إنّ ألفاظ ومعاني الصحيفة السجادية تشهد لها بالسموّ والرفعة والتفرّد، وقد جاء في تبيانها وعلوّ شأنها أنّ البلغاء عجزوا عن الإتيان بمثلها، يروي ابن شهر آشوب في (مناقب آل أبي طالب) قصّة يقول فيها: ((فهذا بعض بلغاء البصرة وذكر عنده الصحيفة الكاملة، فقال: خذوا عنّي حتّى أملي عليكم مثلها! فأخذ القلم، وأطرق رأسه، فما رفعه حتّى مات))( مناقب آل أبي طالب 3: 379).
وجاء في كتاب (الرسائل الرجالية) لأبي المعالي محمّد بن إبراهيم الكلباسي (المتوفي 1315هـ) عند التعليق على الأسانيد التي ذكرها المجلسي صاحب (البحار) للصحيفة، قوله: ((عبارة الصحيفة دالّة على أنّها ليست من البشر - سيما من عمير ومتوكّل (رواة الصحيفة) اللذين ليسا من علماء العامّة ولا من علماء الخاصّة - فإنّ علماء العامّة كيف يمكنهم أن ينسبوا ذلك إلى أئمّتنا(عليهم السلام)، والخاصّة كيف كانوا بهذه الفضيلة العظيمة ولم يكن يعرفهم أحد أصلاً. على أنّ الوجدان الخالي عن التعصّب يجزم بأنّها فوق كلام المخلوق، ويمكن أن تكون من كلام الله تعالى، بأن تكون منقولة عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم). والظاهر أنّ ذلك الكلام من إلهام الله تعالى على قلوبهم، وعلى ألسنتهم، ولا شكّ في إمكانه إمّا للأخبار المتواترة بأنَّ من زهد في الدنيا أو أخلص العبادة لله، أجرى الله سبحانه أو فتح الله تعالى ينابيع الحكمة من قلبة ولسانه))( الرسائل الرجالية 2: 589 - 590). وهذه المرتبة - يعني الزهد والإخلاص في العبادة - دون مرتبتهم سلام عليهم أجمعين، كما اعترف العامّة بذلك أيضاً، فإنّهم يجوزون تلك المرتبة لجنيد البغدادي، ولأبي يزيد البسطامي، ولإبراهيم البلخي، وأمثالهم، وهم معترفون بأنّ مرتبة أئمّتنا سلام الله عليهم أجمعين أعلى منهم بكثير.
وأمّا من جهة الأخبار الكثيرة من الطرفين الصحيحة من الجانبين أنّه: ((لا يزال العبد يتقّرب إليَّ بالنوافل والعبادات حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله الذي يمشي بها)( عوالي اللئالي 4: 103 الحديث (152)، وانظر: الكافي 2: 352 كتاب الإيمان والكفر، باب من آذى المسلمين واحتقرهم )، فكيف يستبعد أن يكون الله تعالى تكلّم على لسان سيّد العارفين والزاهدين والعابدين؟! هذا على أفهام العامّة.
وأمّا الخاصّة: فلا خلاف عندهم في ذلك، وأخبارنا بذلك متواترة بالنسبة إلى الجميع سلام الله عليهم جميعاً. ولهذا سميّت الصحيفة بـ(أنجيل أهل البيت)، و(زبور آل محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم))، كما أنّ الإنجيل كان يجري على لسان عيسى بن مريم على نبيّنا وآله وعليه السلام، والزبور كان يجري على لسان داود على نبيّنا وآله وعليه السلام)).
وقد ذكر المحقّق لكتاب (بحار الأنوار) عند ذكر الماتن (المجلسي) حديثاً يستدلّ به على صحّة أدعية الصحيفة السجادية، قائلاً عن أستاذه العلاّمة السيّد المرعشي النجفي: كتب اليّ العلاّمة الجوهري الطنطاوي صاحب التفسير المعروف وصول الصحيفة، وشكر لي على هذه الهدية السنية، وأطرى في مدحها والثناء عليها.. إلى أن قال: ومن الشقاء إنّا إلى الآن لم نقف على هذا الأثر القيّم الخالد من مواريث النبوّة وأهل البيت، وإنّي كلّما تأمّلتها رأيتها فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق))(بحار الأنوار 104: 210).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: مركز الابحاث العقائدية
اترك تعليق