في ظهيرة العاشر من محرم الحرام 61هـ وبين تزاحم اشلاء الجثث المتناثرة على رمضاء كربلاء التي خيمت عليها اجواء مغبرة ينبعث من بين ثناياها دخان حرق خيام ال البيت ، لترسم لوحة مأساوية بجميع تفاصيلها حاكت صورا لاسمى القيم النبيلة والمثل الانسانية عند اعلى قممها ، جسدها قمر ساطع انحنى معه الكون على ضفاف الفرات بعد ان ارخص اوصاله فداءا لاخيه الحسين "عليه السلام " .
انه العباس بن امير المؤمنين "عليه السلام " القمرالساطع من ولد " ام البنين فاطمة الكلابية " التي رقت فضائلها وكملت محاسنها باصطفاءها زوجة لعلي"عليه السلام " ، حينما طلب من اخيه عقيل أن"أنظر إلى امرأة قد ولدتها الفحول ، لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً "، وما كان رده إلا ان " تزوج من أم البنين الكلابية ، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها " ، وكان ذلك بتهيؤ وإخبار غيبي نابع من علم امير المؤمنين لحفظ وديعة الزهراء " عليها السلام " في الحسنين وزينب " سلام الله عليهم " وتكون لهم ام حنونة ، ولتنجب له ابطالا من الصفوة ذوو خصالٍ طيّبة عالية ينصرون الدين بتحملهم المهمات الجسام التي سوف ترمى على عاتقهم و يضطلعون بها بنصرتهم اخاهم الحسين " عليه السلام " يوم عاشوراء وبالخصوص ابي الفضل العباس " عليه السلام " ومواقفة البطولية يوم الطف .
اللوحة من ابداع الفنان الايراني " حسن روح الامين " ، نفذت بتقنية الزيت على قماش الكانفاس بمزيج من الالوان الحارة والباردة على حد سواء .
سعى روح الامين في هذا المنجز الفني للمزج بين ذاته وموضوع الرسمة من خلال تكريس خبرته الجمالية التي اكتسبها بسعة اطلاعه على تأريخ الواقعة وثقافته الفنية المتراكمة ، حيث اظهرحالة معينة من الاندماج بين اجزاء اللوحة تشد القارئ وتدفعه للغور في اللوحة ومتابعة احداثها والتأثر بها بشكل لا أرادي .
نلمس في هذه اللوحة نوع من التمازج الموجه بين الواقع و الخيال، كفعل أدائي مزدوج باستجابة معرفية ووجدانية متمثل باستلهام التعبير الديني للكشف عن بناءات في مستوى معرفي وإظهار سلطة العقل التي فرضته طبيعة رؤيا لفنان التخيلية وما نتج عنها من صور وأشكال واقعية وأحاسيس ، وفي نفس الوقت نلمس وجود تدخل عقلي في صميم اللوحة متمثل بالوعي في إدارة تشكيل وتصميم أجزاءها ، كاشفاً بذلك عن عالم مستقل فيه تأمل لذات الرسام والاستغراق في التمعن في الخيال الكامن في نفسه وثقافته الممتزجة بالواقع المتمثل بهذا الحدث المأساوي التاريخي، مما أعطى للأشكال صفة تعبيرية متصلة بالرماح والسيوف والخناجرالتي يحملها الظالمين والذي يرتبط بجوهريه الموضوع في استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ، فتكوين اللوحة كلها مجسد من خلال حركة الألوان والاعتماد على قدرة الانطباع في توليد شكل جمالي منفرد فضلا عن تكوين حركات تنسجم و حركة الظل والضوء وما تتركه من اثر في تغيير مظاهر الأشياء وحيويتها، كما عالجها في محاولته هذه بسلسلة من الإيقاعات والنقلات المفاجئة باللون كحركة وايماءات الاشخاص وحركة الاسلحة والنبال ،ومما زاد من تأثيرات الإيقاعات البصرية هي زاوية النظر واتجاه رسم اللوحة بمنظور الفنان والإشكال وحركة الاضواءالتي اعطت عمقا للوحة وخلقت تأثيرات مختلفة من الظل والضوء .
سامر قحطان القيسي
اترك تعليق