هل لطمت زينب على أخيها الحسين؟!

قبل آلاف السنين، لم تمنع العصمة والمروة أحد أهم أنبياء أولي العزم وهو موسى بن عمران، عليه السلام، من شق جيبه على أخيه هارون بعد أن مات ميتة هادئة بعيداً عن بارقة السيوف وسحق حوافر الخيول.

موسى النبي المرسل، أتى بما نعتبره اليوم أشنع من اللطم، وهو أن يمزق الرجل قميصه جزعاً على أخيه، وهو ما يعرف بـ "شق الجيب".

لكن ماذا رأى كليم الله لكي يجزع؟!

علم موسى عليه السلام مسبقاً بقرب ساعة موت أخيه، فقاده إلى جبل "طور سيناء" كما جاء في الرواية التي وردت عن الإمام الصادق، عليه السلام، المسندة إلى ابن ابي عمير. هناك في ذلك المكان وعلى مقربة من شجرة أعلى الجبل حيث الطبيعة الخلابة؛ يرتدي هارون ثوباً خصص للرقود الأخير وينام على سرير أعجبه لتحين ساعة الموت. هذا هو المشهد الذي جزع لأجله موسى!.

في المقابل، وقبل أكثر من ألف عام، يجلس الحسين عليه السلام على صخرة في صحراء كربلاء أو كما ينقل بقيته الإمام السجاد، عليه السلام، "في خباءٍ له" وراح يعالج سيفه. وكان قد حاصرته آلاف الجنود جميعهم يسعون إلى حز رأسه وسلب ما عليه وسحق جسده بحوافر الخيول لنيل جائزة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.

في تلك الليلة الموحشة، وكانت ليلة العاشر، ردد الإمام الحسين مرتين أو ثلاث الأبيات الشهيرة: "َادَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيْلِ   كَمْ لكَ بالإشراقِ وَالأصِيْلِ".

عند ذلك عرفت زينب أن أخاها ينعى نفسه، وأن هذه هي آخر ليلة ستنشق فيها عطر أمها فاطمة التي رحلت أمام عينيها في عنفوان شبابها.. وهذا ما رأته زينب المرأة!

يقول الإمام السجاد، عليه السلام، في رواية مطولة ينقلها الشيخ المفيد، أحد أهم وأبرز علماء الشيعة الإمامية ومحديثها واصفاً ما جرى: "لطمتْ وجهَها -أي زينب- وهَوَتْ إلى جيبِها فشقّتْه وخرتْ مغشيّاً عليها"، وهكذا يسرد الإمام السجاد بقية تفاصيل جزع عمته على والده وإمامه الحسين.

إذاً، ماذا عن وصيته لها قبل أن يقتل "لا تشقي علي جيباً ولا تخمشي علي وجهاً ... الخ"؟!!

حول هذه الوصية تحديداً، يقول مركز الأبحاث العقائدية، الذي يعمل تحت إشراف مكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني، والمختص بالرد على الشبهات والتحقيق في التراث الشيعي إن "الحديث مرسل، فهو ليس بحجّة من حيث السند".

ويزيد المركز عبر موقعه الرسمي "ليس كلّ نهي يدلّ على الحرمة؛ فإنّه كما يوجد النهي التحريمي يوجد النهي التنزيهي، ويمكن أن يكون طلب الإمام الحسين (عليه السلام) لأُخته زينب (عليها السلام) عدم شقّ الجيب من باب الشفقة، أو من باب عدم الوقوع في شماتة الأعداء، ومع عدم وجود الدليل على تعيين أحد المحتملات، فلا مجال لإثبات الحرمة التكليفية من الحديث".

وبحسب المركز أيضاً، فإن الرواية ذكرها اليعقوبي في تاريخه مرسلاً أيضاً، ولكن الطبري رواه عن أبي مخنف بإسناد ضعيف.

أما بخصوص رواية أن زينب عليها السلام لطمت رأسها بمقدم المحمل؛ فيضع مركز الأبحاث علامة تعجب كبيرة بعد أن يقول "إن صحّت في ذلك الرواية" ويقصد إن صحت في ضربها لمقدم المحمل.

ومن هنا استند فقهاء الشيعة إلى جواز اللطم والجزع على مصاب أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، وجواز شق الجيب، بالحكم  الأولي كما يعبر، ويعني ذلك أنه بالإمكان أن يكون محرماً إذا ما رافق ذلك الجزع شيئاً ما يوجب الحرمة من أذى النفس وتوهين للمذهب فيكون محرماً بالحكم الثانوي.

ومشروعية الجزع تأتي مما وورد في كتاب جواهر الكلام، أحد أهم الكتب الفقهية، من إن خالد بن سدير قال: سألت أبا عبد الله عن رجل شق ثوبه على أبيه أو على أمه أو على أخيه أو على قريب له؟ فقال: "لا بأس بشق الجيوب، قد شقَّ موسى بن عمران على أخيه هارون، ولا يشقّ الوالد على ولده، ولا زوج على امرأته، وتشق المرأة على زوجها ولقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام، وعلى مثله تشق الجيوب، وتلطم الخدود".

كما أن السيد الخوئي (رحمه الله) الذي تزعم الحوزة العلمية حتى عام 1992 والمعروف بدقته في تحقيق الرواية، اعتبر أنه لا يمكن الاعتماد على النهي عن اللطم في الأخبار الواردة في عدم جواز اللطم وشبهه لضعف أسانيد تلك الروايات.

ويقطع رحمه الله نزاع القوم في كتابه (التنقيح في شرح العروة الوثقى) بالقول: "نعم استثنى الأصحاب - ويقصد العلماء-  من حرمة تلك الأُمور: الإتيان بها في حقّ الأئمّة والحسين (عليهم السلام), مستندين فيه إلى ما فعلته الفاطميات على الحسين بن عليّ، من لطم الخد وشقّ الجيب, كما ورد في رواية خالد بن سدير".

ختاماً، ينبغي أن لا نلغي بشرية زينب!!

وبقدر ما كان لها من مواقف بطولية تجلت في يوم عاشوراء وهي تمرغ كبرياء يزيد في وحل هزيمته؛ كان لها أيضا ما ألهبت به مشاعر العالمين ضد آل أمية وكل الطغاة عبر التاريخ من خلال ما أظهرت من الحزن والجزع على أخيها.

حسين الخشيمي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات