إمتازالفنان المسلم عن غيره من الفنانين باستخدامه المفرط للخطوط المرنة وانتقائه الدقيق للالوان في ابراز القيم الجمالية للمنجز الفني ، فعند معالجته التشكيلية لمكونات اللوحة فان تلك الخطوط والالوان تكون مرتبطة بقيم فكرية وجمالية روحية من شانها منح المتلقي احساسا بالمطلق واللامتناهي والديمومة والحرية وتذهب به الى عالم ماوراء المحسوسات المادية ، فالكثير من النتاجات الفنية التشكيلية الاسلامية تشد المشاهد لثقل حمولتها الروحية وقدرتها على التعبير فضلا عن مغزاها الانساني العميق رغم بساطتها الشكلية والتكوينية ، وهذه اللوحة هي احدى الاعمال الفنية التي تلفت الانتباه وتجذب الابصار لما تحمله من روحية عالية منبثقة من فكرة الاتصال بالله تعالى بالدعاء والتضرع اليه .
اللوحة من ابداع رائد فن المينياتور الدكتور" محمود فرشجيان " الذي يعد من العقول المبدعة والايادي الفنية الماهرة المنتجة للاعمال التشكيلية التي تحمل طابعا دينيا اسلاميا ، فقد قدم في اغلب اعماله فناً مرسوماً نابعا من دمج الموروث والتقاليد القديمة بالحداثة وجمالها الداخلي .
اللوحة عبارة عن يد ترتفع الى السماء بالدعاء و كأنها حلم صافٍ شفافٍ منارٍ من الداخل ، جمع فيها الفنان بين الواقعية والخيالية الحالمة ، منتجا لوحة تعبيرية تعكس خبرة وروح الفنان الملهمة لتفتح أبواب السؤال والبحث التي تأخذ هيئة جديدة ما بين سطورها .
انجزت اللوحة بأسلوب يجمع بين الرمزية والتعبيرية عام 1994 ، وهي الان من مقتنيات متحف العتبة الرضوية المقدسة في ايران ، نفذت بتقنية الاكريلك على الورق المقوى بابعاد " 35*50 " سنتمترا .
لم يسعى الفنان في هذا السطح التصويري إلى تمثيل اشكال اللوحة كما تدركه الحواسُ عموماً، بل اكتفى بوصف الأعيان الثابتة لها ، ففي اعلى يمين اللوحة ينبثق نور من السماء ممثلا الفيض والرحمة الالهية على العباد موزعا بتناسق على باقي اجزاء اللوحة مظفيا عليها الضوء المتمثل بسعة الرحمة الالهية ، فضلا عن تغيبب الفنان لباقي جسد الداعي بأظهار يد واحدة وجزءاً من الكتف بغية دفع المتلقي الى التفاعل الحرمع حيثيات اللوحة واللامرئي من الاشكال ، جاعلاً عظام اليد والاصابع نحيفة جدا مستدقة الاطراف كانها يد انثوية ، وهذا سياق معتاد في الرسوم الشرقية المنطلقة من رسوم الاجساد واجزاءها في المنمنات لتكون ناعمة تقترب من الصفات الجسمانية للمرأة .
اهم مايلفت الانتباه في العمل الفني هو الدقة والبراعة المتناهيتين التي رسمت بها اجزاء اللوحة ، فضلا عن قلة الالوان المستخدمة في اظهار تفاصيل الشكل ، فقد اظهر فرشجيان ذكاءا وخبرة بالغتين في انجازه باستخدام لون اولونين بشكل متواتر، فباستخدامه للون الازرق البارد وبتدرجات لونية ضبابية ممزوجة ببعض البنفسجي والابيض المضئ اكسب العمل تميزا وفرادة وزاد من لغته الروحيه حتى افلح في تصوير لحظة الدعاء المميزة بعمق الليل المظلم ، فروحية هذا العمل الفني وماشاكله من اعمال تشكيلية اسلامية اخرى قد تعود باذهان المتلقين " ممن يستشعروه " إلى التفكر في سرِّ الخلق ، الذي هو عينه سر التجسد ، إلى الله الخالق البارئ المصوِّر الفنان الأكمل الذي "به كان كل شيء ومن دونه ما كان شيء مما كان" .
سامر قحطان القيسي
اترك تعليق