خيالات مسيحية ترتقي بعروجها نحو فاجعة كربلاء

اي مظلومية تلك التي احاطت بك سيدي ابا عبد الله ؟ ويالها من مظلومية تلك التي هزت وجدان الوجود بأسره لما فيها من أسرار وتضحيات ومأس ، جذبت كل من انتسب إلى الحقيقة الإلهية من اهل الكتاب وغيرهم بعيد او قريب وجعلتهم عارفين بحقك مقتدين بك .

لقد آمن الكثيرممن يعتنقون الديانة المسيحية بان تضحية سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين عليه السلام وما واجهه يوم عاشوراء في الايمان بمساره الجهادي الفدائي ومواجه الظلم والطغيان، شابهت الى حد كبير  تضحية السيد المسيح "عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام" في سبيل الله وعلى حبه ، فموقف الحسين عليه السلام والسيد المسيح المضحي انما جاء لتصحيح واصلاح خطى امة انحرفت عن مسارها بالابتعاد عن القيم الانسانية الحقة التي امر الله بها وجاءت على يد انبياءه ورسله ، فأجزموا بذلك ان حقيقة الحسين عليه السلام وماحل به تقترب من حقيقية المسيح عليه السلام  لأن روح المسيح ربته من صغره على التضحية والفداء ، فأدركوا في وجدانهم " معتنقي المسيحية " حجم مصيبة الحسين عليه السلام فتأثروا بها وحاولوا نقلها للعالم كل حسب رؤياه.

هذه اللوحة جزء من سلسلة رسومات الفنان اللبناني المسيحي " برنارد رنّو " التي  تحمل داخل اطرها التقاء للفكرالاسلامي بالمسيحية من خلال تصويرها لمشهد من فاجعة عاشوراء .

"برنارد اسعد رنّو" فنان تشكيلي من مواليد ضيعة دير القمراللبنانية  1959 م ، نشأ وترعرع بين جدران "أكاديمية مايكل أنجلو للفنون الجميلة" في كنف مدير الاكاديمية والده التشكيلي الراحل " أسعد رنو" الشهير برسم جداريات الكنائس والاديرة  والذي امن له الخلفيّة اللازمة لمسيرته التشكيلية التي استقطبت العامة والخاصة من المتلقين عبر رسومه التي تحوّل عملية التشكيل حفلاً حيّاً ، يعدّها وينفذها أمام الجمهور بشكل مباشر ويشهده على ولادتها.

درس رينو الهندسة بفرعي العمارة والديكورفضلا عن ارثه الفني الذي ابدع فيه وازداد بدراسته الاكاديمية ،عمل كاستاذ للفن والهندسة و مديرا لأكاديمية مايكل أنجلو للفنون الجميلة وملحقا ثقافيا ومستشارا فنيا للقنصلية العامة لجمهورية " لا تفيا " في الأ تحاد الأوروبي، فضلا عن عمله كمديرا فنيا للابرشية المارونية في المكسيك و فنزويلا و اميركا الوسطى .

التحق كعضوا في الكثير من الجمعيات الانسانية والثقافية وعلى المستويين العالمي والمحلي ، حاصل على الكثير من الجوائزوالتكريمات والشهادات التقديرية والفخرية في مجالات عدة .

تتميز اعماله الفنية التي تقدر بـ" 5500 "عملا فنيا بغزارة انتاجها ووفرة موضوعاتها ، فهو ذو ريشة منضبطة تبدو وفيّة للقواعد الجمالية فضلا عن انها تحمل افكارا جديدة بتقنيتها البارزة، في ظلّ مواد تدوم طويلاً وسماكة في أللون مما يمنحها أبعاداً مختلفة .

استخدم الفنان في لوحاته تقنيات والوان مختلفة فقد استخدم الزيت الكثيف على القماش في مواطن معينة فيما يخص اللوحات ذات الطابع الكلاسيكي والواقعي فضلا عن استخدامه الوان الاكريلك وأستبدال الفرشاة بسكّين الرسم وبالخصوص في تقنية الرسم المباشرالتي اشتهر بها عن غيره من الفنانين المعاصرين له .

هذه اللوحة تحمل التسلسل " 182" على رسومات الفنان المباشرة ، انجزها بأقل من نصف ساعة بطريقة الرسم المباشر بالوان الاكريلك امام الجمهور خلال حفل افتتاح معرض "حكايا الطف" الذي نظمه منتدى ألوان في بلدية الغبيري احد قرى جبل لبنان ،اللوحة جاءت كترميز لهول وعظمة احداث عاشوراء واستشهاد سبط رسول الله صلى الله عليه واله ابي عبد الله الحسين عليه السلام وسبيِّ عياله ومن معهم في العاشر من محرم الحرام عام 61 هـ ، ومن المعروف عن رينو ان له

علاقة عشق وشغف تربطه مع ريشته والموضوعات التي يشرع بتنفيذ فكرتها على اللوحة ، فما ان تلامس ريشته سطح اللوحة حتى تنسكب جمالية مدهشة تحاكي كل ناظر لها بشكل او باخر ، وهذا ما نشهده في تأملنا بمحتوى هذه اللوحة التي تسنى للجمهور مراقبة مراحل ابداعها مذ كانت صفحة بيضاء حتى تجلت معالمها تدريجيا بضربة ريشة هنا وبقعة لون اخرى بسكين رسم هناك، لتنفجرمنها نيران خيام عيال ابي عبد الله الحسين المحترقة على ايدي الطغاة بألوان حارة تكاد ان تحرق من يلامسها ويقترب منها .

مزج الفنان بين واقعية بعض الاشكال والاسلوب الرمزي في تنفيذ مكونات اللوحة ، فقد عمد الى رسم اشكالا لقباب مرتفعة في اعلى يمين اللوحة تعلوا قممها اهلة ، مقتربا بذلك من اسلوب الفنان المسلم " بروحية الفنان المسيحي" الذي اتخذ من الاهلة والقباب وبعض الالوان كالاخضر والازرق رموزا للمقدسات الاسلامية ، فضلا عن رسمة لألسنة النيران المستعرة بالخيام وبعض النخيل المتناثرة في مواقعها المتناضرة داخل اللوحة .

وفق رينو في تصوير مأساة يوم عاشوراء فعند الغوراكثر في مكونات اللوحة نجد السماء مثقلة باحزانها على هذا المصاب ففيها شمس متكدرلونها وغيوم محملة بالدخان والاتربة الحمراء المتصاعدة من ارض كربلاء الحزينة التي صورها الفنان "الارض" كأنها امواج متلاطمة من الرمال الحمراء المصطبغة بالدماء المقدسة المسالة من جسد الحسين عليه السلام ومن معه على ارض كربلاء ، تخترقها نبال الشر، مسجات عليها اطهر الاجساد تحوم فوقهم حمامة بيضاء كرمز للحياة السرمدية التي اختارها ابي عبد الله الحسين عليه السلام  واصحابه من شهداء الطف .  

  ترك الفنان رينو بعض تفاصيل الاشكال ممحية ومجهولة في داخل اللوحة ليتيح للقارئ فرصة التأمل وتخيّلها كل حسب تأثره وما يحمله من ثقافة وقراءات فهو يرى ان الأفضلية في ترك اللوحة تتحدّث عن نفسها بنفسها .

سامر قحطان القيسي

المرفقات