مدن الزائرين.. ترف ام حاجة ماسة ام استعراض معماري

متابعات - ولاء الصفار

قبل ايام قلائل شهدت مدينة كربلاء المقدسة افتتاح اكبر واحدث مدينة عصرية للزائرين على مستوى العراق ان لم نقل على مستوى المنطقة، فالمدينة جمعت بين الاصالة والفن والحداثة والابداع والذوق الرفيع وبين التراث الاسلامي الذي ينسجم مع قدسية كربلاء وارثها الحضاري لتشكل لوحة فنية اجاد المبدعون بإخراجها.

وبطبيعة الحال رافق افتتاح مدينة سيد الاوصياء عليه السلام للزائرين بروز اصوات امتدحت المشروع سيما انه بني بسواعد عراقية شابة فيما علل المنتقدون بنقدهم عدم وجود اولوية لإنشاء مثل هكذا مدن خصوصا ان البلد يشهد اعنف واشرس معركة فضلا عن وجود ازمة مالية خانقة، ولا ابتغي هنا ان اعضد كلام المادحين، كما لم اجمع كلماتي للرد على المنتقدين بقدر اهتمامي بإيضاح جانب اخر ربما غاب عن اذهان كثيرين.

نعم المدينة ابهرتنا بجمالها وفنها المعماري حتى اصبحنا بحاجة لأكثر من بؤرة عين لنمتع انظارنا بمشاهد الجمال الخلابة، بل ترفض اقدامنا الانتقال بحركتها من موقع الى موقع اخر وكأن هنالك ايعاز عقلي يجبرها على الوقوف.

ولكن في نفس الوقت يتبادر الى الذهن تساؤلات عدة، فهل صحيح اننا بحاجة لمثل هكذا مدن وهكذا مشاريع ضخمة خصوصا في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها، الامر الذي دفعني ان اجد جوابا شافيا مقنعا بعيدا عن وجهة النظر التي تعتمدها ادارة العتبة المقدسة ودوافعها لتشييد هذه المدينة ومثيلاتها من المدن الاخرى ولا اعتمد على رأيي الخاص او قناعاتي الشخصية، فخرجت ابحث واحلل حتى وصلت إلى ان ادارة العتبة الحسينية ستبقى خجلة على الرغم من تلك الانجازات الكبيرة وكربلاء لازالت تعلن اسفها وهنالك مشاريع اعظم واكبر وأوسع لم يطلع عليها المنتقدون قبل توجيه انتقادهم، بل ان ما انجزته العتبة الحسينية المقدسة وستنجزه لاحقا لا يمثل سوى نقطة في بحر، وان عليها مضاعفة جهودها لتقديم الاكبر.

فلو استوقفنا قليلا وأمعنا النظر في صفحات التاريخ ووضعنا امامنا السبب الرئيس لإنشاء تلك المدينة التي خصصت بالدرجة الاساس لزوار قبر الامام الحسين عليه السلام سنجد ان جميع الاعتبارات والحجج لا قيمة لها خصوصا بعد ان نطلع على ما ذكره اهل البيت عليه السلام في عظمة وكرامة زائر قبر الامام الحسين عليه السلام بل حينما ندرك بان الله سبحانه وتعالى خصص جنة عرضها السماوات والأرض ووضع فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت لزوار قبر الامام الحسين بعد ان جعله عليه السلام سيدا لها استنادا لحديث رسول الله (صلى واله) (الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة).

فإذا كان رب الخلائق بنى جنته وخصصها للحسين عليه السلام وأنصاره وزائريه فهل نستكثر ان يبنى لهم مدن زائرين في دار الدنيا.

كما اود الاشارة الى ان مدن الزائرين التي افتتحتها العتبة الحسينية في وقت سابق لم تخصص للزائرين والمواطنين فحسب بل كان لها الفضل الكبير باحتضان العوائل التي نزحت وهجرت قسرا من المناطق الساخنة خصوصا من الفلوجة وتكريت بمختلف اطيافهم وقومياتهم، فضلا عن ايواء حجاج بيت الله الحرام وغيرها الكثير، كما ان من الضروري ان لانغفل ان ادارة العتبة الحسينية لم تضع نفسها في قمقم الترف لبناء مثل تلك المدن وتناست معاناة الشارع اذ شهد القاصي والداني موقف ادارة تلك العتبة ازاء دعم المقاتلين في الحشد الشعبي والقوات الامنية في ساحات القتال ووصولها الى ابعد نقطة لايصال المؤن اليهم وفتح مستشفياتها لاحتضان الجرحى وتلبية احتياجاتهم في الوقت الذي لم يبدر منها اي تقصير تجاه خدمة الزائرين ولعل انجاز مشروع الحائر الحسيني خير دليل على ذلك ومشروع سرداب الحجة اللذان يعدان من المشاريع العملاقة التي تم انجاز مراحل متقدمة منهما في ظل الازمة الاقتصادية الخانقة وقلة التخصيصات المالية.

كما ان من الضروري ملاحظة ان مدينة سيد الاوصياء للزائرين التي استمر العمل فيها اكثر من خمس سنوات اي منذ عام (2011) لم تشيد في زمن الازمة المالية او في الفترة التي شهدت دخول داعش بل انها كانت منجزة بنسبة (85%) حسب ما اوضحته ادارة العتبة المقدسة واكدت انه ليس من المعقول اهمال المشروع خصوصا في ظل وجود عقود مبرمة مع الشركة المنفذة.

ختاما، فاننا في الوقت الذي كنا نأمل فيه من ادارة العتبة الحسينية استنساخ تلك التجربة وتعميمها على مستوى العراق فوجئنا بحديث المتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي حينما اشار الى ان هنالك عشر مدن عصرية في العراق خصصتها العتبة الحسينية للزائرين لاستقبالهم من المنافذ الحدودية حتى مدينة كربلاء الا ان قلة التخصيصات المالية لها حال دون تنفيذها.

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات