ان الله عز وجل خلق الانسان باحسن خلق ولم يتركه الا واودع به نعمة العقل التي تفرقنا عن اغلب المخلوقات والا لبقى الانسان عبارة عن مجموعة غرائز تحركه كالانعام، و عادة ما ترجح عقولنا المناظر الجميلة على عكسها لان العقل يميل الى الاحسن و الافضل، وقد انطبع ذلك على سلوكياتنا بشكل جذري فان من المحببات لدينا مثلا: مناظر الحدائق الجميلة المفعمة بالالوان و الرائحة الزكية والكثير من ذلك .
وانعكست هذه النظرة للعقل على مظهر الانسان وهو عين العقل فان الانسان العاقل يحسن في اعطاء شكله الخارجي المظهر الذي يستحسنه هو و الناظر اليه، فالمظهر الجميل يعطي للانسان خاصية ابراز جزء من شخصيته فان الزي و المظهر يعطي انعكاساً جزئياً لبواطن الانسان.
ولذلك ان كان العقل راجحاً فان المظهر يكون بما يلائم هذا العقل الذي يعتبر هذا المظهر مستساغ من قبل افراد مجتمعه.
أما العقل الغير راجح فانه دائم الانشغال في محاولات وجود الطريقة في اختيار المظهر مما يعكس حالات التخبط في مظهره الخارجي.
و يناقش الموضوع على قسمين:
القسم الاول: التخبط في اختيار المظهر بسبب العوامل الخارجية المؤثرة على النفس.
ان مجتمعاتنا الحاضرة التي تعيش في عصر الاتصالات و السرعة و تعدد الافكار و تلاقحها مع باقي الشعوب التي سببها الاعلام بشكل مباشر اعطى للانسان السريع التاثر الكثير من الخيارات التي جعلت من العقل - الغير متكامل او المتأثر بغلبة النفس على العقل- ان يحتار في الاختيار فيختار ما تملو عليه نفسه و غريزته.
ولذلك فمع كثرة الموديلات و تلاقحها باذواق الشعوب اصبح الكثير من الشباب يتخذون ازيائهم من غير شعوبهم مما يعطي نفورا و عدم استحسان من الناظرين له من اهل مجتمعه او شعبه، ويصبح لديه جهل مركب على انه من اجمل المظاهر التي تناسبه و لا يعلم انه منتقد في وسطه الاجتماعي، نعم قد يجد بعض المؤيدين له ولكنهم اولا: ليسوا من اصحاب العقول الراجحة، ثانيا: اعدادهم قريبة من فنائها بقبال اعداد وسطهم الاجتماعي.
القسم الثاني: الرؤية الشرعية على هذه الظاهرة .
اما الناحية الاولى ما يخص الحكم الشرعي لهذه الظاهرة فان الشرع يحكم بحرمة التشبه بالمشهور من لباس الكفار وتشبه الرجال بالنساء والعكس، و من ناحية اخرى يجب مناقشة حد التشبه بالكفار وتشبه الرجال بالنساء والعكس و من هو الذي يحكم بان هذا الزي او الشكل يعد من التشبه بالمذكور:
والجواب هو: ان الذي يشخص او يفرز لنا هذه الظاهرة هو عرف المتشرعة؛ اي مجموعة من المتشرعين ينظرون الى هذه الظاهرة بميزان العقل والشرع و يعطون حكماً في تشخيص الحالة التي يشك بها انها تابعة لهذه الظاهرة ام لا، ويكون حكمهم متطابق في ما بينهم، فلا يجوز في هذه الحالة التشخيص الفردي او العشوائي او ما شابه.
وان كان التشخيص الصادر من عرف المتشرعة عند قولهم: "ان هذا الزي او الشكل يعتبر من التشبه بالكفار او النساء -بالنسبة للرجل -او الرجال -بالننسبة للنساء- "فيحكم بحرمته شرعاً استنادا الى فتوى التحريم .
ولذلك فان الاسلام دقيق في تمييز الامور وبعيد عن العشوائيات، ولذا فان المتتبع لسيرة العلماء والمراجع العظام يجدهم في اشد الحذر و التأني قبل تصدير الفتوى، فكيف لنا نحن ان نصدر الفتاوى مع افتقارنا للخبرة اللازمة في استنباطها، فكثير من الناس اباحوا -باجتهادهم الشخصي الباطل- على نفسهم قصات الشعر والملابس الغريبة في حد ذاتها والمثيرة للسخرية من قبل الناظر، ولو افترضنا اننا اغضضنا الطرف عن حرمة او اباحة هذا الشيء كيف لك ان تضمن عدم السخرية منك و الاستنقاص من شخصيتك؟!.
فمن العجيب بعد ان نرى مستوى القناعة التي وصل اليها صاحب الزي و القصات الغريبة و المزرية في كيفية تطورهم شيئاً فشيئاً، حيث غشي على قلوبهم واصبح هوسهم بالاهتمام في المظهر الخارجي لا على نحو الاعتدال بل على نحو التنافس في ما بينهم على اغرب لبس و قصة الشعر.
قيس العامري
اترك تعليق