ازدهرت الفنون في العراق ازدهاراً كبيراً خصوصاً فنون العمارة والزخرفة الاسلامية، وأصبحت في العراق مدرسة مميزة لتلك الفنون، خاصة وأن أرض العراق ضمت مراقد ومزارات للأئمة الاطهار والاولياء الصالحين.. والتي كانت ومازالت تشكل حافزاً كبيراً لتطور الفنون الزخرفية، وذلك من خلال الجهود المتواصلة التي بذلت في تشييدها وتحليتها بالزخارف الرائعة على مرِّ الزمان .
وقد تميز الطابع الثقافي للمجتمع العراقي بالرغبة الدائمة في تأسيس خصوصية فنية ترتبط بالطابع الفكري العام الذي يستند إلى إعلاء قيمة المراقد والمزارات المنسوبة إلى آل بيت النبوة الاطهار.. على اختلاف المراحل الزمنية واختلاف درجات نسبهم الشريف، فهذه المراقد المطهرة تعد على اختلافها بمثابة ملاذاً روحياً يلجأ إليها الناس للتبرك وطلباً للأجر والثواب والاستشفاع في طلب الحوائج ... وهي أماكن عبادة دائمة يجد فيها المؤمنون قدراً كبيراً من الراحة النفسية والاستكانة الروحية يغمرها الشعور العميق بمرضاة الله سبحانه وتعالى .
يعد مرقد الإمام الحمزة الغربي من المراقد المباركة التي حظيت بإقبال الناس للزيارة والتبرك، وهو بناء عماري شامخ نالته يد البناء والتعمير والتزيين.. فعُد من المراقد الرائعة التي تزخر جدرانه وقبته ومنارته بزخارف اسلامية عراقية بذلت في تصميمها وتنفيذها جهود كبيرة ومتواصلة استغرقت عقوداً من السنين حتى استوت على ما هي عليه الآن .
يقع مرقد الإمام الحمزة في مدينة المدحتية التابعة لمحافظة بابل شرقي مدينة الحلة.. ويرجع نسبه الشريف إلى أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليهما السلام.. فهو( أبو يعلى الفقيه الجليل حمزة بن القاسم بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن أبي الفضل بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب )، والحمزة الأكبر جدّ أبي يعلى كان يشبه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
سمي بالحمزة الغربي لأنه مرقده يقع في غرب الديوانية تفريقاً بينه وبين مرقد الحمزة الشرقي ( السيد أحمد بن هاشم بن علوي بن الحسين الطريفي البحراني ) من نسل إبراهيم المجاب.. والذي يكون إلى الشرق منه بين الديوانية والرميثة.
نشأ أبو يعلى في المدينة المنورة ونهل من معارف وعلوم بيت النبوة واجتذبه علم رواية الحديث، وكان من علماء الأمامية التقاة الأجلاء، ، وقد ذكره علماء الرجال بكل ثناء وإطراء عليه بالعلم والورع والوثاقة.
ومشهده اليوم اصبح يعج بالزائرين على مدار السنة ومن شتى المناطق للتبرك وتقديم النذور والأضاحي تقرباً إلى الله تبارك وتعالى .. وذلك لمنزلته السامية ولكونه من السادة الأماجد الذين اشتهروا بالجود والفضل ومكارم الأخلاق، وأن قبره وما حوله من بناء حديث يليق بتلك المنزلة الرفيعة ومكانته وقربه من آل البيت الأطهار.
لما خرج الإمام الحمزة من المدينة إلى العراق لزيارة قبور أجداده في النجف الاشرف وكربلاء، وبعد إكمال مراسيم الزيارة وأثناء عودته، أراد زيارة جده من ابيه ( الحسن بن عبيد الله ) الكائن في قرية المزيدية.. وقد وافاه الله الاجل فيها بعد ان كتب وصيته المعروفة بقوله " إذا مت أبعدوني إلى مكان آخر " . ونفذ وصيته أهالي المزيدية فدفنوه في هذا المكان، وكانت أرضاً قاحلة تسمى أطراف الجزيرة ، وأقاموا إشارة تدل على وجود قبر رجل علوي، وتشير رواية أخرى مفادها أنه رجل دين ومن رواة الحديث فهو صاحب مدرسة فقهية في زمن كان فيه العباسيون يبحثون عن بقايا العلويين لإبادتهم ، فأخفى نفسه في هذه المنطقة النائية وأدركته المنية فدفن فيها.
يتصف المرقد بكونه مزيناً بزخارف الكاشي الكربلائي التي تغطي معظم جدرانه الخارجية والداخلية، وقد اعتمدت تقنية التكرار لكثير من الوحدات الزخرفية من أجل حل إشكالية تزيين الجدران، كما هُوَ مألوف في زخارف المراقد والمساجد وغيرها من الأبنية الدينية.
ويرى الزائر عند دخوله متجهاً نحو الضريح شباك مزين بالذهب والفضة والاحجار الكريمة.. يضم بداخله القبر الشريف الذي يبلغ طوله 175سم وعرضه متر واحد وارتفاعه 2 م.. والشباك مصنوع بهيكل من الألمنيوم المطعم بالذهب والفضة ويبلغ طوله 3 م وعرضه 2,5 م، ويرتفع من فوقه تاج من الذهب والفضة منقوش بزخارف إسلامية مكتوب عليها لفظ الجلالة الله والنبي الكريم وال بيته سلام الله عليهم
يعلو الشباك قبة مزينة من الداخل بتشكيلة فسيفسائية من الزجاج والمرايا المتنوعة ويبلغ قطرها 8 م.. ويصل ارتفاعها إلى أكثر من 10م وهي مغلفة بالكاشي الكربلائي المطرز بالأشكال النباتية من الخارج ويحيطها من القاعدة شريط زخرفي كتابي خطت عليه آيات قرآنية .
وللضريح أربعة مداخل وأبواب ( جنوبية وغربية وشمالية وشرقية ) وهمها الباب الشرقية فهي باب الدخول الرئيسة.. وهي مصنوعة من الذهب ومزدانة بالآيات القرآنية.. وتتكون من قطعتين ذهبيتين تطل على طارمة طولها 16 م وعرضها 4 م.. ويحتل الحرم الزاوية الغربية من الصحن المكتظ بالزائرين والذي يبلغ طول ضلعه 60 م ويحوي من الداخل على أواوين مفتوحة على بعضها البعض، وتوجد على الجانب الأيسر من صحن الإمام منارة عالية يبلغ ارتفاعها 20 م وهي مطرزة بالزخارف المنقوشة على الكاشي الكربلائي .
اعداد
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق