قال الطبري في كتاب بشارة المصطفى-صلى الله عليه وآله وسلم - لشيعة المرتضى -عليه السلام- : أخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي ( رحمه الله ) فيما أجاز لي روايته عنه ، وكتب لي بخطّه سنة إحدى عشرة وخمسمائة بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قال : حدّثني أبو الحسن محمد بن الحسين المعروف بابن الصقال ، قال : حدّثنا أبو المفضل محمد بن معقل العجلي القرميسيني بشهرزور ، قال : حدّثني محمد بن أبي الصهبان الباهلي ، قال : حدّثنا الحسن بن علي بن فضال ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ، عن أبيه ( عليهما السلام ) ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ( رضي الله عنه ) قال : صلّى بنا رسول الله صلاة العصر ، فلمّا انفتل جلس في قبلته والناس حوله ، فبينما هم كذلك إذ أقبل إليه شيخ من مهاجرة العرب [ عليه ] سَمَلٌ قد تهلّل وأخلق ، وهو لا يكاد يتمالك كبراً وضعفاً .
فأقبل عليه رسول الله يستجليه الخبر ، فقال الشيخ : يا نبيّ الله ، أنا جائع الكبد فاطعمني وعاري الجسد فاكسني ، وفقير فارشيني ، فقال : ما أجد لك شيئاً ولكنّ الدال على الخير كفاعله ، انطلق إلى منزل مَن يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، يؤثر الله على نفسه ، انطلق إلى حجرة فاطمة .
وكان بيتها ملاصق بيت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه .
و [ قال ] : يا بلال ، قم فقف به على منزل فاطمة؛
فانطلق الأعرابي مع بلال فلمّا وقف على باب فاطمة نادى بأعلى صوته : السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل من عند ربّ العالمين ، فقالت فاطمة : وعليك السلام ، مَن أنت يا هذا؟.
قال : شيخ من العرب أقبلتُ على أبيك سيّد البشر مهاجراً من شقّة بعيدة ، وأنا يا بنت محمد ، عاري الجسد جائع الكبد ، فواسيني رحمك الله .
وكان لفاطمة وعلي ورسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) ثلاث ما طعموا فيها طعاماً ، وقد علم رسول الله ذلك من شأنهما ، فعمدت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ كان ينام عليه الحسن والحسين : فقالت : خذ هذا أيّها الطارق فعسى الله أن يرتاح لك ما هو خير منه .
فقال الأعرابي : يا بنت محمد ، شكوت إليك الجوع فناولتني جلد كبش ما أنا صانع به مع ما أجد من السَّغب .
قال : فعمدت ( عليها السلام ) لمّا سمعت هذا من قوله إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمّها حمزة بن عبد المطّلب ، فقطعته من عنقها ونبذته إلى الأعرابي ، فقالت : خذه وبعه فعسى الله أن يعوّضك به ما هو خير منه .
فأخذ الأعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول الله ، والنبيّ جالس في أصحابه ، فقال : يا رسول الله ، أعطتني فاطمة بنت محمد هذا العقد وقالت : بعه فعسى أن يصنع الله لك ، قال : فبكى النبيّ وقال : وكيف لا يصنع الله لك وقد أعطتك فاطمة بنت محمد سيّدة بنات آدم .
فقام عمّار بن ياسر ( رحمه الله ) فقال : يا رسول الله ، أتأذن لي بشراء هذا العِقد؟.
قال : اشتره يا عمّار ، فلو اشترك فيه الثقلان ما عذّبهم الله بالنار .
فقال عمّار : بكم هذا العِقد يا أعرابي ؟ قال : بشبعة من الخبز واللحم ، وبُردة يمانية استُر بها عورتي وأُصلّي فيها لربّي ، ودينار يبلغني إلى أهلي .
وكان عمّار قد باع سهمه الذي نقله رسول الله من خيبر ولم يبق منه شيئاً ، فقال : لك عشرون ديناراً ومِئتا درهم هجرية وبُردة يمانية ، وراحلتي تبلغك ( إلى ) أهلك وشبعة من خبز البر واللحم ، فقال الأعرابي : ما أسخاك بالمال [ أيّها الرجل ]!وانطلق به عمّار فوفّاه ما ضمن له .
وعاد الأعرابي إلى رسول الله ، فقال له رسول الله : أشَبعت واكتسيت ؟.
قال الأعرابي : نعم ، واستغنيت بأبي أنت وأُمي ، قال ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : فأجز فاطمة بصنيعها .
فقال الأعرابي : اللهمّ إنّك إله ما استحدّثناك ولا إله لنا نعبده سواك ، وأنت رازقنا على كل الجهات ، اللهمّ اعطِ فاطمة ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت .
فأمّن النبيّ على دعائه وأقبل على أصحابه فقال : إنّ الله قد أعطى فاطمة في الدنيا ذلك : أنا أبوها وما أحد من العالمين مثلي ، وعلي بعلها ولولا علي ما كان لفاطمة كفواً أبداً ، وأعطاها الحسن والحسين وما للعالمين مثلهما سيّدا شباب أسباط الأنبياء وسيّدا أهل الجنّة ، ـ وكان بإزائه مقداد وعمّار وسلمان ( رضي الله عنهم ) ـ فقال : وأزيدكم ؟.
فقالوا : نعم يا رسول الله .
قال : أتاني الروح الأمين ـ يعني جبرئيل ـ إنّها إذا هي قُبضت ودُفنت يسألها الملكان في قبرها : مَن ربّك ؟ فتقول : الله ربّي ، فيقولان : مَن نبيّك ؟.
فتقول : أبي ، فيقولان : فمَن وليّك ؟ فتقول : هذا القائم على شفير قبري علي بن أبي طالب ، ألا وأزيدكم من فضلها أنّ الله قد وكلّ بها رعيلاً من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها ، وهم معها في حياتها وعند قبرها بعد موتها ، يكثرون الصلاة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها ، فمَن زارني بعد وفاتي فكأنّما زارني في حياتي ، ومَن زار فاطمة فكأنّما زارني ، ومَن زار علي بن أبي طالب فكأنّما زار فاطمة ، ومَن زار الحسن والحسين فكأنّما زار علياً ، ومَن زار ذرّيتهما فكأنّما زارهما .
فعمد عمّار إلى العقد وطيّبه بالمسك ولفّه في بُردة يمانية وكان له عبد اسمه سهم ، ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر ، فدفع العقد إلى المملوك وقال له : خُذ هذا العِقد فادفعه إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) وأنت له ، فأخذ المملوك العِقد فأتى به رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) وأخبره بقول عمّار ( رحمه الله ) فقال النبيّ : انطلق إلى فاطمة فادفع إليها العقد وأنت لها .
فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول الله ، فأخذت فاطمة العِقد وأعتقت المملوك فضحك الغلام ، فقالت فاطمة ( عليها السلام ) : ما يضحكك يا غلام ؟.
فقال : أضحكني عِظمُ بَرَكة هذا العِقد ، أشبع جائعاً وكسى عرياناً وأغنى فقيراً وأعتق عبداً ورجع إلى ربّه.
من كتاب: بشارة المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم ) لشيعة المرتضى(عليه السلام): / للمؤلّف : أبي جعفر محمّد بن أبي القاسم الطّبريّ.
اترك تعليق