عندما يتعرض القرآن الكريم لذكر الأنبياء (ع) فإنه يذكرهم بمنتهى الكمال البشري وينسب إليهم المآثر الكريمة والصفات العظيمة التي تلازم قداسة النبوة ونزاهة الرسالة الإلهية, فعقيدة الإسلام تؤكد على أن جميع الأنبياء (ع) الذين نص عليهم القرآن الكريم رسل من الله وعباد مكرمون بُعثوا لدعوة الخلق إلى عبادة الله سبحانه وتعالى فأدّوا ما عليهم من تعليم الأحكام ودَعوا إلى سبيل الرشاد وهم منزهون من المعاصي والآثام.
لكننا لا نجد ذلك في الكتب الأخرى حيث شوِّهت هذه السِيَر العظيمة ونالتها أيدي المحرفين والمنحرفين, ولعل من أكثر الأنبياء الذين طالت سيرتهم المقدسة أيدي العابثين هو عيسى بن مريم (ع). فقد ورد عن الإمام الرضا إنه قال: ما شبِّه أمر أحدٍ من أنبياء الله وحججه على الناس إلا أمر عيسى وحده. (1)
وإذا طالعنا سيرة هذا النبي الكريم نجد إنه ابتلي بقومه وهو في المهد عندما قذفوا أمه الطاهرة بالزنا رغم إنه كلمهم في مهده وبرّأها وقد عدَّ القرآن الكريم قذفهم هذا كفراً فقال سبحانه وتعالى: وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً.
ولنستمع إلى قصة هذه المرأة الصديقة الطاهرة وابنها (ع) من القرآن الكريم حيث يقول:
إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
كان عمران نبياً مرسلاً واسم زوجته حنة وقد ذكر الله هذه المرأة الصالحة ــ وهي جدّة عيسى ــ تعظيماً لها وعناية بشأنها, وفصّل قصة نذرها الجنين الذي في بطنها فكان محرراً عن منافع الأبوين وداخلاً تحت ولاية الله تعالى وصرف خدمته في سبيله عز وجل, فلما وضعتها أنثى بادرت إلى تسميتها مريم وتعني العابدة فتقبّلها الله قبولاً حسناً وأنبتها نباتاً حسناً وأعطاها الرشد والزكاة لها ولذريتها وإفاضة الحياة لها ولمن ينمو منها من الذرية حياة لا يمسها نفث الشيطان ورجسه ووسوسته وهو الطهارة. فلما بلغت مريم صارت في المحراب وأرخت على نفسها ستراً.
ثم يتابع القرآن الكريم أحداث قصة مريم (ع) فيقول عز وجل:
وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ
واصطفائها تقبلها لعبادته جل وعلا وتطهيرها اعتصامها بعصمة الله, فهي مصطفاة معصومة واصطفائها على نساء العالمين في ولادتها لعيسى (ع) كلمة الله وكونها وابنها آية للعالمين.
ثم بين سبحانه وتعالى إن ما أوحى إلى رسول الله (ص) هو صحيح مكنون في علم الغيب ولا يوجد عند باقي الأديان حيث إن يد التحريف قد نالته فلم تذكر القصة بهذه الخصوصيات فقال سبحانه وتعالى:
ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْك.
وللدلالة على صدق قول رسول الله (ص) وصحة دعوته في تثبيت الدعوى قال سبحانه:
وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ.
وبعد أن ذكر تعالى قصة مريم وتربيتها ونشأتها واصطفائها بشرها لحمل عيسى (ع) كلمة الله من دون أب فقال تعالى:
إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ .
وقد نسبه سبحانه وتعالى إلى أمه للتنبيه على أنه مخلوق من غير أب, وردّاً على من يسميه ابن الله وللإعلام بأنه وأمه شريكان في كونهما آية الله تعالى:
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ.
ويأتي الخطاب من مريم (ع) بقوله تعالى:
قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ
ولكن إرادة الله فوق الطبيعة: قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُون
ثم اورد سبحانه وتعالى المقام السامي والكمال الخلقي لعيسى بن مريم (ع) فعطف على وجيهاً فقال عز وجل:
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ
هذه قصة ولادة الصديقة الطاهرة مريم (ع) لابنها نبي الله وكلمته عيسى (ع) مختصرة كما جاءت في سورة آل عمران, وقد وردت أيضاً في سورة مريم مشابهة تماماً لما وردت في آل عمران, وقد دلت على عظيم منزلة المسيح (ع) وكرامته وشرفه, كما وردت آيات أخرى دلت على معاجزه وآثاره ورفعه (ع).
وقد دلت كثير من الروايات التي وردت عن النبي (ص) وآله الطاهرين (ع) على ظهور عيسى (ع) في آخر الزمان وصلاته خلف الإمام المهدي (ع).
ووردت أيضاً في كتب السنة نكتفي ببعضها عن طريق الفريقين فعن رسول الله (ص) إنه قال:
إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم فصلى خلفه. (2)
وقال (ص): كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم. (3)
وعنه (ص): ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج المهدي فينزل عيسى بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنور ربها. (4)
وعن الإمام الصادق (ع) إنه قال: ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته فقدمه وصلى خلفه. (5)
وهناك كثير من الروايات بنفس المضامين دلت على أن عيسى ابن مريم يكون مسلماً عند ظهوره.
عيسى عبد الله
العبادة والتألّه عند المسلمين تختص بالله سبحانه وتعالى وحده ولا يجوز إشراك أحد معه كما قال سبحانه:
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
فالإيمان بالله تعالى لا يجتمع مع عبادة غيره سواء نشأت هذه العبادة عن اعتقاد التعدد في الخالق وإنكار التوحيد في الذات, أو نشأت عن الاعتقاد بأن الخلق معزولون عن الله وهم محتاجون إلى وسائط بينهم وبينه سبحانه وتعالى, وقد أبطل القرآن الكريم كلا الاعتقادين فرد على الاعتقاد الأول بقوله:
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ
وقوله عز وجل:
مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ
أما الاعتقاد الثاني فقد أبطلته الآية الكريمة:
قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ.
وزيادة في بطلان هاتين الدعوتين فقد أبطلهما سبحانه وتعالى على لسان عبده ورسوله عيسى بن مريم (ع) في مخاطبته إياه والتي أقر فيها عيسى (ع) بالعبودية له سبحانه, وإن كل الخلق محتاج إليه حتى من كان رسولاً نبياً.
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
وهذا الآية الكريمة تفصح عما كان عليه عيسى (ع) وموقفه تجاه ربه وتجاه الناس فذكر إنه كان يرى نفسه عبداً لله ولا سبيل له إلا الامتثال لأمره سبحانه وتعالى فلم يؤمر إلا بالدعوة إلى عبادة الله ولم يقل لهم إلا ما أمر به:
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ.
ولم يكن له من الناس إلا تحمّل الشهادة ما دام فيهم وليس عليه ما أحدثوا بعده وقد ذكر القرآن الكريم إن عيسى (ع) كان عبداً لله ولم يدع لنفسه ما نسبوه إليه فرد عليهم:
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ
مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
وقد خص أكل الطعام من بين جميع الأفعال بالذكر لكونه من أحسنها دلالة على المادية واستلزاماً للحاجة والفاقة المنافية للألوهية, ثم ذكر القرآن الكريم إن عيسى (ع) ليس بإله ولا ابن لله ولا هو غني بذاته, بل هو مخلوق مدبر فقال سبحانه:
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
فالله سبحانه وتعالى منزّه من المادة ولوازمها الافتقارية كالحركة والزمان والمكان وغير ذلك, وله القيمومة المطلقة على ما سواه, فكل شيء سواه مفتقر الوجود إليه, قائم الوجود به, وعبادة المسيح أول دليل على أنه ليس بإله ولا نصيب له في الإلوهية ويومئ قوله تعالى إلى ذلك:
لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا
معاجزه (ع)
لما كانت النبوة والرسالة الإلهية من المناصب العظيمة التي يكثر لها المدعون ويرغب في الحصول عليها الراغبون فيشتبه الصادق بالكاذب ويختلط المضل بالهادي فلا بد لمدعي النبوة من اقامة شواهد واضحة وأدلة قاطعة على صدقهم في النبوة وأمانتهم في التبليغ ولا يكون هذا الشاهد من الأفعال العادية التي يمكن لغيره أن يأتي بنظيرها فينحصر الطريق بما يخرق النواميس الطبيعية وذلك لا يمكن أن يقع لأحد إلا بعناية من الله تعالى واقدار منه.
ولذلك اقتضت الحكمة الإلهية أن يخص كل نبي بمعجزة تشابه الصنعة المعروفة في زمانه والتي يكثر العلماء بها من أهل عصره فأنه أسرع للتصديق وأقوم للحجة, ويدل على هذه الحقيقة الإمام الرضا (ع) عندما سئل:
لماذا بعث الله موسى بن عمران (ع) بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر, وبعث عيسى بآلة الطب ؟ وبعث محمداً (ص) بالكلام ؟
فأجاب (ع): إن الله تعالى لما بعث موسى كان الغالب على أهل عصره السحر, فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله, وما أبطل به سحرهم, وأثبت به الحجة عليهم, وإن الله بعث عيسى (ع) في وقت قد ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس إلى الطب, فأتاهم ما لم يكن عندهم مثله, وبما أحيا لهم الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله, وأثبت به الحجة عليهم, وإن الله بعث محمداً (ص) في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام والشعر فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم وأثبت به الحجة عليهم. (6)
وقد روى لنا القرآن الكريم إن عيسى (ع) تثبيتاً لرسالته بالحجة والبرهان جاء إلى قومه بآيات باهرة عجز عنها عصره كما قال سبحانه وتعالى:
أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
ونحن في غنى عن الشروح وما ذكره المفسرون لصراحة الآيات الشريفة في صدور هذه المعجزة عن عيسى (ع) ووقوعها ودلالتها على صدق دعواه وقد كرر سبحانه وتعالى الكلام في صدور هذه المعاجز من عيسى (ع) عندما خاطبه عز وجل مشافهة:
ذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي.
ثم عطف سبحانه وتعالى على جئتكم بقوله عز وجل:
وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ.
وهو تصديق لما علمه الله من التوراة, ثم أوضح (ع) لهم بعض الأحكام التي هي أوفق بالحكمة والمصلحة الفعلية وبعض المواعظ والأمثال والأحكام الأخلاقية والأدبية وهي بمجملها مصدقة لشريعة موسى (ع) في بيان الأحكام كما دلت على ذلك الآية الكريمة:
وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ.
فكانت شريعة عيسى (ع) موافقة في الجملة والاجمال لشريعة موسى (ع) وقد نُسب إلى عيسى (ع) في الإنجيل قوله:
ما جئت لأبطل التوراة بل جئت لاكملها.
عيسى مع الحواريين
وعلى الرغم من المعجزات والآيات الباهرة التي ظهرت على يد عيسى (ع) والتي دلت على صدق نبوته وصحة دعواه إلا أن بني إسرائيل لاقوه بالكفر والعناد والإعراض والتولي، وكان (ع) يدعو الناس إلى طاعته ومتابعته التي هي الصراط المستقيم وإنه جاء لينجيهم ويخفف عنهم بعض الأعباء والتكاليف الشاقة التي حملوها على أنفسهم فعاندوه وهموا بقتله فدعا دعوته:
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ
فلبى الحواريون النداء كما في قوله تعالى:
قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ.
وقد آمنوا بجميع ما أنزل الله مما علمه عيسى ابن مريم من الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل واتبعوا الرسول في ذلك وهذا من أعلى درجات الإيمان, وقد وصفهم القرآن الكريم في أكثر من آية بالإيمان كقوله عز وجل:
ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ.
وقوله تعالى:
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ.
وقد اختلف في عددهم حيث لم يرد لفظ الحواريين في القرآن الكريم إلا لأصحاب عيسى (ع) وهم رسله الذين اخلصوا في أنفسهم ونقوها من كل عيب وكانوا مخلصين له وهم الذين كان عيسى (ع) يرسلهم إلى بني إسرائيل للوعظ والإرشاد.
وفي التوحيد للمفضل عن الإمام الصادق (ع): إنهم كانوا اثني عشر رجلاً وكان أفضلهم وأعلمهم لوقا.
عيسى (ع) مثل ادم (ع)
ثم يرجع القرآن الكريم إلى ذكر بني إسرائيل الذين كفروا بعيسى فيقول عز وجل:
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ.
وذلك بما خفي عن إدراكهم وما قصرت عنه عقولهم بأن شبّه المسيح عليهم فرد الله كيدهم على أنفسهم مع اعتقادهم بأنهم قتلوه كما دلت على ذلك الآية الكريمة:
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا.
ثم يكمل القرآن الكريم قصة عيسى (ع) فيخبره عز وجل بوفاته ورفعه وتطهيره وتبشيره بأن متبعيه لهم الغلبة والتفوق على الذين كفروا به فقال تعالى:
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ
ثم يخاطب سبحانه وتعالى رسوله بعد ذكره قصة عيسى (ع) وأخباره من ولادته إلى وفاته ورفعه وإنه (ع) مثل آدم خلقه من تراب كما جاء في هذه الآية المباركة:
ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ.
من أقواله (ع)
بين القرآن الكريم ما لعيسى من المنزلة العظيمة عند الله وقد حفظ لنا التاريخ بعضاً من أقواله ــ غير ما ذكر القرآن ــ وجدناها بين طيّات الكتب فكانت آية في الزهد والورع والأدب والأخلاق الكريمة نورد باقة منها اتماماً للفائدة فمن أقواله (ع):
- يا بني إسرائيل لا تكثروا الأكل فإنه مَن أكثرَ الأكل أكثرَ النوم ومَن أكثرَ النوم أقل الصلاة ومن أقل الصلاة كتب من الغافلين.
- لا تكونن حديد النظر إلى ما ليس لك، فأنه لن يزني فرجك ما حفظت عينك فإن قدرت أن لا تنظر إلى ثوب المرأة التي لا تحلُ لك فافعل
- من خبث الدنيا إن الله تعالى عُصي فيها وإن الآخرة لا تنال إلا بتركها
- من علم وعمل وعلم عد في الملكوت الأعظم عظيما
- كيف يكون من أهل العلم من يشاربه إلى آخرته وهو يقبل على دنياه وما يضره أشهى إليه مما ينفعه
- لا تدري متى يغشاك الموت لم لا تستعد له قبل أن يفجأك
- طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود غائب لم يره
- لا يستقيم حب الدنيا والآخرة في قلب المؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء واحد
- ويل لصاحب الدنيا كيف يموت ويتركها ويأمنها وتغره ويثق بها وتخذله ويل للمغترين كيف رهقهم ما يكرهون وفارقهم ما يحبون وجاءهم ما يوعدون ويل لمن الدنيا همه والخطايا أمله كيف يفتضح غداً عند الله
- إني أرى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها كل زينة قيل لها: كم تزوجت ؟ قالت: لا أحصيهم كثرة, قيل: أماتوا عنك ؟ أم طلقوك ؟ قالت: بل قتلتهم كلهم, قيل: فتعسا لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين وكيف لا يكونون منك على حذر.
- من ذا الذي يبني على موج البحر داراً تلكم الدنيا فلا تتخذوا فيها قرارا
- مثل العلماء السوء مثل صخرة وقعت على فم نهر لاهي تشرب الماء ولاهي تترك الماء يخلص إلى الزرع
- رأيت قبح الجهل فجانبته, فكل آفة تدخل على المكلف من اتباع الهوى وحب الشهوات فأن من تأمل ذلك بعين الاعتبار انفتحت له بصيرته وانكشفت له علل قلبه فينبغي له أن يزيل ذلك بالمخالفة لهما
- إرضوا بدني الدنيا مع سلامة الدين كما رضي أهل الدنيا بدني الدين.
- الدنيا والآخرة ضرتان فبقدر ما ترضي إحديها تسخط الأخرى
- مثل طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر كلما ازداد شربا إزداد عطشا حتى يقتله
- إنكم لا تدركون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون ولا تبلغون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون
سلوكه (ع) وقول أمير المؤمنين (ع) والامام الصادق (ع) فيه (ع)
لمّا كان الأنبياء (ع) هم المصطفين من الخلق فمن الطبيعي أن تكون قصصهم وسلوكهم غاية في الكمال البشري وقد دلت الآيات الكريمة التي ذكرناها على منزلة عيسى بن مريم (ع) وإنه من الأنبياء أولي العزم ويدلنا قول الإمام الصادق (ع) على مكانته العظيمة عند الله حيث قال (ع):
بعث الله عيسى بن مريم (ع) واستودعه النور والعلم والحكم وعلوم الأنبياء قبله وزاده الإنجيل. (7)
وقد ذكر لنا التاريخ بعضاً من قصصه (ع) في زمانه دلت على فضائله ومكارم أخلاقه نورد بعضاً منها:
ــ كان (ع) إذا مرّ على شبان قال لهم: كم من زرع لم يدرك الحصاد, واذا مرّ على الشيوخ قال: ما ينتظر بالزرع إذا أدرك إلا أن يحصد
ــ قال (ع) لرجل: ما تصنع ؟ قال: أتعبّد ؟ قال: فمن يعود عليك ؟ قال: أخي, قال: أخوك أعبد منك
- وصنع للحواريين طعاماً فلما أكلوا وضّأهم بنفسه فقالوا: يا روح الله نحن أولى أن نفعله منك.
فقال: إنما فعلت هذا لتفعلوه بمن تعلمون
ــ قال له (ع) لرجل: دلني على عمل أنال به الجنة فقال (ع): اتق الله في سرك وعلانيتك وبر والديك
وليس أدق من قول أمير المؤمنين (ع) في التدليل على شخصية عيسى (ع) العظيمة ففي خطبة لأمير المؤمنين يصف بها عيسى (ع) قال فيها:
وإن شئت قلت في عيسى بن مريم فلقد كان يتوسد الحجر ويلبس الخشن وكان إدامه الجوع وسراجه بالليل القمر وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها وفاكهته وريحانته ما تنبت الأرض للبهائم ولم تك له زوجة تفتنه ولا ولد يحزنه ولا مال يلفته ولا طمع يذله, دابته رجلاه وخادمه يداه. (8)
منزلته (ع) عند الله تعالى
لقد وصف القرآن الكريم نبي الله عيسى (ع) بأعظم الصفات التي تجعله في مقام الأنبياء المقربين وقد دلت هذه الصفات على ما لعيسى (ع) من المنزلة العظيمة عند الله فوصفه عبداً لله ونبياً بقوله تعالى:
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا.
ومن الأنبياء أولي العزم أصحاب شرع وكتاب وهو الإنجيل بقوله تعالى:
وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ.
وقوله عز وجل:
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا.
وكلمة الله وروح منه بقوله سبحانه:
إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ.
ومبشراً برسول الله (ص) بقوله تعالى:
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَد.
ومباركاً وزكياً وآية للناس ورحمة من الله وبراً بوالدته ومسلماً عليه لقوله تعالى:
وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا
ورسولاً إلى بني إسرائيل بقوله تعالى:
وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ.
وكان وجيهاً في الدنيا وفي الاخرة ومن المقربين ومن المصطفين ومن المجتبين ومن الصالحين:
إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ
دعوة الى تعاليم السيد المسيح
لم يقتصر السيد المسيح (ع) في دعوته على الناحية الدينية والعبادية فقط, بل تعداها إلى النواحي السياسية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية فقد كان الحكم في ذلك الزمان إقطاعياً, وكان الظلم والاستبداد طاغياً, والشعب يرزح تحت نفوذ المتنفذين الذين عاثوا في الأرض فساداً وفجوراً واحتكاراً.
فجاء المسيح (ع) ليبشر بالرحمة والرأفة والوداعة والقناعة وعدم استغلال الإنسان لأخيه الإنسان, جاء المسيح (ع) بهذه التعاليم والمبادئ لتكون أساساً لنظام اجتماعي جديد وانقلاب شامل في حياة الإنسان, فكانت ثورة هائلة أضرمها السيد المسيح (ع) ضد الحكم الاستبدادي والأثرياء المحتكرين والمتاجرين باسم الدين والعقائد عندما دعا (ع) إلى الإخاء والمساواة.
وكان (ع) إضافة إلى تعاليمه الدينية والاجتماعية مثالاً رائعاً للفضائل, متواضعاً أشد التواضع, يطوف بين الناس ماشياً على رجليه, لا يملك من حطام الدنيا شيئاً, يحادث الجميع دون استثناء, ويعطف على الأطفال, معزِّياً الحزانى, مساعداً الفقراء, منتهراً المحتكرين والمتنفذين والمستغلين من الأغنياء, داعياً إلى المحبة ومقابلة الشر بالخير, فكانت شخصيته الصالحة الجذابة مثالاً يحتذى بها, فاستطاع أن يُؤسس حضارة إنسانية دفعت البشرية خطوات واسعة إلى الأمام.
فالعالم مطالب بالعودة إلى مبادئ السيد المسيح (ع) الذي جاء من أجل نشر السلام والأخوة والمساواة بين أجناس البشر للوصول إلى هدف الإنسانية الأسمى ألا وهو إنشاء مجتمع تتحقق فيه العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان.
محمد طاهر الصفار
..................................................................................................
1 ــ عيون أخبار الرضا ــ الشيخ الصدوق ص 215 / بحار الأنوار ج ١٤ - ص ٣٣٨
2 ــ كمال الدين وتمام النعمة ــ الشيخ الصدوق ج 1 ص 22
3 ــ صحيح البخاري ص 168 / مسند أحمد ــ رقم الحديث 8077
4 ــ بحار الأنوار ج ٥١ ص ٧١
5 ــ الاحتجاج ــ الطبرسي ج 1 ص 107 / الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة - الحر العاملي - ج ١ - ص ٣١٧
6 ــ الكافي ــ الكليني ج ١ ص ٢٤ / عيون أخبار الرضا ــ ج ٢ - ص ٢٥٥
7 ــ تفسير الصافي ــ الفيض الكاشاني ص 336
8 ــ شرح نهج البلاغة ــ ابن أبي الحديد ج 9 ص 229
اترك تعليق