلام، ونحن عرّفناك الفئة الغالية، وأنّها غير الشيعة، والله هو الحكم العدل. (8)
لقد أجاد شيخنا الأميني وأبدع في رده على الاسكندري قوله ونفى تهمة الغلو عن أبي معتوق ولا ندري على أية رواية استند الاسكندري عندما أطلق تهمته فلو أن شاعراً جاء بأضعاف ما جاء به ابن معتوق في مدح من يعتقد بهم الإسكندري والذين هم أدنى وأقل شأناً من مقام أهل البيت (ع) لما أطلق الاسكندري عليه هذه التهمة ولكنه استكثر مدح أهل بيت الرحمة وموضع الرسالة ونجوم السماء لأهل الأرض وسفن النجاة.
شعره
كان أبو معتوق كثير الاعتناء بقصائده وتهذيبها وتنقيحها إلى أن تصبح محكمة البناء, قوية السبك, واضحة المعاني ويلاحظ ذلك في قصائده التي سيقتصر ذكرنا لها فيما اختص بمدائح ومراثي الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته الكرام الطاهرين (ع) وأبرز ما يميّزها هو طول النفس والمقدمات الطويلة بإجادة ومن هذه القصائد مطولة في مدح الرسول (ص) مطلعها:
هذَا الْعَقِيــــــــــــقُ وَتَلْكَ شُمُّ رِعَانِهِ *** فَامْزُج لُجْيَــن الدَّمْـعِ مِنْ عِقْيَانِهِ
ويقول فيها:
خَيْرِ النَّبِيِّيـــــــــنَ الَّذِي نَطَقَتْ بِهِ الْــــــــــــــــتوراةُ والإنجيـــــــــلُ قبلَ أوانهِ
كَهْفُ الْوَرَى غَيْثُ الصَّــرِيخِ مَعَاذُهُ *** وَكَفِيــــــــلُ نَجْدَتِهِ وَحِصْنُ أَمَانِهِ
الْمُنْطِقُ الصَّخْــــــــــرَ الأَصَمَّ بِكَفِّهِ *** والمخــــــــرسُ البلغاءَ في تبيانهِ
لطفُ الإلهِ وســـــــــرُّ حكمتهِ الذي *** قد ضاقَ صدرُ الغيثِ عن كتمانهِ
قِرْنٌ بِهِ التَّوْحِيـــــــدُ أَصْبَحَ ضَاحِكاً *** وَالشِّرْكُ مُنْتَحِبــــــــاً عَلَى أَوْثَانِهِ
نَسَخَتْ شَرَائِعُ دِينِـهِ الصُّحُفَ الأُلَى *** فِي مُحْكَمِ الآيَــــــــاتِ مِنْ فُرْقَانِهِ
تمسي الصّوارمُ في النّجيعِ إذا سطا *** وخدودها مخضـــــــــوبةٌ بدهانهِ
ويقول فيها:
جِبْرِيـــــــــلُ مِنْ أَعْوَانِهِ مِيَكالُ منْ *** أخدانـــــــــــهِ عزريلُ من أعوانهِ
نُورٌ بَدَا فَأَبَانَ عَنْ فَـــــــــلَقِ الْهُدَى *** وجلا الضَّــــلالةَ في سنى برهانهِ
شَهِدَتْ حَــــــــوَامِيمُ الْكِتَابِ بِفَضْلِهِ *** وكفى بـــــــــــهِ فخراً على أقرانهِ
سَلْ عَنْهُ يَاسِــــــينَا وَطهَ وَالضُّحَى *** إِنْ كُنْــــــــــتَ لَمْ تَعْلَمْ حَقِيقَةَ شَانِهِ
وسلِ المشـــاعرَ والحطيمَ وزمزماً *** عن فخرِ هـــــاشمهِ وعن عِمرانهِ
ويقول منها أيضاً:
يَا سَيِّـــــــدَ الْكَوْنَيْنِ بَلْ يَا أَرْجَحَ الـــــــــــــــــــــــــــثَّقَلــيْنِ عِنْـدَ اللهِ فِي أَوْزَانِهِ
والمخجلَ القمرَ المنيــــــــــــرَ بتمهِ *** فِي حُسْنِهِ وَالْغَيْــــــثَ مِنْ إِحْسَانِهِ
والفارسُ الشهمُ الّذي غبــــــــــراتهُ *** من ندّهِ والسمـــــــــرُ من ريحانهِ
عُذْراً فَإِنَّ الْمَدْحَ فِيــــــــــكَ مُقَصِّرٌ *** وَالْعَبْدَ مُعْتَــــــــــرِفٌ بِعَجْزِ لِسَانِهِ
ما قدرهُ ؟ ما شعرهُ بمــــــــديحِ من *** يثني عليـــــــــــــهِ اللهُ في قرآنهِ ؟
لولاكَ ما قطــــعت بيَ العيسُ الفلا *** وطـــــــــــويتُ فدفدهُ إلى غيطانهِ
ويقول في آخرها
أَمَّلْتُ فِيــــــكَ وَزُرْتُ قَبْرَكَ مَادِحاً *** لأَفُوزَ عِنْدَ اللهِ فِـي رِضْــــــــــوَانِهِ
عبدٌ أتاكَ يقــــــــــودهُ حسنُ الرجا *** حاشـــــــــا نداكَ يعودُ في حرمانهِ
فاقبل إنــــــــــــــــــــابتهُ إليكَ فإنهُ *** بِكَ يَسْتَقِيـــــــــــلُ اللهَ فِي عِصْيَانِهِ
فاشفعْ له ولآلـــــــــــــه يومَ الجزا *** ولوالديـــــــــــــهِ وصالحي إخوانه
صَلَّى الالهُ عَلَيْـكَ يَا مَوْلَى الوَرَى *** ما حنَّ مغتــــــــــــربٌ إلى أوطانهِ
ومن قصائده أيضا في مدح الرسول (ص) قصيدة تجاوزت المائة بيت عارض بها قصيدة (البوصيري) المشهورة بالبُردة وقد نظمها أثناء زيارته إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة كما ذكر ذلك في القصيدة ومطلعها:
لا برَّ في الحُبِّ يا أهلَ الهوى قسَمي *** ولا وَفَـتْ للعُلى إنْ خُنتُكُمْ ذِمَـمي
ويقول فيها
غُرٌّ عن الدُرِّ لم تفضُـــــلْ مَباسِمَهُمْ *** إلّا سَجـــايا رسولِ اللّهِ ذي الــكرَمِ
مُحمّدٍ أحمد الهـــــادي البشير ومَنْ *** لولاه في الغَيّ ضلّتْ ســائرُ الأمَمِ
مُبــــــــــــاركُ الإسمِ مَيمونٌ مآثرهُ *** عمّــــــتْ فآثارُها بــالغَوْرِ والأكَمِ
طَوْقُ الرســالةِ تاجُ الرُّسْل خاتِمُهُمْ *** بل زينةٌ لِعبـــــــــــــــــادِ اللَّهِ كُلِّهمِ
نورٌ بَدا فاِنجـــــــلى غمُّ القلوبِ بهِ *** وزالَ ما في وُجوهِ الدّهْرِ من غُمَمِ
ويقول منها في آل النبي (ص):
ذُرّيَّةٌ مِثلُ مَـــــاءِ الْمُــــزْنِ قَدْ طَهُرُوا *** وطهّروا فصـــــفت أوصاف ذاتهمِ
أَئِمَّةٌ أَخَـــــذَ اللهُ الْعُـــــــــــــــهُودَ لَهَمْ *** عَلَى جَمِيــــعِ الوَرَى مِنْ قَبْلِ خَلْقِهِمِ
قَدْ حَقَّقَتْ سُورَةُ الأحْـزَابِ ما جَحَدَتْ *** أَعْــــــــدَاؤُهُمْ وَأَبَــانَتْ وَجْهَ فَضْلِهِمِ
كفاهمُ ما بـ(عمى) و(الضّـحى) شرفاً *** و(النُّورِ) و(النَّجْمِ) مِنْ آي أتَتْ بِهِمِ
سلِ (الحواميم) هل في غيرهم نزلتْ *** و(هل أتى) هــــــل أتى إلّا بمدحهمِ
أكارمٌ كرمت أخلاقـــــــــــــهم فبدت *** مِثْلَ النُّجُـــــــــومِ بِماءٍ في صَفَائِهِمِ
أطايبٌ يجدُ المشتـــــــــــــاقُ تربتهم *** ريحٌ تدلُّ عـــــــــــــلى ذاتيِّ طيبهمِ
ويختم هذه القصيدة أيضاً بذكر النبي وآله الطاهرين فيقول:
همُ وإيّاهُ ســـــــاداتي ومُســـتَنَدي الـــــــــــــــــأقوى وكعبـــةُ إسلامي ومُستَلَمي
شُكراً لآلاء ربّي حيـــــــــثُ ألهمَني *** ولاهُمُ وسَقــــــــــــاني كأسَ حُبّهمِ
لقد تشرّفْتُ فيــــــــــهمْ محْتِداً وكَفى *** فخراً بأنّيَ فرعٌ منْ أصــــــــــولِهمِ
أصبَحْتُ أُعــزى إليهمْ بالنّجارِ على *** أنّ اِعتقــــــــــادِيَ أنّي منْ عَبيدهمِ
يا سيّـــــــدي يا رسولَ اللَّهِ خُذْ بيَدي *** فقدْ تحمّـــــــــــــلْتُ عِبئاً فيه لمْ أقُمِ
أَستغفِرُ اللَّهَ ممّـــــــــا قد جَنَيْتُ على *** نفسي ويا خَجَــــــلي منهُ ويا ندَمي
إنْ لم تكُنْ لي شَفيـعاً في المَعادِ فمَنْ *** يُجيرُني من عَـــــــــذابِ اللَّه والنِقَمِ
مَولايَ دعوةَ محتـــــــاجٍ لنُصـرَتِكُمْ *** ممّا يَسوءُ وما يُفضـــــي إلى التُهمِ
تَبلى عِظامي وَفيها من مـــــــودّتِكُم *** هوىً مُقيمٌ وشـــــوقٌ غيرُ منصرِمِ
ما مرّ ذِكــــــــــــــرُكُم إلّا وأَلزَمني *** نثرَ الدموعِ ونَظــمَ المَدْحِ في كَلِمي
علَيكمُ صَلواتُ اللّهِ مـــــــــا سَكِرَتْ *** أرواحُ أهلِ التُقى فــــي راحِ ذِكرِهمِ
أما في أمير المؤمنين فلأبي معتوق عدة قصائد منها جيميته الشهيرة والتي تبلغ أربعين بيتاً وفيها يمدح أيضاً السيد علي خان المشعشعي ويذكر كتابه (خير المقال في الإمامة) والذي أبان فيه عن حديث الغدير وأثبت صحته ونفى ما أحاط به الحاقدون من شكوك حيث يبدأ قصيدته كعادته بمقدمة طويلة مطلعها:
خَلَطَ الْغَرَامُ الشَّجْوَ فِي أَمْشَـــــاجِهِ *** فَبَكَى فَخِلْتُ بُكَــــــــــــاهُ مِنْ أَوْدَاجِهِ
إلى أن يقول:
نورٌ مُبيـــــنٌ قد أنار دُجى الهَوى *** ظلم الضّـــــــــلالة في ضياءِ سِراجهِ
وغديرُ خمٍ بعدَمـــــــــــا لعبَتْ به *** ريحُ الشّكــــــــــوكِ وآضَ من لجّاجِهِ
أمطَرْتَهُ بسحــــــــــــــابةٍ سمّيْتَها *** خيرَ المَقــــــــــالِ وضاقَ في أمواجِهِ
وأبَنْتَ في نُكَتِ البيـانِ عن الهُدى *** فأرَيْتَنا المَطمــــــــــــوسَ من مِنْهاجِهِ
ولأبي معتوق قصيدة في مدح أمير المؤمنين (ع) يستهلها بالقول:
غَرَبَتْ مِنكـــــــمُ شُمُوسُ التَّلاَقِي *** فبدتْ بعدها نجـــــــــــــــــــومُ المآقيْ
وفيها يقول:
فـــــــــاقتِ الدَّهرَ مــثلَ ما قدْ فــــــــــــــــازَ قدرُ الوصــــــــــــــــــــــيِّ بالآفاقِ
سيُّدُ الأوصيــــــاءِ مولى البرايا *** عُرْوَةُ الدِّين صَفْــــــــــــــــــوَةُ الْخَلاَّقِ
مَهْبَطُ الْوَحْي مَعْـدِنُ الْعِلْمِ والإِفْـــــــــــــــــضالِ لا بل مقــــــــــــــــدِّرُ الأرزاقِ
بدرُ أفقِ الكمالِ شمسُ المعــالي *** غَيْثُ سُحْبِ النَّــــــــــــوَالِ لَيْثُ التَّلاَقِ
ضَارِبُ الشُّوْسِ بِالظُّبَى ضَرْبَهُ الْبُخْــــــــــلَ بَمَاضِي مَكَــــــــــــــــارِمِ الأَخْلاَقِ
قَلْبُ أَجْــــــــرَى الأُسُودِ إِذْ يَلْتَقِيــــــــــــــــهِ كَوِشَــــــــــــــــاحِ الْخَرِيدَةِ الْمِقْلاَقِ
حُكْمُهُ الْعَدْلُ في الْقَضَـايَا وَلكِنْ *** جَائِرٌ في نُفُـــــــــــــــــوسِ أَهْلِ الشِّقَاقِ
وفيها يعدد بعض فضائل أمير المؤمنين (ع)
مَنْ سَقَى مَرْحَبَ الْمَنُونَ وَعَمْراً *** وأَذَاقَ الْقُــــــــــــــــرُونَ طَعْمَ الزُّعَاقِ
مَنْ أَبَاحَ الْحُصُــــونَ بَعْدَ امْتِنَاعٍ *** ومحا بالحســـــــــــــــــامِ زبرَ الغساقِ
مَنْ أَتَى بِالْوَلِيـــــدِ بِالرَّوْعِ قَسْراً *** بَعْدَ عِــــــــــــــــــــزِّ الْعُلاَ بِذُلِّ الْوَثَاقِ
من رقيَ غـــاربَ النبيِّ وأمسى *** معهُ قائمـــــــــــــــــــــــــاً بسبعٍ طباقِ
مَنْ بِفَجْرِ النِّصَــــالِ أَوْضَحَ دِيناً *** طالمـــــــــــــــــــــا كانَ قاتمَ الأعماقِ
ويقول في آخرها:
قد سلكتُ الطريقَ نــحوكَ شوقاً *** ورجــــــــــــــــــــــائي مطيتي ورفاقي
أسرتني الذّنــــــــــوبُ آيةَ أسرٍ *** وَالْخَطَــــــــــــــــــــايَا فَمُنَّ في إِطْلاقِي
أَوَّلُ الْعُمْرِ بِالضَّــــــــلاَلِ تَوَلَّى *** سَيِّدِي فَاصْلِحِ السِّنِـيــــــــــــــنَ الْبَوَاقِي
أنا رقٌّ بكَ استجرتُ فـــكـن لي *** مِنْ أَلِيْمِ الْعَــــــــــــــــذَابِ بِالْبَعْثِ وَاقِ
زَفَّ فِكْرِي إِلَيْكَ بِكْرَ قَــــرِيضٍ *** بَرَزَتْ فِي غَــــــــــــــــــلاَئِلِ الأَوْرَاقِ
صانها عن سوى علاكَ شهابٌ *** يَا شِهَاباً أَضَـــــــــــــــــــــاءَ بِالإِشْرَاقِ
فَالْتَفِتْ نَحْوَهَا بِعَينِ قَبُــــــــولٍ *** فَلَهَا بِالْقَبُـــــــــــــــــــــولِ أَسْنَى صِدَاقِ
وَعَلَيْكَ السَّـلاَمُ مَا رَقَصَ الْغُصْــــــــــــــنُ وغنّت ســـــــــــــــــــواجعُ الأوراقِ
وقد استغرقت مدائح الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته الطاهرين ومراثيهم جل شعره وقد تفنن في هذا الغرض وأبدع أيّما إبداع فمن قصيدة له في مدح أمير المؤمنين (ع) تقرأ طولاً وعرضاً وطرداً وعكساً على أنحاء شتى يقول فيها:
فخرُ الوَرى حيـــــدريٌّ عـــــمَّ نائِلُهُ *** فجرُ الهُدى ذو المَعالي الباهراتِ علي
نجمُ السُّهى فلكيّـــــــــــــاتٌ مـراتِبُه *** بــــــــادي السّنا نيّرٌ يسمو على زُحَلِ
ليثُ الثّرى قبَـسٌ تَهمــــــــي أنـامِلُه *** غيثُ النّــــدى مورِدٌ أشهى من العسَلِ
بدْرُ البَهـــــــــــــا أفُقٌ تَبدو كواكِـبُه *** شمسُ الدُّنا صُـــبْحُ ليلِ الحادِثِ الجَلَلِ
سامي الذَرى صاعدٌ تُـخشى نوازِلُه *** حتفُ العِدا ضـــــارِبُ الهاماتِ والقُللِ
طودُ النُّهى عندَ بيـتِ المالِ صاحِبُه *** سِمطُ الثّنا زيـــــــــــنةُ الأجيادِ والدُّولِ
طِبُّ القِرى كفُّ يُمــنِ الدّهرِ كاهِلُهُ *** نابُ الرّدى أجـــــلٌ في صورةِ الرَّجُلِ
روضٌ زَها منهلٌ طــــابَتْ مشارِبُه *** روحُ المُنى منبــــــــعُ الآلاءِ والـخَوَلِ
بحرٌ جَرى علــــــــقَميٌّ مُجَّ عاسِلُه *** مُــــروي الصّدى مورِدِ العسّـالةِ الذُّبُلِ
مُعطي اللّهى نبويّــــــــــاتٌ مناقبُه *** رحبُ الفنــــا نجلُ خيرِ الخلْقِ والرُسُلِ
مَقْنى الثّرى فاضلٌ عمّت فواضِـلُه *** عفُّ الرِّدا علَــــــــــــويٌّ طاهرُ الخُلَلِ
دهرٌ دَها قدَرٌ دارَتْ نـــــــــــوائِبُه *** كنزُ الغِنى كــــهفُ أمْنِ الخائِفِ الوجِلِ
كما احتوى ديوان أبي معتوق على فن (المواليا) ــ وهو من الفنون الشعبية المستحدثة ــ في ذلك الوقت, كما نظم (البند) وأبدع فيهما. توفي ابو معتوق عام 1087هـ - 1676م.
........................................................
1 ــ أدب الطف ج 5 ص 125
2 ــ الموسوعة الحسينية شعراء القرن الحادي عشر ص 121
3 ــ تحفة الأزهار ج 3
4 ــ أعيان الشيعة ج 3 ص 175
5 ــ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 9 ق 1 ص 29
6 ــ ج 10 ص 589
7 ــ الوسيط في الأدب العربي وتاريخه ص 315
8 ــ الغدير ج 11 ص 306 ــ 307 شعراء القرن الحادي عشر
محمد طاهر الصفار
اترك تعليق