قال تعالى(قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)الزمر15 .
الشريعة الإسلامية وضعت نظاما تربويا شاملا ومتكاملا, ينظم حياة الإنسان من مولده حتى وفاته. فأكدت على وضع برنامج تربوي مستند إلى الشرع والعادات الطيبة للعرف, والاهتمام بتعليم الطفل, منذ اليوم الأول للولادة. وقد جاء الحديث النبوي الشريف(أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) ليؤكد هذه الحقيقة.
فحينما يولد الإنسان, تكون صفحة ذهنه كالورقة البيضاء, ليس له من خزين العلوم شيء سوى ذلك الاستعداد الفطري الذي أودعه الله تعالى فيه لتلقي العلوم والمعارف, والتي تكوِّن شخصيته, وترسم المعالم العامة لسلوكه في مراحل عمره البعدية. فالطفل – كما أثبتت الاكتشافات الطبية الحديثة – يمتلك القابلية على السمع في الأسابيع الأولى من الحمل, أي وهو بعده في بطن أمه, وحينما يخرج إلى الدنيا, وتجرى عليه سنة الأذان في أذنه اليمنى, والإقامة في اليسرى, فإن تلك الكلمات المقدسة تجد لها في جهازه السمعي مستقرا.
ومن جهة أخرى, فإن المحيط الاجتماعي الذي ينشأ فيه له تأثير كبير في تكوين شخصيته, وتحديد سلوكه. فكانت للشريعة الإسلامية توصيات وأحكام فيما يتعلق بتربية الطفل, منذ الساعة الأولى لولادته, كي يشق طريقه في الحياة, شخصا متزنا ملتزما يرعى ما بذمته من حقوق, ويكون مستعدا لما يلقى عليه من واجبات.
وكما جعلت الشريعة الإسلامية حقوقا للآباء على أبنائهم, فإنها – في ذات الوقت – جعلت حقوقا للأبناء على آبائهم, أوجبته عليهم, وأوعدت من يخالفه منهم موقفا صعبا في معرض السؤال يوم القيامة.
وقد ذُكرت في النصوص الواردة عن المعصومين حقوق للأبناء على آبائهم, نذكر منها:
1) إظهار المودة والمحبة لهم, ولا يكتفي الأب بمجرد المودة القلبية, بل يصوغها بقوالب الكلمة الطيبة, والابتسامة العذبة, والنصيحة اللازمة, ولا يلقاهم بوجه عبوس, أو يعاملهم بغلظة وجفاء. وقد روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال(من قبل ولده [ذكرا كان أم أنثى] كتب الله عز وجل له حسنة, ومن فرّحه فرحه الله يوم القيامة).
يقول الخبر إن النبي(صلى الله عليه وآله) كان يقبل الحسن والحسين(عليهما السلام) فقال له رجل: إن لي عشرة صبيان, لا أتذكر أني قبلت واحدا منهم. فقال له النبي(صلى الله عليه وآله): ما أصنع بك إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك.
وينبغي أن يجعل الأب العدل والمساواة دليله ورائده في بث المحبة والمودة بين أولاده من دون استثناء. فقد روي عن النبي أنه قال (ساووا بين أولادكم حتى في القُبَل).
2) ومن حقوق الأبناء على آبائهم أن يعلموهم ويثقفوهم الثقافة الإسلامية, ويحرصون على اصطحابهم إلى المساجد والمراقد المقدسة ومجالس العزاء للأئمة الأطهار. والوارد في النصوص الشرعية أن يعلم الأب أولاده المعارف الدينية, مع أن العلوم كلهما من الممكن أن توظف لخدمة الإنسان. والسبب في ذلك أمران:
الأول: إن العلوم الدينية تضمن للإنسان سعادة الدارين: الدنيا والآخرة, بينما لا تتكفل العلوم الأخرى سوى فائدة الإنسان في حياته الدنيا.
الثاني: إن العلوم الدينية ليس بوسع الإنسان – مهما قطع في التطور شوطا – أن يهتدي إلى تفاصيلها وأحكامها, من خلال التجربة والاختبار, كعلوم الطب والهندسة والرياضيات وما شاكلها.
3) ومن حقوق الأبناء على آبائهم مساعدتهم في اختيار أصدقائهم, أو اتخاذ القدوة الصالحة لهم. فإن الشاب في مقتبل حياته قد يتأثر ويعجب بشخصية رياضية أو أدبية أو سياسية أو دينية, ويجعل من هذه الشخصية قدوة له.
واجب الأب أن يستغل هذه الهواية والرغبة في قلب الشاب , ويربي فيه الارتباط برموز القرآن الكريم. وخير رموز القرآن الكريم هم محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين), فهم خير قدوة للإنسان في دنياه وآخرته.
ولكي يحيى الإنسان حرا عزيزا كريما فلن يجد أعظم من الإمام الحسين(عليه السلام) يتخذه له قدوة وقائدا لينال السعادة في دنياه وآخرته. بل كان (عليه السلام) القدوة والأسوة لكل أحرار العالم حتى من غير المسلمين. حين ارتقى سماء المجد والشرف ووصل إلى محل رفيع تنحط دونه الهمم, ويقصر عن إدراكه العزم والأمل. وهو على حد قول الشاعر:
إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
فقد كان(عليه السلام) شديد الثبات على مبدئه, متمسكا بالقيم التي غرسها فيه دين جده, برغم المصائب والأهوال التي جرت عليه وعلى أهل بيته وأصحابه , وهو يقول(هوّن ما نزل بي أنه بعين الله).
وقف الإمام الحسين(عليه السلام) يوم عاشوراء, وقد أحاط به ثلاثون ألفا يبغون قتله وإذلاله, فصرخ صرخة الحق المدوية في ضمائر الأحرار, وأعلن عن إبائه وشموخه وهو يردد دستور الحرية والشمم(ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة, وهيهات منا الذلة, يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون, وحجور طابت وطهرت, وأنوف حمية, ونفوس أبية, من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام).
ويؤكد الإمام الحسين(عليه السلام) منهجيته في الحياة برفض حياة الذل بقوله(والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل, ولا أقر إقرار العبيد, إني لا أرى الموت إلا سعادة, والحياة مع الظالمين إلا برما)
الكاتب: السيد نبأ الحمامي
اترك تعليق