ايها الاخوة والاخوات موضوعنا في الخطبة الثانية ما هي السُبل الصحيحة لإدارة الاختلافات والنزاعات المجتمعية؟
من الطبيعي ان المجتمع البشري والفرد البشري في طبيعته الانسانية يعيش حالة الاختلاف والتنازع وهذه من الجبلّة الانسانية وامر طبيعي ولكن المشكلة تكمن في كيفية التعامل الصحيح الشرعي والعقلائي لإدارة هذا الاختلاف وادارة هذا النزاع بحيث لا يتحول هذا النزاع الى تصعيد وتأزيم وتناحر وتحارب ويكون ضاراً بأفراد المجتمع البشري.
ايها الاخوة والاخوات اشارت الآية القرآنية الى ان مسألة الاختلاف مسألة طبيعية في المجتمع البشري (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) – سورة هود- .
فمسألة الاختلاف مسألة طبيعية نابعة من الاختلاف بين افراد البشر في الثقافات والافكار والطِباع والعادات والتقاليد وكذلك التنافس بين افراد البشر في الامور المادية والدنيوية وحب السيطرة والسلطنة والهيمنة وكذلك الامور الاخرى مخلفات الماضي الذي قد يؤدي الى النزاع بين المكونات المجتمعية وغير ذلك من الامور التي هي منشأ ومادة للاختلاف.
ابتداءً اخواني من داخل الاسرة الى مواقع العمل الى المواقع المجتمعية كلامنا ايها الاخوة والاخوات كيف نتعامل التعامل الايجابي مع هذه الاختلافات؟ وسنبين انواعها، كيف نُدير حالة النزاع مسألة طبيعية ان الاختلاف يتحول الى نزاع بحيث يجنبنا القدر الاكبر من الضرر ونتجنب الاثار السلبية في مختلف جوانب الحياة بسبب هذا النزاع فنذكر هنا ايها الاخوة والاخوات ما هي اشكال وانواع هذا الاختلاف والنزاع..
نبتدأ اولا ً بالمسألة داخل الاسرة ثم في مواقع العمل ثم الاختلافات المجتمعية.
لاشك الاسرة من الزوج والزوجة والاولاد منشأ الاختلاف موجود اختلاف في مستوى الثقافة وفي مستوى التعليم وفي مستوى الفهم وفي كيفية التعامل والتعاطي مع المشاكل التي تمر بها الاسرة، كيفية انتهاج الاسلوب في التربية وكيفية مواجهة المحن والمشاكل والمصاعب والازمات التي تمرّ بها الاسرة وكيفية مواجهة الظروف المعيشية التي تمرّ بها الاسرة هذه الاختلافات لابد ان نتعاطى معها تعاطي ايجابي، لابد ان كل واحد من الزوج والزوجة يتفهم طِباع وظروف الشخص الاخر يتفهم طبيعة المشاكل التي تمرّ بها الاسرة لابد ان تشيع اجواء المحبة والاحترام والانسجام بين افراد الاسرة ولابد ان يكون هناك تحمل وصبر للظروف التي تمرّ بها الاسرة حينئذ يمكن ان نصل الى حالة تعاطي ايجابي مع هذه الاختلافات بحيث لا تتحول الى نزاع يدمر الاسرة ولابد ان يكون هناك اسلوب حكيم للتعامل مع هذه الاختلافات.
ايها الاخوة الاباء الازواج الاخوات الامهات الزوجات كل اسرة خصوصاً في وقتنا الحاضر حقيقة مع هذه الظروف التي تعيشها الاسرة وهذه الازمات وتعقّد الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية لابد ان يكون هناك طريق التفاهم والحوار ازاء هذه الاختلافات ولابد ان يكون هناك صبر وتحمل ولابد ان يكون هناك تفهم من قبل الزوج والزوجة ولابد ان يكون هناك احترام وكذلك تقدير لظروف الاخر من اجل ان نتجاوز هذه المشاكل ولا نصل الى حالة التفكك الاسري وحالات الطلاق الكثيرة التي يشهدها المجتمع.
الأمر الآخر ما يتعلق باختلافات العمل في مختلف مواقع العمل هناك اختلاف في الرؤية وفي كيفية ادارة شؤون العمل وفي كيفية حل مشاكل العمل هناك تنافس بين الافراد العاملين وهناك اختلاف في التعاطي مع المشاكل التي يمر بها العمل، النقطة المهمة ان لا يصل هذا الاختلاف الى حالة التقاطع والتباغض والتشاحن والبغضاء بين افراد المجموعة التي تعمل في هذا المكان لابد ان يعمل الجميع بروح الفريق الواحد كل واحد يشعر ان الآخر مكمّل له وانه بحاجة اليه والكل يعمل بهذه الروح وهي تواجه هذه الاختلافات والمشاكل في العمل بروح المواجهة للفريق الواحد لحل هذه المشاكل من اجل ان نصل الى الحل المناسب.
المسألة الاهم ايها الاخوة والاخوات هي الاختلافات المجتمعية، وموضوعنا لا نتحدث عن الاختلافات بسبب المطالبة بالحقوق هذا شيء آخر الذي يؤدي الى النزاع احياناً او في مسألة الاختلاف في الدفاع عن القيم والمبادئ والحق والعدل مع اهل الباطل والشر هذا شيء، وكذلك مسألة الدفاع عن الوطن والمقدسات والعرض والذي يحصل بسببه النزاع والصراع ليس حديثنا في ذلك فذلك له بابه الخاص..
انما حديثنا في المسائل الاخرى التي لا تصل لهذه المرتبة و كيف نُدير هذا الاختلاف عندنا الاختلافات المجتمعية احياناً اختلاف بينك وبين اخيك المؤمن قد يصل الى حالة النزاع احياناً اختلاف في الكيانات المجتمعية كيان مذهبي يختلف مع كيان مذهبي آخر كيان ديني يختلف مع كيان ديني آخر كيان اجتماعي كالعشيرة تختلف مع عشيرة اخرى ويصل الاختلاف الى حالة النزاع..
اختلاف بين كيان سياسي مع كيان سياسي آخر قد يصل الى حالة الصراع والنزاع.. كيف نُدير حالة الاختلاف هذه ؟
ابتداءً اقرأ لكم هذه الآية القرآنية التي تحذرنا من ان يتحول الاختلاف الى نزاع والنزاع الى صراع وتشتد الازمة بسبب التصعيد والتأزيم في حالة النزاع والذي يؤدي الى فشل الجميع واضعاف الجميع، الآية القرآنية التي حذرت من ذلك قوله تعالى في سورة الانفال : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46).
لاحظوا احياناً حينما يكون هناك نزاع بين طرف وطرف آخر هذا الاختلاف الذي يتحول الى نزاع كل طرف يحاول ان ينتصر على الطرف الآخر ويهزمهُ وحينئذ سيحاول الاستعانة بكل الوسائل وبأي ثمن لكي ينتصر على الآخر من خلال اضعافه وهزيمته وحيث ان كل طرف له قدرات وامكانات وطاقات والنتيجة سيكون اضعاف الجميع..
نوجّه كلامنا الى العشائر نوجه كلامنا الى الكيانات المجتمعية ونوجه كلامنا الى الكيانات السياسية هُنا، الآية القرآنية تشير الى مجموعة امور (فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) ليس هناك مُنتصر بل نصيب الجميع هو الفشل، (ا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) يعني ستذهب قوتكم وستهدر كرامتكم وعزتكم وسيادتكم.. حينما تضعفون ستكونون طعماً للأخرين سيستضعفكم الاخرين خصوصاً اذا كان الاختلاف الذي يؤدي الى النزاع والصراع والتشاحن والتحارب بين كيانات مجتمعية مهمة كالكيانات العشائرية او الكيانات السياسية او من بيدهم مقاليد وزمام الامور، ستُهدر الطاقات بدل ان توظّف الطاقات والامكانات لخير البلد ولخير الشعب حينئذً حينما يضعف الجميع وينشغل بإدارة الصراع والازمة حينئذ هذه الطاقات والامكانات والقدرات بدل ان تستثمر لخدمة الناس وخير الناس حينئذ سيغيب عنها هذا الجهد والاهتمام والاعتناء وتنشغل هذه الكيانات كل واحد يحاول ان يُضعف الآخر..
ايضاً قد يلجأ البعض الى الوقوع في المحرمات كالتسقيط الاجتماعي والغيبة والبهتان والمراء المذموم وغير ذلك من المحرمات وستسود حالة التشاحن والتباغض والتناحر والعداء والهجران بين افراد المجتمع وبين هذه الكيانات بدل ان تسود حالة التعاون والالفة والتكاتف والمحبة من اجل اداء الخدمة للجميع، حينئذ سوف تُهدر الطاقات ويُحرم الناس من الخدمات وتحصل حالة التناحر التي هي تؤدي الى الحاق الضرر بالجميع.
ما هي اساليب التعامل الصحيح الشرعي والعقلائي؟ هناك خمسة طرق نرجو الالتفات اليها بحسب المراتب:
التعامل الايجابي الاول هو التجنّب والتجاهل: وذلك حينما يكون الاختلاف لأمر بسيط وتافه او عندما يتوقع ان يكون الضرر اكبر من المنفعة لو حصلت مواجهة الاختلاف بشدّة وحدّة، فحينئذ يكون التجاهل للاحتكاك مع المختلف معه أسلم وأضمن للخروج بطريقة حكيمة وعقلائية. التسوية للخلاف والمصالحة: وذلك بالدخول في الحوار والتفاهم لتقريب وجهات النظر وتصحيح بعض الامور التي فهمت خطأ للوصول الى حل وسط يرضي الاطراف جميعاً. الايثار والتضحية: بأن يكون هنالك استعداد للتضحية بحيث يقدِّم احد الاطراف اهتمامات الطرف الاخر ورغباته ومصالحه وارضاءه على اهتمامات ورغبات نفسه وقد يتحمل من اجل ذلك الكثير من المعاناة والالم والتضحية ببعض الاستحقاقات ولكن ما يكون له في مقابلها من اجر عظيم ورفعة مقام وعلو منزلة ما يجعل هذا التنازل وهذه التضحية اغلى واثمن، ومن ذلك ما ينبغي فعله من احد الزوجين للاخر او من الاولاد لآبائهم وامهاتهم او بين المؤمنين انفسهم.عن الامام الصادق (عليه السلام) يقول سمعت ابي (عليه السلام) يقول : (اذا تنازع اثنان فعادى احدهما الآخر فليرجع المظلوم الى صاحبه حتى يقول لصاحبه: أي اخي، انا الظالم، حتى يقطع الهجران بينه وبين صاحبه، فإن الله تعالى حكم عدل يأخذ للمظلوم من الظالم).
قد يكون الاختلاف بسبب الحقوق التي للبعض من الناس او لتجاوزات وإساءات ينبغي العمل على الحد منها فهنا لابد من التحاكم الى الحاكم الشرعي ان كانت المسألة تتعلق بذلك ولابد من الاذعان والتسليم والرضا بذلك، قال تعالى : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) – سورة النساء-.او الرجوع الى سلطة القانون، اخواني من دون هذه الطرق فإن الفوضى ستسود المجتمع وتُهدر الحقوق وكثير من الاضطراب يحصل في الحياة الاجتماعية وتغيب الان الحياة المستقرة والآمنة والمطمئنة عن مجالات الحياة المختلفة..
لذلك ايها الاخوة والاخوات هُنا دعوةٌ لنظم امورنا لكي نلجأ الى الطرق العقلائية في جميع المجالات في حل الاختلافات والنزاعات بيننا اما ان نرجع الى سلطة الشرع او الى سلطة القانون الى التفاهم والحوار والتضحية والايثار لكي تُحل هذه النزاعات..
وهنا نودّ ان نختم بهذه التوصيات لذلك فالمأمول من عشائرنا الكريمة ومواطنينا الاحبّة ان يعملوا على نظم امورهم واللجوء الى التحاكم الصحيح والابتعاد عن حل النزاعات بالقوة والسلاح والعنف وتسليط الاهواء الشخصية والامزجة النفسية في اصدار الاحكام كيفما اتفق على الاخرين فإن في ذلك شيوع للفوضى بين افراد المجتمع والدخول في حلقة لا تنتهي من العنف والصراع..
والتوصية الاخيرة ان انشغال الطبقة السياسية بالنزاعات والتجاذبات والاختلافات على المواقع والمناصب أدخل البلد في دوامة من عدم الاستقرار والتخلف عن بقية الشعوب واهدار الطاقات والتأزم النفسي للمواطن اضافة الى ضياع فرص تقديم الخدمات للمواطنين وتوفير فرص العمل والتطور له، وقد آن الاوان ان نفيق من غفلتنا ونفك قيد أسرنا لأهوائنا ومطامعنا وان نأخذ من تجارب الماضي ومعاناة الحاضر وآمال المستقبل دروساً وعظة لما ينبغي علينا القيام به تجاه شعبنا ووطننا..
نسأل الله ان يوفقنا واياكم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
حيدر عدنان
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق