مقدّمة
جاءت الرسالة الإسلامية الخاتمة لهداية الإنسان، وتحريره من جميع ألوان الانحراف في فكره وسلوكه، وتحريره من ضلال الأوهام ومن عبادة غير الله الواحد الصمد، ومن الانسياق وراء الشهوات والمطامع التي يزيّنها له الشيطان، وتهذيب نفسه من بواعث الأنانية والحقد والعدوان، ومن الرذيلة والانحطاط.
فالأخلاق[1] العظيمة السامية تُرافق الرسالة العظيمة التي حملها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى العالمين، ولها أهميّة بالغة في صياغة مفاهيم وقيم وأحكام هذا الدين الحنيف، وتُمثّل أهم الجهات الإنسانيّة التي عُني بها الدين الإسلامي الحنيف، واهتمَّ بها اهتماماً كبيراً، وهذا ما يظهر جليّاً من تعاليم القرآن الكريم وإرشادات السنّة الشريفة؛ إذ يدخل العامل الأخلاقي في كلّ مرفق من مرافق الحياة التي يدعو لها الإسلام ويحث على رعايته والاهتمام به، سواء في علاقته بنفسه أم بأُسرته وأرحامه وجيرانه، أو ضمن المجتمع الكبير الذي يبني فيه الإنسان المسلم علاقاته المختلفة
مع المسلمين وغيرهم، على مختلف الأصعدة؛ الاجتماعية منها، والاقتصادية، والعلمية وغيرها، كما لم يغفل الإسلام عن قيم الأخلاق حتّى في الحروب مع أعداء الدين.
وإذا تأمّلنا سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم نجدها الأُنموذج الأرقى لمكارم الأخلاق، كيف لا وقد خاطبه الباري سبحانه وتعالى بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)[2]، ولو كان هناك خطاب أجلّ منه في المدح والثناء لمدحه به ـ جلّ وعلا.
فقد كانت أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم معجزة من معاجزه الخالدة، التي تُدلّل على صدق نبوّته؛ إذ تعامل بأخلاق عالية حتّى مع أعدائه والمناوئين له، وشهد بذلك أئمة الكفر أنفسهم، فهذا أبو سفيان الذي أعلن ذلك صراحة بقوله للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : «ولقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ثمّ سالمتك فنعم المسالم أنت»[3].
ناهيك عن المواقف التي تُدلّل على ذلك، والتي تزخر بها كتب المؤلفين، نعم فقد كان قلبه يتّسع لكل النّاس.
وأمّا حروبه صلى الله عليه وآله وسلم التي خاضها، فهي إنّما كانت دفاعاً عن وجود الإسلام وكرامة الإنسان، ومن أجل إعلاء كلمة الله في الأرض، وتحقيق العدل والحق في الأرض، وإشاعة الأخلاق الفاضلة، ولم يحارب يوماً إلّا بعد الإبلاغ والنصيحة والدعوة إلى عبادة الله الواحد، والذين حاربهم هم أُولئك الطغاة المستبدّون الذين تسلّطوا على رقاب النّاس، ومنعوا من وصول صوت الإسلام إلى آذان المحرومين والمعذّبين في الأرض[4].
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يَترك طريقاً من أجل هداية عدوّه وإرشاده إلاّ سلكه، فكان همّه الوحيد هداية خصمه بأية وسيلة، كما كان يُوصي أُمراء جيشه أن لا يقتلوا إلّا مَن قاتلهم، وكان يَنهاهم عن المُثلة[5] ولو بالكلب العقور[6].
ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة، وتغلّب على مشركي قريش الذين حاربوه وآذوه وأخرجوه من دياره وتآمروا عليه وأرادوا قتله بكل وسيلة عفا عنهم، وقال مقولته المعروفة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»[7].
لقد سلك أئمة أهل البيت عليهم السلام منهج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتأدّبوا بآدابه السامية، وتَرجموها واقعاً في أعمالهم وممارساتهم وعلاقاتهم، في سلمهم وحربهم، فكانت إرادة الله لهذه الصفوة من الخلق أن تكون أخلاقهم قدوة لجميع النّاس على مرِّ العصور والأزمان، وفي جميع جوانب الحياة المختلفة، لتحقيق الخير والعدل والسعادة للبشرية.
ولو تَصفّحنا حياةَ الإمام الحسين عليه السلام لوجدنا الخلق الرفيع هي الخصيصة البارزة في سلوكه وحياته، فقد أثبت بسلوكه الرسالي، وأخلاقه العالية التي هي أخلاق رسول الله وأخلاق القرآن الكريم أنّه كان بحقٍّ ممثّل الرسالة، والوريث الشرعي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فصار عليه السلام الإسلام نفسه بكلّ قيمه ومبادئه العظيمة الخيِّرة، حتّى اعترف له بذلك عدوّه اللّدود معاوية بن أبي سفيان أمام ابنه يزيد وجمع من أعوانه ومريديه، حين طلبوا منه أن يُبيّن عيباً للحسين بن علي عليهما السلام ، فقال: «وما عسيتُ أن أعيبَ حسيناً، وما أرى للعيب فيه موضعاً»[8].
لقد رسم لنا الإمام الحسين عليه السلام أُنموذجاً رائعاً في المواقف الأخلاقيّة الخالدة، لا سيّما في نهضته المباركة التي قام بها للوقوف بوجه الانتهاكات غير الأخلاقيّة للحزب الأُموي الظالم، هذه النهضة التي لم تَنفكّ عن أخلاق الإسلام وقيمه ومبادئه العظيمة، التي كانت تُمثل أخلاق محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الملتزمة بحذافير التشريع الإسلامي ودقائق المُثل العليا للدين.
وهذا ما يتّضح من خلال سلوكه وأخلاقه في ظروف الحرب، التي تُعتبر من أشدّ الظروف التي يُمكن أن تَمرَّ على الإنسان، ففي تلك المواقف التي يَصعبُ فيها ضبطُ التصرّفات والتعاملات وفق الضوابط الأخلاقيّة والإنسانية، إلّا أنّ الإمام الحسين عليه السلام وهو ثمرة تربية الرسول وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء عليهم السلام أثبت أنّ الالتزام بالقواعد الإسلامية المثالية التي وردت في كتاب الله تعالى ليس ضرباً من الخيال، أو تحتاج إلى عالمٍ مثالي خالٍ من الشر والرذائل، بل هو أمر ممكن؛ لأنّها قواعد واقعية إضافةً إلى كونها مثالية، قواعد يمكن تطبيقها، وأن يحيى بها الإنسان كما استطاع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يحيى بها، وهكذا الإمام عليّ وسائر المعصومين عليهم السلام .
وفيما يلي نعرض أهم المواقف الأخلاقيّة التي اتّخذها الإمام الحسين عليه السلام في حربه ضد طاغية عصره، وسيكون بحثنا في محاور ثلاثة هي:
أوّلاً: أخلاق الحسين عليه السلام حين الحرب في تعامله مع الأعداء.
ثانياً: أخلاق الحسين عليه السلام حين الحرب في تعامله مع الأتباع.
ثالثاً: أخلاق الحسين عليه السلام حين الحرب في تعامله مع غير الإنسان.
المحور الأول: أخلاق الحسين عليه السلام حين الحرب في تعامله مع الأعداء
ويتضمن هذا المحور عدّة نقاط هي:
1ــ الحوار وإلقاء الحجة على الخصم
ذكرنا فيما سبق أنّ الإمام الحسين عليه السلام قد تجسّدت فيه أخلاق الإسلام وأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنها المحافظة على القيم الأخلاقيّة حتى في حال الحرب، ومن مصاديق هذه الأخلاق حواره مع الأعداء والمخالفين، وإلقاء الحجّة عليهم قبل الحرب، وهو خُلق قرآني محمّدي، فالإمام كان حريصاً على هداية الآخرين، ساعياً لتوضيح الحقائق وكشف الأُمور وبيان الواقع لهم، ليهلك مَن هلك عن بيّنة، ويحيى مَن حيّ عن بيّنة.
وهذا ما يظهر لنا بوضوح في كلّ موقف وقف فيه الإمام مع مَن يختلف معه، حتّى وإن كان مِمَّن يريد قتله وسفك دمه، فكان يُحاورهم بالتي هي أحسن، من قبيل الحرّ وجيشه؛ إذ تَحدّث معهم ونصحهم، وذلك في منطقة البيضة[9]، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «أيُّها النّاس، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: مَن رآى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يُغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يُدخله مُدخله. ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيئ، وأحلوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ مَن غيّر، وقد أتتني كتبكم، وقدمت عليَّ رُسلكم ببيعتكم أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رُشدكم، فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم، فلكم فيّ أُسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري، ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم، والمغرور مَن اغترّ بكم، فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيّعتم، ومَن نكث فإنّما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم والسلام»[10].
وهكذا كانت خطاباته الكثيرة في جموع جيش يزيد في يوم عاشوراء، فالإمام الحسين عليه السلام لم يكن ينتظر من أُولئك شيئاً إلّا الرغبة في إنقاذهم من ضلالهم، فكان ينادي: «فانسبوني فاُنظروا مَن أنا، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فاُنظروا هل يحلُّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي، ألست ابن بنت نبيّكم صلى الله عليه وآله وسلم ، وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين بالله، والمصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه؟! أوَ ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟! أوَ ليس جعفر الشهيد الطيّار ذو الجناحين عمّي؟! أوَ لم يبلغكم قول مُستفيض فيكم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي ولأخي: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة.
فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحق، والله، ما تعمدّت كذباً مُذ علمت أنّ الله يَمقُتُ عليه أهله، ويضرُّ به مَن اختلقه، وإن كذّبتموني فإنّ فيكم مَن إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، أو أبا سعيد الخدري، أو سهل بن سعد الساعدي، أو زيد بن أرقم، أو أنس بن مالك؛ يُخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي ولأخي، أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟!... فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكّون أثراً ما أنّي ابن بنت نبيّكم؟! فوالله، ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري منكم ولا من غيركم، أنا ابن بنت نبيّكم خاصّة، أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص من جراحة؟!»[11].
فمن خلال هذه الكلمات وغيرها بيّن الإمام الحسين عليه السلام واقع الأمر، وأوضح لهم قبح العمل الذي يُوشكون على فعله، فلم يترك عذراً لمُعتذر.
كما أنه عليه السلام أذن لِمَن أراد أن يخطب من أصحابه لوعظ القوم، كزهير بن القين الذي خرج حينما زحف جيش يزيد نحو معسكر الإمام الحسين عليه السلام ، وقد أبلغ بالنصح والوعظ لهم، إلاّ أنّ القوم لم يستجيبوا لهذا النداء، بل سبّوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد، فكانوا ممَّن ختم الله على قلوبهم، ووصل الحال أن رماه شمرُ بن ذي الجوشن بسهم ولم يُثنِه ذلك من النصيحة لهم، ولكنهم أصرّوا على غيّهم وضلالتهم، عند ذلك ناداه رجل من معسكر الإمام عليه السلام قائلاً: «إنّ أبا عبد الله يقول لك: أقبل، فلعمري، لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ»[12].
ثم تقدّم الإمام الحسين عليه السلام حينما رأى صفوفهم كالسيل والليل، فخطب قائلاً: «الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور مَن غرَّته، والشقيّ مَن فتنته، فلا تغرنّكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور... فنعم الربّ ربّنا! وبئس العباد أنتم! أقررتم بالطاعة، وآمنتم بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ثمّ أنتم رجعتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتباً لكم ولما تريدون! إنّا لله وانّا إليه راجعون! هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبُعداً للقوم الظالمين»[13].
ولم يَنحصر كلام الإمام عليه السلام في النصح والموعظة وإلقاء الحجّة مع الجموع فقط، بل كان ذلك مع آحاد النّاس أيضاً، كعبيد الله بن الحرّ الجعفي، الذي كان عثماني العقيدة كما يذكر بعض المؤرخين ولأجل ذلك خرج إلى معاوية وحارب الإمام علياً عليه السلام يوم صفين[14]، وكان من زعماء العرب، ولكنّه مع ذلك لمّا اكتشف ظلم الأُمويين وعدوانهم حاول منذ البداية أن يتجنّب حرب الحسين عليه السلام ، فخرج من الكوفة هرباً وتخلّصاً من ابن زياد، ولكنّه التقى الإمام عليه السلام في الطريق، فَعرضَ عليه الإمام الحسين عليه السلام نصرته فأبى، مع علمه واعترافه بالسعادة الأُخروية لمن يشايع الحسين عليه السلام ، وكان ما كان من موقف إذ عرض على الإمام أن يأخذ فرسه، إلّا أنّ الإمام عليه السلام رفض ذلك قائلاً: «أما إذا رغبت بنفسك عنّا فلا حاجة لنا إلى فرسك»[15].
ويشبه هذا الموقف موقف عمرو بن قيس المشرقي وابن عمه، اللذين التقاهما الحسين عليه السلام وطلب منهما النصرة، وألقى عليهما الحجّة، فاعتذرا بالعيال وأمانات النّاس، فقال الإمام عليه السلام لهما: «فانطلقا فلا تسمعا لي واعية، ولا تريا لي سواداً؛ فإنّه مَن سمع واعيتنا، أو رأى سوادنا فلم يُجبنا ولم يُعنّا كان حقّاً على الله عزّ وجلّ أن يكبّه على منخريه في النار»[16].
وعندما عجزت الوسائل السلميّة وأُلقيت على الأعداء الحجّة، ووصل الأمر إلى طريق مسدود كانت الحرب هي نهاية المطاف؛ لأنّ الإمام عليه السلام أبى إلّا العزّة والكرامة، وقال مقولته المشهورة: «والله، لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد»[17].
2ــ رفض البدء بالقتال
المعروف من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام هو عدم البدء بالقتال في حروبهم مع أعداء الإسلام الأصيل؛ لأنّهم عليهم السلام دعاة سلام وليسوا دعاة حرب، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في معاركه التي خاضها كمعركة بدر وغيرها ـ وهي معارك دفاعية ـ يبتدأ أعداءه بالقتال، ولا يقاتل إلّا بعد أن يبدأ الطرف الآخر بذلك.
وكما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يبدأ أحداً بقتال كان الإمام علي عليه السلام كذلك، ولم يكن موقفه من الخوارج، إلّا امتداداً لذلك الخُلُق المحمّدي، فقد قال عليه السلام لأصحابه: «كفّوا عنهم حتّى يبدأوكم»[18].
وهذا ما قام به سيّد الشهداء في ثورته المباركة، حيث حرص عليه السلام على تجسيد مفاهيم الإسلام وقيمه في الحروب، فقد رفض البدء بالقتال، ففي طريقه إلى كربلاء قابل أوّل طلائع جيش يزيد بن معاوية بقيادة الحرّ الرياحي، الذي جعجع بالإمام الحسين عليه السلام ، ومنعه من أن يُواصل طريقه إلى الكوفة، فطلب زهير بن القين من الإمام عليه السلام قتالهم؛ لأن ذلك أهون من قتال الجيوش التي سوف تأتي بعدهم.
فقال الإمام عليه السلام : «ما كنت لأبدأهم بالقتال»[19]. ولو أنّ الإمام قاتلهم لهزمهم، ولكنّه رفض البدء بقتالهم.
وفي اليوم العاشر من المحرّم وقف شمر أمام معسكر الإمام الحسين عليه السلام ، وبدأ يكيل السباب والشتم للإمام، فأراد مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فقال له الإمام عليه السلام : «لا ترمِه؛ فإنّي أكره أن أبدأهم»[20].
وقبل نشوب الحرب كان كلّ مَن يخرج من أنصار الإمام الحسين عليه السلام للوعظ والنصيحة يتراجع إلى الوراء إذا رُمي بالسهام؛ اتّباعاً لتعليمات الإمام الحسين عليه السلام .
وكان هذا الخُلُق حجّة أُخرى على القوم تُضاف إلى الحجج المتقدّمة، وكما يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام موصياً أصحابه: «لا تقاتلوا القوم حتّى يبدأوكم، فإنّكم بحمد الله على حجّة، وترككم إياهم حتّى يبدأوكم حجّة أُخرى لكم»[21].
ولهذا كان الإمام الحسين عليه السلام يقول لجيش يزيد (لعنه الله): «...أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص من جراحة...»[22].
3ــ سقاية جيش الحر
إنّ المواقف الإنسانية والأخلاقيّة التي وقفها الإمام الحسين عليه السلام في رحلته إلى الشهادة على صعيد كربلاء قلَّ نظيرها، ولو وُجِدت لكانت مُنحصرة ببيت النبوّة والإمامة، ومن هذه المواقف سقاية الماء للأعداء، التي تأسّى فيها الإمام الحسين عليه السلام بجّده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبيه أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد نقلت لنا كتب التاريخ والسير أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة بدر أمرَ المسلمين بالسماح للمشركين بشرب الماء من البئر التي كانت تحت سيطرة جيش المسلمين[23].
وهذا ما فعله أيضاً أمير المؤمنين عليه السلام في معركة صفّين، فبالرغم من أنّ الماء في بادئ الأمر كان تحت سيطرة معسكر معاوية، الذين أحاطوا بشريعة الفرات، وسألهم الإمام علي عليه السلام وأصحابه أن يشرعوا لهم شرب الماء، فيشرب الجيشان على السواء. فقال معاوية: لا والله، ولا قطرة حتّى يموتوا عطشاً. عند ذلك تَقدّم الإمام عليه السلام بأصحابه، وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة، حتّى أزالهم عن مراكزهم بعد قتال ذريع، سقطت فيه الرؤوس والأيدي، وملكوا عليهم الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم، فقال له أصحابه وشيعته: امنعهم الماء يا أمير المؤمنين، كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضاً بالأيدي، فلا حاجة لك إلى الحرب. فقال عليه السلام : «لا والله، لا أكافئهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشريعة، ففي حدّ السيف ما يُغني عن ذلك»[24]؛ فإنَّ أخلاق الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الإلهية أبت عليه أن يُقابل الشرّ إلّا بالخير، والسيئة إلّا بالحسنة، والضلال إلّا بالهُدى[25].
وهكذا كانت أخلاق سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام مع الحرّ الرياحي وكتيبته كتيبة الطليعة التي كان قوامها ألف فارس، حين التقوا بالركب المبارك للإمام عليه السلام وقد أوشك العطش أن يفتك بهم.
وتفصيل ذلك: إنّ الإمام الحسين عليه السلام سار من «بطن العقبة حتّى نزل شراف[26]، فلمّا كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا، ثمّ سار منها حتّى انتصف النهار، فبينا هو يسير إذ كبّر رجل من أصحابه. فقال له الحسين عليه السلام : الله أكبر، لِمَ كبّرت؟ قال: رأيت النخل. فقال له جماعة من أصحابه: والله، إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلة قط. فقال الإمام الحسين عليه السلام : فما ترونه؟ قالوا: نراه والله آذان الخيل. قال: أنا والله أرى ذلك. ثمّ قال عليه السلام : ما لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا، ونستقبل القوم بوجهٍ واحد؟ فقلنا: بلى، هذا ذو حَسمى[27] إلى جنبك، تميل إليه عن يسارك، فإن سبقت إليه فهو كما تريد. فأخذ إليه ذات اليسار وملنا معه، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل[28] فتبيّناها وعدلنا، فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأن أسنتهم اليعاسيب[29]، وكأن راياتهم أجنحة الطير، فاستبقنا إلى ذي حسمى فسبقناهم إليه، وأمر الحسين عليه السلام بأبنيته فضُربت. وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين عليه السلام في حَرِّ الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمّون متقلدوا أسيافهم، فقال الحسين عليه السلام لفتيانه: اسقوا القوم وأرووهم من الماء، ورشفوا الخيل ترشيفاً. ففعلوا وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس[30] من الماء، ثمّ يدنونها من الفرس، فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عُزِلَت عنه وسقوا آخر، حتّى سقوها كلّها. فقال علي بن الطعّان المحاربي: كنت مع الحرّ يومئذ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلما رأى الحسين عليه السلام ما بي وبفرسي من العطش قال: أنخ الراوية. والراوية عندي السقاء، ثمّ قال: يا بن أخي، أنخ الجمل. فأنخته، فقال: اشرب. فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسين عليه السلام : أخنث السقاء. أي: اعطفه، فلم أدرِ كيف أفعل، فقام فخنثه فشربت وسقيت فرسي»[31].
إنّ مثل هكذا مواقف تتزاحم فيها القيم الأخلاقيّة لكثرتها، فتجد فيها الرحمة والعطف والشفقة والإحسان والكرم من قِبَل الإمام عليه السلام على هؤلاء الجمع في تلك البيداء المقفرة التي تعزُّ فيها الجرعة الواحدة، وهو عالم بحراجة الموقف ونفاد الماء، وأنّ غداً دونه تسيل النفوس، ولكن العنصر النبوي والكرم العلوي لم يتركا صاحبهما إلّا أن يحوز الفضل.
وهنا كان بإمكان الإمام عليه السلام أن يبيدهم عن آخرهم، ويغنم كلّ ما معهم من خيول وجمال ومتاع، وكان ذلك عليه سهلاً يسيراً، إلّا أنّ أخلاقه العالية دعته لأن يسقيهم ويرشّف خيولهم، مع علمه بأنّهم سيقاتلونه في نهاية المطاف.
وهذه المناقب العالية والأخلاق السامية هي أمرٌ طبيعي ومتوقع في سجلِّ أهل البيت الأطهار عليهم السلام ؛ لأنّ عادتهم الإحسان، وسجيّتهم الكرم حتّى مع الأعداء.
وهذه أخلاق لا يُعادلها شيء، فلو عرضنا هذه المواقف للعالم لدخل العالم إلى الإسلام عن طريق الإمام الحسين بن علي عليه السلام .
4 ــ قبول توبة مَن خالفه
بعد تلك الخطابات التي خطبها الإمام الحسين عليه السلام وبعض أصحابه رضوان الله عليهم والتي بيّنوا من خلالها الحقائق وواقع الأُمور، والهدف الذي خرجوا من أجله بوجه الطاغية يزيد ندم الحرّ الرياحي على ما اقترفه من خطأ حين منع الإمام ومَن معه وجعجع بهم، وفي الصعاب والملمات تظهر معادن الرجال، فحينما زحف عمر بن سعد نحو معسكر الإمام الحسين أتاه الحرّ قائلاً: «أصلحك الله! أمُقاتل أنت هذا الرجل؟ قال له: أي والله، قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي. قال: أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضىً؟ قال عمر بن سعد: أما والله، لو كان الأمر إليّ لفعلت، ولكن أميرك قد أبى ذلك.
فأقبل الحرّ حتّى وقف من النّاس موقفاً، ومعه رجل من قومه يُقال له: قرة بن قيس، فقال له: يا قرة، هل سقيت فرسك اليوم؟ قال: لا. قال: أما تريد أن تسقيه؟ فظنّ قرة أنّ الحرّ يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال، وكره أن يَراه حين يصنع ذلك، فانطلق قرة ليسقيه، فأخذ الحرّ يَدنو من الإمام الحسين عليه السلام قليلاً قليلاً، فقال له رجل من قومه يُقال له: المهاجر بن الأوس ـ: ما تريد يا بن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت الحرّ وأخذته مثل الرعدة، فقال له: يا بن يزيد، والله، إنّ أمرك لمريب، والله، ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن، ولو قيل لي: مَن أشجع أهل الكوفة رجلاً؟ ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟! فقال الحر: إنّي والله أُخيّر نفسي بين الجنّة والنّار، ووالله، لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطِّعتُ وحرِّقتُ.
ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين عليه السلام ، فقال له: جعلني الله فداك يا بن رسول الله! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق، وجَعجعتُ بك في هذا المكان، والله الذي لا إله إلّا هو، ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبداً، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، فقلت في نفسي: لا أُبالي أن أُطيع القوم في بعض أمرهم، ولا يرون أنّي خرجت من طاعتهم، وأمّا هم فسيقبلون بعض ما تدعوهم إليه، ووالله، لو ظننت أنّهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، وإني قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربي، ومواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك، أفترى ذلك لي توبة؟ قال: نعم يتوب الله عليك ويغفر لك. وقال: أنت الحرّ كما سمتك أُمّك، أنت الحرّ إن شاء الله في الدنيا والآخرة، انزل. قال: أنا لك فارساً خير منّي راجلاً، أُقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول ما يصير آخر أمري. قال الحسين عليه السلام : فاصنع يرحمك الله ما بَدا لك»[32].
ثمّ تقدّم نحو جيش ابن سعد ووعظهم فلم ينفع، فقاتل حتّى استُشهِد رضوان الله عليه.
وهكذا تحوّل الحرّ ببركة سعة صدر الإمام الحسين عليه السلام وعفوه عنه وقبول توبته إلى صفِّ الإيمان والحقِّ والجهاد والشهادة.
5 ـ لم يُجهز على جريح
رُغم كثرة الأقلام المأجورة التي حاولت وللأسف أن تَنال مِن ثورة الإمام الحسين عليه السلام ؛ دفاعاً منهم عن طاغية الشام يزيد، وتصحيحاً لموقفه في قتل سيد شباب أهل الجنّة، إلّا أنّنا لا نجد أنهم ذكروا ولو مورداً واحداً يتنافى مع أخلاق الإسلام قد صدر من الإمام أو من أتباعه في معركة الطفّ، ولو كان لبان، خصوصاً مع وجود مَن يَتحيّن الفرصة؛ لكي يذكر مثلبة واحدة عن الإمام الحسين عليه السلام . فالإجهاز على الجريح تعدُّ واحدة من مثالب الحروب، ومع ذلك فهذا تاريخ بني أُمية وهم من أشدّ المناوئين لمنهج الإمام الحسين لم يُحدّثنا عن إجهاز الإمام عليه السلام على أيِّ جريح سقط من الأعداء.
وهذا خُلُق دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ودعا إليه أمير المؤمنين عليه السلام في الحروب التي خاضاها، وبما أنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يخرج إلا لكي يخطو خطى جدِّه وأبيه؛ لذا نراه قد جسَّد هذا الخلق بأتم وجه.
الكاتب: د.الشيخ عدي السهلاني
مجلة الإصلاح الحسيني – العدد الحادي عشر
مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
________________________________________
[1] (الأخلاق) مفردها: خلق؛ «وخلق: الخاء واللام والقاف أصلان: أحدهما: تقدير الشيء، كقولهم: خَلَقْتُ الأديم للسقاء، إذا قدَّرته (صنَّعته). والآخر: ملاسة الشيء، كقولهم: صخرة خلقاء، أي: ملساء». ومن الأوّل نأخذ معنى الخُلُق: وهي السجيَّة؛ لأنّ صاحبه قد قدّر عليه. معجم مقاييس اللغة: ج2، ص214، بتصرّف. وقد عرَّفه النراقي بقوله: «عبارة عن ملكة للنفس، مقتضية لصدور الأفعال بسهولة، من دون احتياج إلى فكر ورويّة». النراقي، محمد مهدي، جامع السعادات: ج1، ص46.
[2] القلم: آية 4.
[3] ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج23، ص432.
[4] وهذا ما كان يدعو النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتأسّف والتحسّر لموقف قريش المعادي للإسلام حتّى قال: «يا ويحَ قريش! قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب؛ فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش؟! فوالله، لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله به حتّى يُظهره الله أو تنفرد هذه السالفة». الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص272.
[5] تشويه جسد الميت.
[6] اُنظر: نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: ص422.
[7] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج3، ص513.
[8] الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص22.
[9] بيضة: «موضع بين العذيب وواقصة في أرض الحزن من ديار بنى يربوع بن حنظلة». اُنظر: الحموي، معجم البلدان: ج1، ص532.
[10] الأزدي، أبو مخنف، مقتل الحسين عليه السلام : ص85 ـ 86.
[11] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص322.
[12] المصدر السابق: ص324.
[13] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص249.
[14] اُنظر: ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون: ج3، ص148.
[15] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص251.
[16] الصدوق، محمد بن علي، ثواب الأعمال: ص259.
[17] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص98.
[18] البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج2، ص371.
[19] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص84.
[20] الأزدي، أبو مخنف، مقتل الحسين عليه السلام : ص116.
[21] العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج15، ص93.
[22] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص323.
[23] اُنظر: ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج14، ص122.
[24] المصدر السابق: ج1، ص23ـ 24.
[25] وكانت أخلاق الإمام علي عليه السلام معروفة لأعدائه، وهذا ما يظهر من قول عمر بن العاص لمعاوية بعد أن منعوا جيش الإمام من الماء: «يا معاوية، ما ظنك بالقوم إن منعوك الماء اليوم كما منعتهم أمس، أتُراك تضاربهم عليه كما ضاربوك عليه؟ وما أغنى عنك أن تكشف لهم السوءة. قال: دع عنك ما مضى منه، ما ظنّك بعلي؟ قال: ظنّي أنه لا يستحل منك ما استحللت منه، وأنّ الذي جاء له غير الماء». المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين: ص186.
[26] شراف: (ماء بنجد). اُنظر: الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان: ج3، ص331.
[27] جبال شواهق بالبادية.
[28] أقبلت هوادي الخيل: إذا بدت أعناقها.
[29] اليعاسيب: جمع يعسوب، وهو أمير النحل، شبهها في كثرتها بأن كلاً منها: كأنّه أمير النحل اجتمع عليه عسكره.
[30] الطساس: جمع طسّ، وهو معرّب طست، وهو إناء معروف. اُنظر: الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين: ج2، ص210.
[31] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص76ـ 78.
[32] اُنظر: أبو مخنف، لوط بن يحيى، مقتل الحسين عليه السلام : ص120 ـ 122. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص64.
اترك تعليق