ارق اليوم شجون من عبق الماضي

للخط العربي القدرة على التماهي مع مختلف الفنون الابداعية الاخرى وبالخصوص الفن التشكيلي والعمارة الاسلامية معززا امكاناته البصرية كمتن تجريدي فني روحي بعيدا عما ينقله النص الكتابي المجرد للمتلقي ، من خلال مجموعة من التقنيات الفنية التشكيلية المتوائمة وقدرته على المطاوعة التي صيرته جزءا مهما من عملية التصويرالفني والعمارة  بشكل عام .

اعتمد بعض الفنانين أسلوب المزج بين الخط والرسم واللون وتوظيف الحرف كعنصر تشكيلي اساسي في العمل الفني من خلال جمالياته الواسعة المرتبطة به والحرص على ضبط قواعده وأصوله في تنفيذ العمل الحروفي كقيمة رمزية تعبيرية خالصة .

اللوحة من ابداع الخطاط والفنان التشكيلي العراقي المعاصر " احمد الشهابي " الذي يعتبر احد الاقطاب المهمة في استثمار الحرف العربي تشكيليا في الفن العربي والعراقي المعاصر .

انطلق الشهابي من مبدأ " أن النقطة هي بداية كل هدف فني حروفي " كونها تعد البناء الاساسي للحرف العربي وعمد لربط النقطة بالخط ومن ثم باللون والاشكال الاخرى داخل اطار اللوحة ، وهو نمط فني مستحدث لا ينأى عن القواعد التقليدية للخط اوالرسم التي يشتغل وفقها الفنانين ، مؤكدا ضرورة الالتزام بالخارطة التقليدية للخطوط العربية كونها الحجر الأساس في هذا الفن " الحروفي " والذي يساعد على تقديم لوحة فنية مفهومة للمتلقي ، كون الفن التشكيلي يحتاج لقدرة استثنائية على الإدراك والتلقي دون نفي إمكانية استحداث تقنيات جديدة تغني الأساليب الكلاسيكية المتداولة في فن التصوير .

تنطق اللوحة بحوار جدلي بين المحلي الايقوني والمحلي الرمزي في حضور متجانس ضمن التكوين العام للوحة ، تمثل بموضوعة اللوحة بأشكالها التراثية الرمزية التي تصور جوانب الحياة العراقية في علامات ورموز شعبية متاصرة ببناء إخراجي يرتبط بمقولة اللوحة المستمدة من حضارة العراق ، والموروث الشعبي وعمارته المميزة .

يستجمع الفنان في هذا العمل رموزاً عربية أصيلة تتمثل بالبناء المعماري المحلي ، صاغها باشكال هندسية على ارضية اللوحة كالشناشيل والعقود العربية الاسلامية والقباب والمنائروالاهلة التي تعلوها ، حيث اتخذت البنية الكلية للوحة نسقاً اشبه بالزخرفي ، اعتمد في تكوينه على شكل النقطة وبعض الحروف فضلا عن انصاف الدوائروالمثلثات في تداخل وتراكب ممتع يمنح الرسمة صفات تزينيية  شعبية ، تركت طابعا مميزا للعمل الفني يتسم بالتفصيل في تكوين وحداته من لون متجانس واشكال متداخلة بغية كسرالرتابة من خلال التنويعات الشكلية المتداخلة مع مخطوطات ببعض من اسماء الله الحسنى " تقدست اسماءه " التي اتخذت موقعا سياديا في وسط اللوحة بشكل عمودي .

يعود الفنان في هذا العمل الفني إلى ذكريات الطفولة ، مخترقا به عالم التراث الشعبي حيث بين الحروف العربية والبناء الهندسي للشناشيل الخشبية والقبة والمآذن وبين زخارف جاءت كمربعات ومستطيلات متداخلة ، بما يوحي بمكنونات الفنان وأفكاره ، ومشاعره المغلفة بعالم التراث والحنين الى الماضي ، وجمالياته ومفرداته ، ورموزه التي تعود بالفنان وتصنع ذاكرته وتغني ملكته الفنية والجمالية .

معالجة احمد الشهابي اللونية على اللوحة توحي بالخبرة والحرفية العالية ، فالمتأمل لالوان اللوحة يشعر انها قد انجزت بتقنية الالوان المائية بيد انها على العكس ، نفذت بتقنية الزيت على قماش الكانفاس وهذا ينم عن خبرة الفنان وقوة فرشاته في تنفيذ وتسطيح المساحات اللونية بالوان الزيت وبشفافية بعيدا عن الاثقال اللوني بطبقاته المضافة و المتراكمة فوق بعضها البعض ، فضلا عن قدرة الفنان على ايجاد تدرجات لونية من ذات اللون نفسه كما في اللون البنفسجي في وسط واسفل اللوحة .

ان استخدم الشهابي لألوان اللوحة جاء نتيجة تواشجه مع الالوان المستخدمة في التراث العراقي بشكل عام ، كألوان السجاد والبسط المحلية والوان الخشب المستخدم في صناعة الشناشيل في البيوتات العراقية القديمة ،  وهذا ما تناسب مع بقية فضاءات اللوحة التي حاول فيها الفنان أن يهدم الأشكال ويعيد صياغتها ليكون أرضية مشحونة بالرموزوالأفكار، وهذه المعالجة تعود بالذاكرة الى فنون العراق القديم والفنون العربية الإسلامية فيما بعد خاصة فن الزخرفة الإسلامية من خلال إبراز الشكل والمضمون الروحي للوحة .

سامرقحطان القيسي

المرفقات