لو تأملنا تجارب الفنان المسلم وعلى مر العصور .. لوجدنا انها غارقة في بساطتها وروحيتها وانتمائها المكاني .. فمن المعروف إن الفن الإسلامي لا يحفل بالمهارة لذاتها فحسب بل وبما وراءها من فكر ومفاهيم .. ومن ذلك يمكننا إن نتصور مدى اثر الفكر على الفن الإسلامي وعلى مسيرته الفنية الحافلة، إذ يبدو إن الفنان المسلم ظل يستلهم الذهنية الإسلامية بذهنية جامعة للتنظير والتقنية في آن واحد، فأصبحت نتاجاته الفنية فريدة لما ادخله عليها من الخصائص الفنية وابتكار للاسا ليب.. ولم تقتصر هذه الابتكارات على جوانب معينة دون أخرى فقد ابتكر تقنيات جديدة من الفن كان لها الدور الاكبر بازدهار هذا الفن وتخليد اثاره . ابتكر الفنان المسلم مجموعة من التقنيات والفنون الرائعة التي عمد من خلالها الى تفعيل الجانبين الروحي والوظيفي لأشكاله الابداعية، فقد مُيزت العمائر الاسلامية بمجموعة من الفنون التزيينية والوظائفية التي عكست الفكر الاسلامي واحترافية صانعها بشكل او بآخر.. فقد ابتُكرت تقنيات بناء المنائر و القباب التي زُينت من الداخل بالعقود والاقواس والمقرنصات والتي تعد من ابرز خصائص فن العمارة الاسلامية، فضلاً عن السقوف والاقواس المقعرة ورفعها بالأعمدة والتيجان ومن ثم ابتكار تقنية الصوتيات المعمارية التي كانت نتيجة لبعض تقنيات فن العمارة الهندسية الإسلامية السابقة لها . تشير اغلب المراجع والدراسات التاريخية في مجال العمارة الإسلامية، ان المسلمين قد أفادوا من تطبيقات (علم الصوتيات (Acoustics الذي يدين بنشأته وإرساء أصوله المنهجية السليمة للمسلمين في تطوير تقنية الهندسة الصوتية واستخدامها في المشاهد المقدسة والجوامع الكبيرة وقاعات المناسبات والمسارح وغيرها من العمائر ذات لمساحات الواسعة، حيث تُعرف هذه التقنية اليوم باسم (تقنية الصوتيات المعمارية). ميز المسلمون من خلال تقنيات بنائهم وطرزها المعروفة أن الصوت ينعكس عن السطوح المقعرة ويتجمع في بؤرة محددة - شأنه في ذلك شأن الضوء الذي ينعكس عن سطح مرآة مقعرة -، وعليه عمد التقنيون المسلمون الى استخدام خاصية تركيز الصوت في بناء عمائرهم وخاصة في المساجد الجامعة الكبيرة .. بغية نقل وتقوية صوت الخطيب والإمام ونجدها كما هي واضحة اليوم في الأضرحة الدينية المقدسة في العراق وبعض المساجد القديمة المنتشرة في البلاد الاسلامية، والتي كانت وما زالت خيرُ شاهد على ريادة علماء الحضارة الإسلامية في تقنية الصوتيات الهندسية المعمارية وفنون الهندسة والبناء. اما اليوم فان تقنية الصوتيات المعمارية تعد فرع علمي وهندسي لا يمكن الاستغناء عنة في مجال العمارة وهندسة البناء، فهو يتمثل بتحقيق الصوت بصورة جيدة في المباني أو أي نوع من الأماكن المغلقة مثل الفصول الدراسية وغرف المعيشة والنوم وغرف المستشفيات وقاعات المسارح و الاستوديوهات الإذاعية أو التليفزيونية و نحو ذلك. تصنف هذه التقنية كأحد فروع علم الهندسة الصوتية، وقد دأب على تطويرها الفيزيائي الاميركي والاس سابين في تصميمه قاعة للمحاضرات في متحف فوغ في نهاية القرن التاسع عشر، وكان الهدف من ذلك هو تصميم الأماكن المغلقة بحيث توفي سمعياً بالغرض من بنائها وهو احد الاهداف الاساسية من سمعيات المعمار . يشمل تصميم القاعات او الغرف المراد تطبيق تقنية الصوتيات عليها اختيار شكلها وأبعادها والنسبة بين تلك الأبعاد والمواد الماصة للصوت بها والعاكسة له .. والتصميم السمعي الجيد للحجرة يجب ألا يعتمد على تقوية الصوت الالكترونية باستخدام سلسلة الأجهزة السمعية الحديثة، بل يجب استخدام الوسائل المعمارية السمعية لكي يصل الصوت لكل مستمع بالحجرة كلاما مفهوما بزمن رنين هو الأمثل للمستمعين، ففي الغرف او العمائر التقليدية عادة تنعكس الموجات الصوتية أثناء انتشارها داخل مساحة البناء على الجدران والاسطح المحددة له – سقف ، جدران ، ارضية - ، و نتيجة لذلك تنشأ موجات ثابتة غير منتشرة وبترددات معينة تسمى ( الترددات الذاتية للحجرة) و هذا أمر غير مرغوب و يسيء لجودة الصوت داخل الغرفة. لكن .. التصميم السمعي الجيد هو الذي يتوخى عدم وجود ترددات ذاتية متساوية، و ألا تتراكم الترددات الذاتية للحجرة قرب بعضها البعض وقد تكون موزعة داخل النطاق السمعي.. لأن تراكم الترددات الذاتية يؤدي إلى تركيز الطاقة الصوتية عند تلك الترددات مما يسبب إطالة زمن الرنين لها و ذلك التراكم يكون على حساب الترددات الأخرى، أي وجود نطق من الترددات خالية من الترددات الذاتية مما يؤدي إلى توزيع غير متكافئ للطاقة الصوتية داخل النطاق السمعي للترددات بالغرف او القاعة . وبذلك فالتصميم الصوتي الدقيق يعتبر أحد أهم المتطلبات التصميمية التى تتحقق من خلال مفهوم الراحة الأشمل في المباني، وأن لتصميم الفراغات وخاصة القاعات المفتوحة المساحة والتشكيل الداخلي الأثر الاكبر على الأداء الصوتي وبالتالي تكامل علاقة الانسان بالمكان من حيث إدراك الفراغ اولاً ومن ثم التفاعل معه عن طريق هبة الله في السمع والبصر وتفعيل مجموعة الأحاسيس كالرهبة والسعادة والخشوع .. وما يتبع ذلك من ردود أفعال تتولد عن إدراك ذلك الفراغ .
اعداد سامر قحطان القيسي الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق