نداء للصلاة ...ومن أحسن قولا ًممن دعا الى الله

لبيك داعيّ الله ... كلمات نقولها عند سماع تلك الاصوات الجهيرة التي تنادي و تخترق عنان السماء ، داعية للقاء ربٍّ كريم ، تطمئن به قلوب الحائرين الخائفين وتأنس له نفوس المطيعين الوالهين .

اثارت هذه الصورة حفيظة الكثيرمن الفنانين العرب والغربيين خصوصا  المستشرقين منهم لما لها من انعكاس ملحوظ على الشارع العربي الاسلامي حتى اصبحت من العلامات البارزة التي تتميز بها المدن الاسلامية الزاخرة بالمساجد ومأذنها التي ترتفع من اعاليها اصوات النداء للصلاة ، وهذه اللوحة الفنية " نداء للصلاة " هي احدى اللوحات التي جاءت كرد فعل على ما تأثر به الفنان من خلال معايشته للواقع الشرقي وتاثره بحضارته وبالخصوص مدينة القاهرة نهاية القرن الثامن عشر الميلادي .

المنجز الفني من ابداع رائد الواقعية المستشرق الفرنسي الفنان جان ليون جيروم ، نفذت اللوحة عام 1866م بتقنية الزيت على قماش الكانفاس بابعاد  81*64.5 سم .

اهتم جيروم برسم المؤذن كعلامة مميزة لمدينة القاهرة بمصر وكرراهتمامه بهذا الموضوع من خلال رسمه لاكثر من لوحة يشخص فيها المآذن ولحظة اعلان المؤذن عن وقت بدء الصلاة .

المتأمل لهذه اللوحة يرى جزءا مقتطعاً من مئذنة شغلت قرابة ثلث اللوحة في جانبها الايمن ، يعتليها مؤذن رسمه الفنان والتفاصيل الهندسية الظاهرة من المئذنة بدقة وحرفية مميزتين جعلته يبدو كانه يسمو بروحه عن الارض ، يماثلهما " المئذنة والمؤذن " في مستطيل اللوحة الراسي فضاء سماوي يدنوه مشهدا لمدينة القاهرة بتفاصيل دقيقة الى اليسار مصورا فيها المآذن والقباب واسطح المنازل المحيطة بها وسط المدينة معوضا بذلك ماتعمد تغييبه في رسمه للمئذنة ، فضلا عن اهتمامه  برسم المؤذن بدقة عالية وتركيزه على تفاصيل شكله وهيئته مستهدفا اياه كمركزا للسيادة على باقي اجزاء ومكونات اللوحة الاخرى وجعله يبدو كحد فاصل بين يمين ويسار اللوحة طوليا .

اكسب الفنان اللوحة منظورا مميزا تكفل بتوجيه اهتمام الناظر الى وسطها مباشرة حين النظر الى اي جزء منها مظهرا اياه "المنظور"من خلال ترك فضاء في اعلى يمين اللوحة مميزا فيه سماء صافية يدنوها خط افق ضبابي متلاش تمتزج الوانه مع صخب وزحام المدينة بابنيتها المتقاربة من بعضها البعض.

اتى اختيار الفنان لألوان اللوحة من فرط اسلوبه الواقعي في تصوير الاشكال وهيئاتها حتى اصبحت فيما بعد وحتى وقتنا الحاضر تعد كوثائق بصرية يرجع لها المؤرخون في دراساتهم ، فقد استخدم الفنان مجموعة من الالوان الغامقة و الفاتحة وبدرجات متفاوته لكنها قريبه جدا من بعضها البعض ليصور واقعية الاشكال بدقة عالية بعيدة كانت تلك الاشكال ام قريبة ، فقد ابتعد الفنان عن الالوان الحارة في تكوين هذه اللوحة مقتربا من درجات الالوان الباردة لأظهار روحانية موضوعتها في الاعلان عن حلول وقت الصلاة .

استخدم الفنان اللون البني الغامق والفاتح في اظهار هيئة المؤذن وهي تمتزج مع الوان اعمدة المئذنة ونقوشها و تيجانها المصنوعة من الخشب والوان المنازل والجوامع ذات الطبيعة الحجرية التي انشأت منها والتي يطغى عليها اللون البني بتدرجاته دون غيره من الالوان فضلا عن لون السماء الممزوج بصفرة ضوء الشمس وغبار المدينة ليقترب لونيا من باقي الالوان المكونة لاجزاء اللوحة .

لم يغفل الفنان عن رسم اي صغيره او كبيره من هذا المشهد الا واتقن تنفيذها وتصويرها ، فنرى تصويره لبعض الاشخاص وهم يقومون باعمالهم على اسطح المنازل ، كذلك قباب المساجد ومأذنها التي صورها بدقة عالية فضلا عن الاشكال البعيده جدا التي لم يهملها واضفى عليها صفة الضبابية وكأنه يصور لقطة فنية بكاميرا فوتوغراف عالية الدقة بتقنية التركيزعلى الاشكال القريبة واظهار البعيد منها بضبابية دون تشويه معالمها الاساسية ، معتمدا بذلك خبرته في توزيع الضوء واسقاط الظلال على اجزاء اللوحة ببراعة .

برهن جيروم مثله مثل باقي ابناء جيله من رواد الواقعية في القرنين الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر على التوالي، إن التماس مع البيئة التي يعيش فيها الفنان ودراستها عن كثب والتأثر بها كالطبيعة والحياة اليومية والعادات والتقاليد الاجتماعية والدينية بمعناها الواقعي كان من شأنها ان ترتقي بخبرات الفنان واسلوبه الفني للأتجاه نحو محتوى فني واقعي تلتقي فيه الابعاد المرئية للاشكال بابعاد اكثر تجسيدا للمحتوى الداخلي لها .

  

سامر قحطان القيسي

المرفقات