في رحاب الامام السجاد عليه السلام نعيش اروع معالم الكمال البشري، وأسمى آيات العظمة الاِنسانية، التي لايشك بها القريب و لا البعيد، وذلك لما ترك لنا الامام زين العابدين عليه السلام من التراث الروحي الذي زمجر به قلوب اعدائه، بسلاح لم يعيره العدو اي اهمية؛ لانه يحتاج الى اصحاب العقول الصافية التي لم ترتكب المجازر و سلب الحريات، ولذا لم يستطيعوا ان يحيطوا به علماً، لان النهج التثقيفي ليس من ميادينهم.
فالامام زين العابدين عليه السلام وبعد استلامه زمام امور الإمامة اصبح يعمل على شاكلته التي تميز بها و هي نشر الوعي و الثقافة عن طريق الادعية التي تقرب العبد الى خالقه ويرفع المستوى الثقافي الإجتماعي دون شعور اعدائه لما على قلوبهم من الأقفال، فجعل من المجتمع قاعدة يصعب خرقها من الجهّال.
واما على الصعيد السياسي و الفكري فمن المعلوم أنّ الفكر السليم هو أحد مقوّمات كلّ حركة سياسية صحيحة، فتثقيف الجماهير وتوعيتها لتكون على علم بما يجري عليها وحواليها وما يجب لها وعليها من حقوق وواجبات هو الركيزة الأولى لِصدّ الأنظمة الحاكمة الفاسدة التي تسعى على طول التأريخ في إبعاد الناس عن الحقّ والتعاليم الأصيلة.
وقد قام الإمام زين العابدين عليه السلام بأداء دور مهمّ في هذا الميدان، حيث تصدّى للوقوف بوجه المنع السلطوي لرواية الحديث(١) فأمر برواية الحديث وحثّ على ذلك، وكان يطبّق السنّة ويدعو إلى تطبيقها والعمل بها، وقد روي عنه قوله عليه السلام : إنّ أفضل الأعمال ما عمل بالسنّة وإن قلّ(٢) .
وفي الظروف التي عاشها الإمام عليه السلام ـ حيث كان الحكّام بصدد اجتثاث الحقّ من جذوره وأصوله والذي تمثّل في حفظة القرآن ومفسّريه ـ كانت الدعوة إلى الاعتصام بالقرآن من أهم الواجبات آنذاك، ولقد قام الإمام زين العابدين عليه السلام بجهد وافر في هذا المجال.
قال عليه السلام :(عليك بالقرآن، فإنّ الله خلق الجنّة بيده لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وجعل ملاطها المسك وترابها الزعفران وحصاها اللؤلؤ، وجعل درجاتها على قدر آيات القرآن، فمن قرأ منها قال له: إقرأ وارق، ومن دخل الجنّة لم يكن في الجنّة أعلى درجة منه، ما خلا النبيّين والصدّيقين)(٣) . وكان يقول:(لو مات من بين المشرق والمغرب ما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي) (٤) .
وبذل الإمام عليه السلام جهوداً جبّارةً لتثبيت قواعد التوحيد الإلهي وتشييد أركانه عبر الاستدلال على ذلك بما يوافق الفطرة والعقل السليمين، والردّ على الأفكار المنحرفة التي غذّاها الحكّام ـ مثل فكرة الجبر الإلهي ـ بهدف التمكّن من السلطة والسيطرة التامة على مصير الناس والهيمنة على الأفكار بعد السيطرة على الأفواه والأجسام، كما في رده عليه السلام لابن زياد الذي أراد أن ينسب قتل عليّ-الأكبر- بن الحسين إلى الله:( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) ، فالإمام تحدّى الحاكم في مجلسه حين ردّ على الانحراف العقائدي بتلك الصراحة، وبيّن الفرق بين التوفّي للأنفس واسترجاعها ـ الذي نسبه القرآن إلى الله تعالى حين حلول الأجل والموت حتف الأنف ـ وبين القتل الذي هو إزهاق الروح من قبل القاتل قبل حلول الموت المذكور.
وفي جوابه عليه السلام عن سؤال: أبقدر يصيب الناس ما أصابهم أم بعمل؟ قال عليه السلام :(إنّ القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد... ولله فيه العون لعباده الصالحين) ، ثمّ قال عليه السلام :(ألا من أجور الناس من رأى جوره عدلاً، وعدل المهتدي جوراً) (5) .
وكلما نقلب اوراق التاريخ نجن أن الامام زين العابدي يبث العلم و الحكمة في كل سطر و كلمة وحركة و سكون، فكان يبلغ الناس ويرشدهم الى الطريق الحق بسلاح العلم والتثقيف وكانت هذه الميزة التي استقطب عليه السلام الناس من حوله، لا سيما سمو اخلاقه ورفعة شأنه وطيب أصله.
إعداد: قيس العامري
أعلام الهداية /ج6
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) كانت عملية منع الحديث ـ تدويناً ورواية ـ قد بدأت بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مباشرة.
(٢) المحاسن: ٢٢١ ح١٣٣.
(٣) تفسير البرهان : ٣ / ١٥٦.
(٤) بحار الأنوار : ٤٦ / ١٠٧.
(5) التوحيد للصدوق: ٣٦٦.
اترك تعليق