الشيخ هادي الكربلائي صوتا حسينيا خالدا وذكريات لا تمحوها الذاكرة الكربلائية

العلامة القادر والفقيه الورع والخطيب المفوه الذي اذا اعتلى المنبر خشعت لحديثه القلوب وارتدت الأنفاس وانفجرت الدموع فلا يملك من يسمعه الا ان يسلم نفسه اليه دون شرط او قيد فهو المتكلم البارع البليغ الذي يدير المنبر والخطاب بنفس السهولة بنفس السهولة التي يدير بها حبات سبحته وهو جالس في مصلاه . من هنا كان الحديث عن الشيخ هادي الكربلائي علم من اعلام كربلاء لان هذا الرجل كان اية من ايات الخطاب الحسيني الناجح المؤثر الذي يربي الناس ، وحتى نعلم عن بعض جوانب الحياة لهذا الخطيب الجليل فقد حدثنا نجله الشيخ بهاء هادي صالح الكربلائي عن ذلك . يقول بداية الوالد رحمه الله كانت على يد الشيخ المرحوم المغفور له محسن ابو الحب حيث كان خطيب كربلاء الأول ومنه تعلم الخطابة . وتابع بالقول الشيخ بهاء ان من الميزات التي يمتاز بها الوالد هو سرعة البديهة في خلق جو حسيني امام أي موقف يعترضه وفي أي مجلس يجلسه وقد حدثنا الوالد عن موقف له حدث في مجلس ال كمونة المعروف في كربلاء حيث يقام مجلس عزاء في العشرة الاولى من محرم الحرام وفي كل عام ويكون صباحا دائما ويمتاز هذا المجلس بحضور كبار علمائنا وكذلك شخصيات سياسية لها مكانتها في المجتمع الكربلائي وفي احدى المرات عندما كان الوالد الشيخ هادي الكربلائي يخطب لما وصل الى الكوريز للمصيبة جاءه شيخ من بيت فتح الله ليخبره بقدوم السيد محسن الحكيم ، وكما وهو معلوم من براعة الشيخ الكربلائي فانه يجعل من خطابته تحية للمقابل والربط بواقعة الطف فوجه كلامه بتعزية سماحة السيد الحكيم قدس سره لاستشهاد جده الحسين عليه السلام ومن ثم استرسل في قراءته للمجلس مخاطبا السيد قائلا له مولانا عند حضورك الى المجلس كان مجيئك من النجف الاشرف مرورا بضريح الحسين عليه السلام ام بالخيام ( حيث القادم من النجف الى بيت آل كمونة يكون مروره اما من المخيم الحسيني او زيارة الحسين عليه السلام ثم التوجه للمجلس ) فان كان مرورك من على الخيام هل رايت وسمعت جيش اللعين يزيد ينادي احرقوا الخيام هل احرقوا الخيام ؟ وهذا يرافقه بكاء ونحيب من قبل الحاضرين ، واذا كان قدومك من ضريح الحسين عليه السلام هل رايت الشمر اللعين جالس على صدر الحسين وتابع بقراءته المصيبة . ولما اكمل المجلس والتقائه بالسيد الحكيم قدس سره قال له ( انت مؤيد ياشيخ هادي ). ويتابع الشيخ بهاء نجل الشيخ المرحوم سرد تفاصيل اللقاء الثاني لوالده بالسيد الحكيم حيث بعد زيارة العباس عليه السلام وطلب اهالي الحلة من الشيخ الكربلائي القراءة في الحلة وامتناع الوالد صادف وجود السيد الحكيم في نفس الوقت فتوسط اهالي الحلة من السيد الحكيم ان يقنع الوالد للقراءة في الحلة فقال السيد الحكيم قدس سره : اذا كان الناس لهم رغبة لماذا لم تلبي طلبهم ؟ فاجاب الوالد سيدنا انا عندما اقرأ انظر الى القبة فالقبة توحي لي بالقراءة وفي الحلة لا يوجد قبة . فنزلت دموع السيد الحكيم من تحت منظرته وقال للشيخ امض يا شيخ هادي . الموقف الاخر مع السيد ابي القاسم الخوئي قدس سره كان للوالد مجلس في عكد اليزدية مقابل مدرسة ابن فهد الحلي في بيت الحاج مجيد الملقب ( ابو الكلاوات ـ جمع كلاو ويعني غطاء الراس أي العرقجين ) وقت المجلس كان صباحا حيث حضر السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره المجلس وبعد انهاء قراءة المجلس وجد مجال من الوقت لقراءة بعض الجمل الفارسية اكراما للسيد ولما انتهى قال له السيد قدس سره بلغني انك خطيب بارع بالعربية وانا اشهد انك خطيب بارع بالفارسية . اما الشيخ الدكتور احمد الوائلي رحمه الله فقد قال لو اردت ان استمع الى مصيبة الحسين عليه السلام لاستمعت لها بصوت الشيخ المرحوم هادي الكربلائي . ومن المعاجز والكرامات التي رافقت مجالس الشيخ هادي الكربلائي يرويها الشيخ بهاء نقلا عن الشيخ مهدي الكتبي صاحب مكتبة لبيع وتجليد الكتب في باب القبلة بالقرب من مدرسة ابن فهد الحلي يقول : في احدى مجالس الشيخ في الصحن الحسيني الشريف وفجأة يدخل الحاج جواد المؤذن ـ مؤذن الحضرة الحسينية المقدسة في حينها ـ يدخل مهرولا وهو ينادي يا شيخ هادي اقرأ مصيبة الزهراء ، انت مأمور بقراءة مصيبة الزهراء سلام الله عليها وفعلا قرأ الشيخ هادي مصيبة الزهراء .  والامر الذي جعل الشيخ يقرأ مصيبة الزهراء جاء على لسان المؤذن جواد المؤذن حيث طافت عليه زينب عليها السلام في نومه وقالت له : ياحاج جواد انهض من نومك انا زينب العقيلة اخت الامام الحسين وهذا الشيخ هادي يقرأ على المنبر وانت نائم قم وقل له فليقرأ مصيبة امي فاطمة . نهض من نومه فزعا وجاء مهرولا الى مجلس الشيخ هادي ليخبره بالامر. ويستمر الشيخ بهاء في سرد محطات من حياة والده فيقول عنه انه كان كتوم جدا ولا يفضي لاحد باسراره ويعتبر الوالد هو القارئ الوحيد الذي استمر على احياء مجالس الحسين الى يوم مماته ليلة 28 جمادى اخر عام 1412هـ الموافق 4/1/1992 وحتى ان جريدة القادسية نشرت في عددها الصادر في 8/1/1992 خبر وفاته كالاتي بمزيد من الاسى والاسف ينعى خطباء كربلاء ةادباؤها الفاضل الشيخ هادي الشيخ صالح الخفاجي من اعلام الخطابة والادب عن عملا ناهز الثمانين عاما وقد اقيمت على روحه الفاتحة في ديوان ال كمونة في كربلاء وارخ وفاته الشاعر المؤرخ تيسير سعيد الاسدي بالابيات التالية هاهو المنبر في الطف ينادي قد ثوى في كربلا صوت الرشاد ايها الباكي على مبكي العباد كربلا ارخ (بـكت لـلشيـخ هادي) واما عن حكاية رفض الشيخ استخدام مكبرة الصوت في مجلسه يقول الشيخ بهاء ان رفضه هذا جاء لان هذه الالة كانت تستخدم من قبل المطربين واللاهين عن ذكر الله لهذا استشكل في استخدامها لحين استصدار فتوى من السيد محسن الحكيم قدس سره وعندما جاءه الايعاز من سماحة السيد بجواز استخدامها استخدمها. هنا لنا تعقيب حيث ذكر بعض الكتاب المعاصرين هذه الحكاية من باب الانتقاد ان الشيوخ ترفض التطور والحقيقة ليس هذا بل ان هذه الالة الغريبة كانت تستخدم في مجالس اللهو والغناء وهذا امر طبيعي ان يتجنب المرء كل جديد لا يعلم عواقبه سواء كانت دينية ام دنيوية والشواهد كثيرة على ذلك . ومن تواضع الشيخ المرحوم كان يحضر مجالس عزائية لغيره من القراء لكي يستمع الى مصيبة الحسين عليه السلام فقد شوهد اكثر من مرة يحضر مجلس عزاء الشيخ محمد علي البصير . عاش الشيخ محنة الانتفاضة الشعبانية ونستطيع ان نقول ان كرامة عظيمة حصلت له ولاولاده انقذته من بطش صدام وكل من عاش تلك الاوقات العصيبة فان الاوامر البعثية صدرت باعتقال كل من عمره 15 سنة فما فوق واغلب شباب كربلاء هربت واعتقل كل من وقع بيد الحرس العفلقي والشيخ رفض اخلاء بيته هو واولاده ودخل احد ازلام صدام بيت الشيخ واذا مناد يناد بجهاز اللاسلكي الذي بيد الضابط ان يترك البيت ويخرج ، وفعلا خرج من غير ان يعترض لاحد من عائلة الشيخ المقدس هادي الكربلائي . مهما مرت الايام تبقى ذكرى الشيخ العطرة تفوح في سماء كربلاء واذا ما ذكرت كربلاء ومصيبتها فلابد ان يكون للشيخ الكربلائي حضورا قويا..ويذكر ان الخطيب الحسيني المعروف (الشيخ هادي الكربلائي) هو الشيخ هادي بن صالح مهدي درويش الخفاجي ولد عام 1908م 1326هـ .. سكن كربلاء وتلقى تعليمه على يد والده في البداية ثم حتى دخل مدرسة الصدر الأعظم ثم المدرسة الزينبية واتجه نحو الخطابة بعد أن تتلمذ على يد الخطيب البارع المعروف الشيخ محسن أبو الحب رحمه الله.لقد امتلك مواهب عديدة أنعم الله بها عليه إذ كان سريع البديهية معروفاً بطراوة حديثه وسلاسته وسرعة توصيل ما يبتغي إلى المتلقي. أمضى أكثر من نصف قرن من عمره الكريم وهو يرتقي المنبر حتى أصبح مدرسة يتعلم منها الخطباء قبل المستمعين واتخذ أساليباً معينة انفرد فيها في الإنشاد وكان لصوته الرخيم الشجي الأثر الكبير في اجتذاب الدموع الساخنة الحزينة من محبي سيد الشهداء الحسين بن علي عليهم السلام.حسين النعمة الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة 

المرفقات