الحلقة الخامسة كيف وصل يزيد إلى الحكم؟ في تلك الفترة المظلمة من تاريخ الإسلام التي ساد فيها انهيار القيم وفساد الأخلاق يشير أحد أتباع معاوية عليه، وهو المغيرة بن شعبة الثقفي، (أزنى ثقيف) بأن يورّث الخلافة ليزيد! وكان سبب هذا الرأي من هذا المنافق هو أنه أراد أن تكون له يد عند يزيد بعد معاوية ولكي يرسي دعائم ولايته على الكوفة بعد وصول أنباء عن عزله عنها. وفكّر معاوية ودبّر وقدّر, فقُتل كيف قدّر, ثم قُتل كيف قدّر. حتى أتباع معاوية لم يستوعب أحد منهم فكرة أن يكون هذا المسخ (أميراً للمؤمنين)! شاب متهتّك, سكير, عربيد, شاذ, سادي, نديماه: قرد وكلب، يعتلي أعلى منصب في الإسلام وهو (الخلافة)! لقد أثار إعلان معاوية توليه ليزيد بعده استياءً واستنكاراً شديدين حتى من قبل جلسائه الذين يعرفون يزيد جيداً، حتى قال الشاعر عبد الله بن همام السلولي: فأن تأتوا برملة أو بهندٍ *** نبايعها أميرة مؤمنينا إذا ما مات كسرى قام كسرى *** نعدُّ ثلاثة متتابعينا حشينا الغيض حتى لو شربنا *** دماءَ بني أمية ما روينا وتجاهل معاوية كل مشاعر السخط والنقمة من قبل الناس وعمل بكل وسائل مكره وبطشه على تنفيذ هذه الفكرة غير عابئ بالعواقب الوخيمة التي ستجرّها هذه الخلافة المشؤومة على الأمة، ضارباً بآراء المسلمين واعتراضاتهم عليها عرض الحائط، ولا نريد هنا استعراض الوسائل الدنيئة التي اتبعها معاوية في سبيل تحقيق هذه الغاية من قتل وغدر ومكر واحتيال فهي موجودة في المصادر، ولكن في النهاية فرض معاوية على المسلمين ابنه خليفة لهم. فحينما يحكم السيف تخرس الألسن. ماذا فعل الحسين، وهو سبط محمد وابن علي وفاطمة ووريث النبوة..؟ هل يبايع !! أيبايع هذا النكرة الإمعة سليل ابن آكلة الأكباد والمنحدر من سلالة ذوات الرايات وعبدة الدينار والدرهم!!! لقد أعلن الحسين موقفه الصريح بالرفض والمواجهة: (ألا وإن الدعي ابن الدعي، قد ركّز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منّا الذلة, يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون, وحجور طابت وطهرت, ونفوس أبية, وأنوف حمية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام..). بهذه الكلمات أعلن سيد الشهداء وأبو الأحرار ثورته المتوهّجة بالدم إلى الأبد. كانت ثورة, وكانت جذوة, وكانت صرخة في ضمير الأمة ستبقى مدوّية إلى الأبد. ولا نريد هنا استعراض هذه الثورة من جوانبها السياسية والعسكرية والتقصّي عن أحداثها من خروج الحسين من المدينة إلى مكة ثم استشهاده في كربلاء. ولكن بغض النظر عن كل الحيثيات كانت هناك حقيقة واحدة يجب أن تكشف وهي أن الوضع الراهن كان يحتم أن تكون ثورة، ويحتم أن يكون ثائر يواجه الإنحراف الأموي، فكان الحسين، وكانت كربلاء. فحينما ينتصر الباطل في أبشع صوره ويكتسح الحكم الإرهابي أمامه كل العقبات، ينعدم إحساس الخير في النفوس، فتفقد الأمل وتنهار وتنتقل عدوى فقدان الكرامة ويستشري الإجرام فلا يكون هناك تخطيط لعملية توازن في القوى للمواجهة. فالدين بما فيه من مثل عليا ومبادئ سامية يستوجب على الإنسان أن ينهض ولو كان وحده وهذا ما فعله الحسين، فقد اختار دوره أو بالأحرى فقد اختاره دوره, ابن النبي وأشرف إنسان على وجه الأرض يقدم على المواجهة مهما تكن القوة التي تجابهه ويقدّم دمه ودماء أهل بيته وأصحابه الذين اصطفاهم واستخلصهم والذين تبلورت فيهم كل مبادئ الثورة وقيمها لتكون الصرخة التي توقظ الضمير الإنساني. خرج الحسين، ولم يكن لخروجه معنى سوى الشهادة، فبالشهادة وحدها يبقى الإسلام فارتبط الإسلام بالحسين بمعنى وثيق لا ينفصم أبداً وارتبط الحسين بالإسلام فكان معناه. محمد طاهر الصفار
اترك تعليق