عمد المسلمون وعلى مر الدهور ومختلف الأصقاع الى إسباغ نوع من التقديس لعقيدتهم والتقرب الى الله تعالى، وتجديد حركة حياة مجتمعاتهم الروحانية والاجتماعية والتطلع لتقويمها والارتقاء بها الى الايمان بالله ورسوله وترسيخ قواعد الدين الاسلامي ، فنجد عمائر المساجد والمشاهد المقدسة قد شُيدت بأبهى صور العمران المزينة بالنقوش الاسلامية عربية كانت او غير ذلك، وقد كانت مدن الشرق الاقصى الاسلامية من اغنى المدن بالمعالم والمقامات الدينية المقدسة، والتي لعبت دورا مهما في تقويم وتثقيف مجتمعهم الاسلامي وحتى غير الاسلامي. شهدت الصين منذ دخول الإسلام إليها دون غيرها من مدن الشرق، بناء العديد من المساجد والجوامع في شتى أنحائها، في سبيل خدمة الجالية المسلمة في هذه البلاد الشاسعة، وقد بني على أرضها كثير من المساجد العريقة والمميزة بسماتها الخاصة . عند ملاحظة المساجد الصينية نجد انها ذات طراز مميز بتناسق وانسجام عمائرها، حيث تتوزع مبانيها الرئيسية والإضافية بصورة متناسبة لتبدو كوحدة متكاملة وهي تتخذ أشكالاً معمارية متميزة تأثرت فيها من ناحية الشكل العام بثلاثة عوامل: أولها التأثر بروح المعمار الإسلامي من محراب ومآذن واقواس، وثانيها التأثر بالطابع المعماري المحلي باستخدام الأسقف الصينية ذات الأشكال المعروفة حتى طغى الطابع المحلي على المساجد مع مراعاة متطلبات العقيدة الإسلامية، وثالثها التأثر بعمارة المساجد في آسيا الوسطى، ويظهر ذلك في المعالجات المعمارية للمباني من استخدام المداخل والمآذن ذات الكتل الضخمة التي توحي بالثبات والاستقرار، كما نراه في مسجد شيآن الكبير بنموذجه المعماري الذي يمزج التراث الإسلامي والصيني. يعتبر مسجد شيآن المشُيِّد في عهد عائلة تانغ الحاكمة أحد أقدم المساجد في الصين الشعبية.. ويتميز بتعدد مبانيه الملحقة ، التي خُصصت كمكتبات لحفظ المخطوطات وخزانات لأدوات المساجد وفصوله التعليمية ومساكن الطلبة. شرع ببناء المسجد الأدميرال شينغ المنحدر من عائلة مسلمة ساهمت في القضاء على القراصنة والسُراق في بحر الصين في القرن الرابع عشر الميلادي، وقد بدأ في بناء المسجد عام 1392 الميلادي. يقع المسجد الكبير في زقاق شارع هواتشيوي شمالي برج الحرس بمدينة شيآن، وهو مسجد ضخم تبلغ مساحة الأرضية الحالية 15 ألف متر مربع، فيما تبلغ مساحته المعمارية ستة آلاف متر مربع، ويبدو المسجد شبيهاً بالدار الرباعية الصينية القديمة، حيث تتموضع عماراته وقاعاته على ترتيب منظم. يتكون المسجد من أربع دور رباعية متراصة، تتوزع فيها اثنتان وسبعون غرفة من المباني الرئيسية والإضافية .. للدار الأولى حاجزان جانبيان تقع خلفهما بوابة تذكارية زخرفية من الخشب النادر المرصع بالزجاج الملون .. وفي مدخل الدار الثانية بوابة تذكارية كبيرة ذات أربعة أعمدة حجرية. أما الدار الثالثة فهي مظللة بأشجار السرو و الصنوبر وتقع في وسطها قاعة الصلاة وتسمّى قاعة - لي شيو- وهي أقدم قاعات المسجد، في وسطها شاخص صخري نُقش عليه معلومات التقويم الهجري وكيفية تحديد بداية شهر رمضان. للمسجد الجامع مئذنة ضخمة تقع خلف قاعة الصلاة ، وهي مؤلفة من ثلاثة طوابق وثمانية أركان بارتفاع خمسة عشر متراً والى جانبها غرفتان شمالية واخرى جنوبية، تستخدمان لتدريس العلوم الإسلامية، وفيهما نسخة نادرة بخط اليد من القرآن الكريم يرجع تاريخها إلى فترة أسرة تشينغ (1616م-1911م) ورسم ملون قديم لمكة المكرمة. ومن الجدير بالذكر ان مسجد شيان قد اعيد اعماره مرات عديدة ..حيث عمد حكام الصين في بداية القرن الرابع عشر الى أعادة بناء الجامع وصولاً الى القرن السابع عشر والثامن عشر ميلادي حيث نفذت المخطوطات والنقوش على جدران المسجد الداخلية والخارجية حتى خُط القرآن الكريم كاملاً على جدرانه التي مازالت شامخة حتى اليوم وبأبهى صورة لها. اعداد : سامر قحطان القيسي الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق